ترفرف
أعلام
إسرائيل في كثير من مظاهرات
اليمين المتطرف في
الغرب، في مشهد عبثي مؤسف يحيّر
المراقب للمشهد ويدفعه للتساؤل: من منهما يدعم الآخر ولماذا؟ وبدا في ظاهر الأمر
أن عدو عدوي صديقي لأن إسرائيل في حالة عداء مع معظم العرب والمسلمين، وبالتالي
فإن الحقد اليميني على المهاجرين العرب والمسلمين دفعه لهذا التحالف الهش. وفي
الوقت نفسه يبدي اليمين المتطرف إعجابه بالتجربة الروسية وبالدولة
المركزية المسيطرة، حتى أتت عملية طوفان الأقصى ففجرت هذا التحالف الهش ووضعت
اليمين المتطرف الغربي في مأزق سياسي وإنساني وأخلاقي.
صمود
أهل غزة أثبت للتيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا والولايات المتحدة صورة مختلفة
عن العربي والمسلم التارك لبلده والساعي حثيثا نحو الغرب. ومعظم مؤيدي هذه
التيارات لديهم قسط بسيط من التعليم والثقافة، وبالتالي يصعب عليهم هضم فكرتين
متناقضتين في آن معا؛ وهما العربي والمسلم
الصامد
حاولت القيادات السياسية للتيارات اليمينة المتطرفة في كل من ألمانيا وفرنسا والدنمارك مثلا تعزيز خطاب الإسلاموفوبيا ورفع لواء مناهضة معاداة السامية، لكن الأمر لم يحقق الانتشار الذي كانت تأمله، بل على العكس، أثبت الانقسامات الداخلية في هذه التيارات اليمينة المتطرفة تجاه الحرب على غزة
الذي لا يريد مغادرة أرضه من
ناحية والمهاجر العربي والمسلم الذي تدعوه هذه التيارات إلى ترك البلاد الغربية
والعودة إلى أرضه ووطنه من ناحية أخرى. فأين يذهب إذن؟ أضف إلى ذلك موقف روسيا غير
المتماهي مع إسرائيل بسبب تغير موازين القوى والتحالفات بعد حرب أوكرانيا، ما جعل
الصورة أكثر تشويشا عند التيارات اليمينية الغربية وقواعدها الشعبية.
حاولت
القيادات السياسية للتيارات اليمينة المتطرفة في كل من ألمانيا وفرنسا والدنمارك
مثلا تعزيز خطاب الإسلاموفوبيا ورفع لواء مناهضة معاداة السامية، لكن الأمر لم
يحقق الانتشار الذي كانت تأمله، بل على العكس، أثبت الانقسامات الداخلية في هذه
التيارات اليمينة المتطرفة تجاه الحرب على غزة.
لقد
تجلى هذا الإفلاس اليميني المتطرف في مظاهرة لندن الشهر الماضي؛ حيث حاولت وزيرة
الداخلية المقالة سويلا برافرمان استثمارها يمينيا، فانقلب السحر ضد الساحر وشرخت
الحكومة البريطانية ما أدى لإقالتها وتغيير وزير الخارجية أيضا.
إن
المتأمل لأحوال الدول الغربية وخاصة أوروبا خلال الفترة الماضية، يجد أن هناك
انعطافا شديدا ناحية اليمين المتطرف، مدفوعا بمشاكل اقتصادية وتراجع تيارات اليسار
والاشتراكية التي كانت ترحب بالمهاجرين. وتحول الأمر من حديث حول الانتخابات وفوز
أحزاب اليمين المتطرف إلى حديث حول تغيير قوانين الهجرة لتشديدها والحد من تدفق
المهاجرين، حتى من قبل الحكومات التي لا تصنف على أنها من اليمين المتطرف، وذلك في
مغازلة للمزاج العام المعادي للمهاجرين.
الحرب على غزة أتت كطوق نجاة لأوروبا المنهكة والضائعة سياسية وخاصة لمسلميها، ووفرت لهم صدمة سياسة وعسكرية وأخلاقية ضد المبادئ الليبرالية وكشفا لها، الأمر الذي قد يعرقل عجلة الصعود السريع لليمين المتطرف على الصعيد السياسي والتشريعي، كما يوفر أرضية أخلاقية جديدة ولغة مشتركة للأجيال الجديدة من المهاجرين العرب والمسلمين وبين المجتمعات التي يعيشون فيها
لقد
كانت حرب العراق عام 2003 على سبيل المثال رافعة اجتماعية وسياسية لجيل الألفية،
سواء من أصول مهاجرة أو غيرهم من أقرانهم الأوروبيين وفي الغرب بشكل عام. فقد كشفت
عن فظاظة وبشاعة أرغمت كثيرين على الانضواء في أحلاف شعبية وسياسية؛ سمحت لأبناء
المهاجرين بالتعبير عن أنفسهم والانخراط في العمل الاجتماعي والسياسي على أرضية
مشتركة مع طيف واسع من المجتمع، وكانت بوابة لوصول كثير منهم إلى مناصب سياسية
واجتماعية هامة بعد ذلك، رغم التواطؤ الرسمي آنذاك مع الغزو الأمريكي البريطاني
للعراق.
لا
نبالغ إذا قلنا إن الحرب على غزة أتت كطوق نجاة لأوروبا المنهكة والضائعة سياسية
وخاصة لمسلميها، ووفرت لهم صدمة سياسة وعسكرية وأخلاقية ضد المبادئ الليبرالية
وكشفا لها، الأمر الذي قد يعرقل عجلة الصعود السريع لليمين المتطرف على الصعيد
السياسي والتشريعي، كما يوفر أرضية أخلاقية جديدة ولغة مشتركة للأجيال الجديدة من
المهاجرين العرب والمسلمين وبين المجتمعات التي يعيشون فيها. وإن نظرة سريعة على
النشاط الجامعي المؤيد لغزة في الجامعات الغربية كفيلة بأن توضح هذه الأمور رغم
العوائق والتحديات الذي تكتنفه.
twitter.com/HanyBeshr