نشر موقع "
فوكس" الأمريكي، تقريرًا، تحدّث فيه عن الاتهام الذي وجهته
جنوب أفريقيا لدولة الاحتلال الإسرائيلي بالإبادة الجماعية، في القضية التي تقدمت بها إلى المحكمة الدولية بلاهاي؛ حيث تحمل هذه الخطوة دلالات سياسية داخلية وخارجية تعكس تضامن جنوب أفريقيا مع
القضية الفلسطينية، ورغبتها في تحدي النظام الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، وأنها تعتبره غير عادل للمصالح الأفريقية وغير الغربية.
وقال
الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي 21"، إن حكومة جنوب أفريقيا اتخذت موقفها الأكثر صرامة حتى الآن ضد حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة، واتهمت دولة الاحتلال بارتكاب
إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قضية جديدة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.
وأوضح الموقع، أن جنوب أفريقيا رفعت القضية، الجمعة، وطلبت من محكمة العدل الدولية أن تأمر دولة الاحتلال الإسرائيلي بوقف هجومها في غزة على الفور؛ في حين أن طلب جنوب أفريقيا قد لا يؤثر على نتيجة الحرب بأي طريقة ذات معنى، إلا أنه يعتمد على العلاقات طويلة الأمد بين نضال التحرير الذي خاضه السود في جنوب أفريقيا ونضال الشعب الفلسطيني.
كذلك، يشير إلى رغبة البلاد في تحدي النظام الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، والذي تعتبره غير عادل للمصالح الأفريقية وغير الغربية.
وذكر الموقع نفسه، أن الطلب المؤلف من 84 صفحة، ينص على أن "الأفعال والتقصيرات التي قامت بها دولة الاحتلال الإسرائيلي، والتي اشتكت منها جنوب أفريقيا، هي إبادة جماعية في طابعها؛ لأنها تهدف إلى تدمير جزء كبير من المجموعة الوطنية والعنصرية والإثنية الفلسطينية"، في انتهاك لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لسنة 1948.
وأفاد الموقع بأنه سرعان ما رفضت دولة الاحتلال الإسرائيلي الطلب "باشمئزاز"، واصفة إياه بـ"التشهير بالدم"، في إشارة إلى اتهام كاذب نشأ في العصور الوسطى بأن الشعب اليهودي سوف يقتل المسيحيين ويستخدم دماءهم في الطقوس، والذي تم استخدامه كمبرر لقمع المجتمعات اليهودية.
وبين الموقع أن محكمة العدل الدولية تختلف عن المحكمة الجنائية الدولية، التي تحقق بالفعل في جرائم حرب مزعومة ارتكبتها كل من دولة الاحتلال الإسرائيلي وحماس نتيجة لعملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وتم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع الأفراد على أعلى المستويات، ومحاكمتهم المتهمين بالتخطيط لجرائم الحرب وتوجيهها، في حين أن المحاكم الوطنية هي عادة مكان لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب ذات المستوى المنخفض؛ أي المقاتلين الأفراد الذين ربما ارتكبوا جرائم حرب بتوجيه من هؤلاء القادة أو القادة رفيعي المستوى.
بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، يمكن لأي دولة توجيه اتهامات بالإبادة الجماعية ضد دولة أخرى أمام محكمة العدل الدولية، بغض النظر عما إذا كانت هذه الدولة طرفًا في النزاع أم لا.
وفي سنة 2019؛ رفعت غامبيا قضية إبادة جماعية ضد ميانمار بسبب جرائمها ضد مجموعة الروهينغيا العرقية، وأيدت محكمة العدل الدولية شرعية القضية في سنة 2022. ويمثل التماس جنوب أفريقيا أحد السبل القليلة أمام هيئة دولية للإدلاء ببيان واضح حول تصرفات دولة الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
وأشار الموقع إلى أن وزارة الخارجية الفلسطينية، ومقرها الضفة الغربية، أشادت بالإجراء الذي اتخذته جنوب أفريقيا ودعت المحكمة إلى "التحرك الفوري لحماية الشعب الفلسطيني ودعوة إسرائيل، القوة المحتلة، إلى وقف هجومها ضد الشعب الفلسطيني".
وأفاد الموقع، بأنه من الصعب إثبات اتهامات الإبادة الجماعية؛ لأنها لا تشمل الأفعال فحسب، بل تشمل النوايا. وطوال فترة الصراع؛ اتهم النشطاء والباحثون المؤيدون للفلسطينيين والسياسيين، دولة الاحتلال الإسرائيلي، بارتكاب إبادة جماعية، ولقد كانت هناك محاكمات ناجحة للإبادة الجماعية في القرن العشرين، في رواندا والبوسنة، من خلال المحاكم الجنائية الدولية التي تم تشكيلها من خلال الأمم المتحدة.
ولدى جنوب أفريقيا أسباب متعددة لتوجيه الاتهام ضد "إسرائيل"
وأضاف الموقع، أن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في جنوب أفريقيا يتمتع بعلاقات عميقة مع منظمة التحرير الفلسطينية، تمتد إلى زعيمه السابق وأول رئيس لجنوب أفريقيا بعد الفصل العنصري، نيلسون مانديلا.
ولقد انضم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي إلى منظمة التحرير الفلسطينية وغيرها من القضايا الثورية أثناء وجود مانديلا في السجن. وبعد إطلاق سراحه؛ كان مانديلا مؤيدًا قويًا لمنظمة التحرير الفلسطينية، وزعيمها ياسر عرفات، وقال في سنة 1990: "إننا نتعاطف مع منظمة التحرير الفلسطينية لأنها، مثلنا تمامًا، تناضل من أجل حق تقرير المصير".
وبعد مرور عقود من الزمن؛ لا يزال هذا الشعور قائمًا في حكومة جنوب أفريقيا، وفي نظر العديد من مواطني جنوب أفريقيا العاديين الذين يروون نضالهم ضد الاستعمار والفصل العنصري في محنة الفلسطينيين ونضالهم المستمر منذ عقود من أجل تقرير المصير. وهذا أمر بارز بشكل خاص في سنة الانتخابات في جنوب أفريقيا؛ حيث يكافح حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وزعيمه الرئيس، سيريل رامافوزا، للبقاء في السلطة المهيمنة هناك.
ونقل الموقع عن الباحث الزائر في جامعة كاليفورنيا بيركلي مايكل والش، قوله: "هناك سابقة تاريخية ضخمة لذلك، سواء في السياق السياسي المحلي أو في السياق الأخلاقي والقانوني".
وانخرطت جنوب أفريقيا في القضية الفلسطينية، منذ نهاية نظام الفصل العنصري وتأسيس الدولة، ولقد كانت قضية بارزة في سياسة جنوب أفريقيا وبين زعماء جنوب أفريقيا. فيما أكد الموقع أن الإحالة إلى محكمة العدل الدولية ليست الخطوة الأولى التي تتخذها جنوب أفريقيا لمحاسبة دولة الاحتلال الإسرائيلي على هجماتها على غزة، فقد أدان رامافوسا، مرارًا وتكرارًا إجراءات دولة الاحتلال ضد الفلسطينيين.
ومنذ عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر وحملة الاحتلال الإسرائيلي اللاحقة على غزة، أدانت الحكومة الاحتلال مرارًا وتكرارًا في الصحافة الدولية. كما صوت البرلمان على إغلاق "السفارة الإسرائيلية" وسحب موظفي جنوب أفريقيا الدبلوماسيين من دولة الاحتلال الإسرائيلي، في حين قدمت وزارة الخارجية، إحالة، إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الجرائم المزعومة، بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية، في الأراضي الفلسطينية في تشرين الثاني/ نوفمبر.
واستعرض الموقع الأسباب الداخلية والخارجية لمحاولة جنوب أفريقيا محاسبة دولة الاحتلال الإسرائيلي على الساحة الدولية، قائلة إن أحد هذه الأسباب هو "الشرعية في النظام الدولي والنظر إليها على أنها لاعب رئيسي"، بحسب والش.
وأرجع الموقع هذا التصور جزئيًا على الأقل إلى رفض جنوب أفريقيا اعتقال الدكتاتور السوداني، عمر البشير، في سنة 2015، عندما سافر الزعيم المخلوع إلى البلاد لحضور اجتماع للاتحاد الأفريقي.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت أوامر باعتقال البشير بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سنة 2009، وبتهم الإبادة الجماعية في سنة 2010. وكانت جنوب أفريقيا، باعتبارها دولة عضوة في المحكمة الجنائية الدولية، ملزمة باعتقال البشير، وإحالته إلى المحكمة لمحاكمته.
ومع ذلك، فشلت المحكمة الجنائية الدولية، فعليًا، في معاقبة البلاد من خلال رفض إحالة جنوب أفريقيا إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو جمعية الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية، ربما بسبب القلق من انسحاب جنوب أفريقيا من المحكمة الجنائية الدولية.
وأضاف الموقع، أن جنوب أفريقيا تجنبت معضلة مماثلة في السنة الماضية عندما اختار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي يخضع أيضًا لمذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بسبب غزوه لأوكرانيا في سنة 2022، حضور قمة عبر الفيديو بدلًا من حضوره شخصيًا هذا الصيف.
وقال والش: "لقد مورست ضغوط كبيرة على جنوب أفريقيا على مدى السنتين الماضيتين للتعامل مع الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم حرب، ولكن من الواضح أنهم ليسوا على الجانب الغربي من الانقسام السياسي الدولي".
ومن خلال قضية محكمة العدل الدولية؛ أصبحت جنوب أفريقيا، قادرة على فرض نفسها كلاعب على الساحة الدولية، والتعبير عن تضامنها الطويل الأمد مع القضية الفلسطينية، ومعالجة المشاعر السياسية الداخلية، والإشارة إلى اختلال التوازن في الهيئات الدولية عندما يتعلق الأمر بمحاكمة جرائم الحرب.
وتابع والش بأن جنوب أفريقيا لديها "اعتقاد عميق بأن إسرائيل ترتكب جرائم حرب، وأن هناك حاجة مهمة لمحاسبة أي دولة ترتكب جرائم حرب. وأعتقد أنهم يرون نفاقًا هائلاً في كيفية محاكمة جرائم الحرب في جميع أنحاء العالم؛ ولذا فقد جعلوا من هذا سببًا".
تتمتع محكمة العدل الدولية بسلطة محدودة في تنفيذ أحكامها
ونقل الموقع تصريح الأستاذة المساعدة في التاريخ الدولي بجامعة أوتريخت، إيفا فوكوشيتش، لصحيفة "الغارديان" البريطانية، الذي قالت فيه "إن محكمة العدل الدولية، تمثل أحد الإمكانيات الوحيدة لعرض النزاع أمام هيئة دولية؛ حيث إن الدول، على مستوى العالم، ليس لديها الكثير من الأماكن التي يمكن أن تذهب إليها".
وأضافت أنه "في مثل هذه المواقف، خاصة أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يعاني من الاستقطاب والاختلال الوظيفي، لا تتمتع بقدرة كبيرة على وضع العواقب وراء قراراتها".
إلى ذلك، أوضح الموقع أن المحكمة الجنائية الدولية تستطيع أن تحاكم جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان، على سبيل المثال؛ الغزو الروسي لأوكرانيا. ولديها القدرة على احتجاز الأشخاص في لاهاي حتى يتمكنوا من قضاء مدة عقوبتهم في إحدى الدول التي وافقت على تنفيذ تلك الأحكام. وتستطيع محكمة العدل الدولية أن تصدر أحكامًا في هذا الشأن أيضًا، ولكن ضد الدول وليس ضد الأفراد.
ولفت الموقع إلى أن آلية تنفيذ هذا الحكم هي الحكم نفسه، وهذا لا يعني أن الدولة سوف تمتثل.
فعلى سبيل المثال؛ قضت محكمة العدل الدولية، بأن روسيا يجب أن تنهي أعمالها العدائية في أوكرانيا على الفور، بينما تستعد تلك الحرب لدخول عامها الثاني. ومن الناحية النظرية، يفرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة العواقب في حالة عدم امتثال أحد الأطراف في القضية، ولكن، كما أشار فوكوشيتش، فإن "هذه الهيئة مسيسة إلى حد كبير، وخاصة بين الأعضاء الخمسة الدائمين الذين يتمتعون بحق النقض".
واختتم الموقع تقريره قائلًا إنه "قد تمر أشهر أو حتى سنوات قبل أن تصدر محكمة العدل الدولية حكمها في هذه القضية، لكن على المدى القريب، تدعو جنوب أفريقيا إلى إصدار أمر مؤقت لوقف إطلاق النار من المحكمة، والذي يمكن أن يصدر في الأسابيع المقبلة"، حسبما ذكرت وكالة "أسوشيتد برس".