الكتاب: "الإرهاب بين المصطلح والواقع"
الكاتب: د.عصام شيخ الأرض
الناشر: تموز ـ ديموزي للطباعة والنشر
والتوزيع، الطبعة الأولى 2024
(184 صفحة من القطع الكبير)
مفهوم الإرهاب
يعالج الباحث عصام شيخ الأرض في الفصل
الثالث من هذا الكتاب تعريف الإرهاب والتوصل إلى معناه الحقيقي، إذ يقرُّ بصعوبة
توحيد الآراء حول مفهوم واحد له، لاختلاف الرؤى والمصالح السياسية للدول، إلا أن
محاولة التعرف على معنى مفهوم الإرهاب ومحاولة تعريفه أمر في غاية الأهمية كونه
سيساعد في تفهم وإزالة الغموض واللبس الذي يكتنف هذا المفهوم، الأمر الذي يمكننا
من التوصل إلى نتائج صحيحة تعبر عن الواقع العلمي للمفهوم وتساعد في معالجة
الظاهرة قانونياً. ولاستكمال معنى مفهوم الإرهاب فإنه لا بد من التطرق إلى موضوع
أشكال وأساليب الإرهاب للتمييز بين هذه الأشكال والأساليب التي غالباً ما يخلط
بينها، بالإضافة إلى استعراض الجهود الدولية الخاصة بقمع ومنع كل أسلوب من هذه
الأساليب.
وكون الفعل الإرهابي بكافة أشكاله
وأساليبه فعلا إجراميا، فكان لا بد أن نتطرق إلى الإرهاب كجريمة دولية بتفصيل الأفعال
التي تؤلف الإرهاب الدولي ومحاولة بيان ما يجري من خلط بين الأمور في تجريم
الإرهاب وصولاً إلى مواجهة الإرهاب كجريمة.
يقول الباحث عصام شيخ الأرض: "تعددت أقوال الباحثين حول الأسباب التي أدت إلى إثارة مثل هذه الصعوبة حول
تعريف الإرهاب، والذي يعد الخطوة الأولى على طريق التوصل إلى حل جذري لهذه
المشكلة، فالبعض يرجع صعوبة التعريف إلى ممارسات الدول الكبرى، إما أن الإرهاب على
المستوى الدولي لا يعد جريمة في حد ذاته لكنها تسمية أو مظلة ينضوي تحتها عدد من
الجرائم المعرفة في حين يرجع البعض هذه الصعوبة إلى تشعب الإرهاب وتعدد أشكاله
وأهدافه، وتعدد البواعث والدوافع لارتكاب هذه الجريمة. بينما يفسر البعض ذلك بتعدد
الباحثين الذين يدرسون الظاهرة، واختلاف أطرهم المرجعية، وتخصصاتهم، وكذلك
الاختلاف حول نمط العنف الموصوف بالإرهاب) كما أن الإرهاب أحد أساليب الصراع
السياسي الذي يمكن أن تلجأ إليه كل القوى السياسية فقد استخدمته الثورة الفرنسية
بمعنى العدالة، واستخدمه الثوار الشيوعيون في روسيا أثناء الحرب الوطنية هناك،
وكذلك عناصر الثورة المضادة لها"(ص46).
فقد عكست كتابات العديد من الفقهاء
مظاهر هذه الصعوبة، فالبعض اعتبر أن محاولة التعريف تعد من قبيل المغامرة د. محمد
عزيز شكري في كتاب الإرهاب الدولي والنظام العالمي الراهن، في حين يعتقد رأي آخر
أن مناقشة التعريف لم تحقق تقدماً في دراسة المشكلة أحمد جلال عز الدين في كتاب "الإرهاب والعنف السياسي"، حتى إن الفقهاء الذين تناولوا تعريف الإرهاب منهم
من اتخذ منهجاً استقرائياً، مما دفع البعض إلى وصف هذه التعريفات بأنها مجرد
أساليب مختلفة للتعبير عن نفس الشيء.
لا تعريف واضحا للإرهاب الدولي متفقاً
عليه سواء في القانون الدولي أو في تعامل المنظمات الدولية وثمة أكثر من دولة أو
جهة صاغت تعريفاً يعبر عن وجهة نظرها وقد يتعارض مع تعريف غيرها.
إن الشعب الفلسطيني ليس هو المسؤول عن جرائم هتلر، وإن لم ينته بعد من دفع ثمن ارتكاب الغرب جريمة إقامة كيان صهيوني غاصب على أرضه، فإنه آن الآوان لكي يعيد لهذا الشعب كرامته بوصفه ضحية لهذا الإرهاب الصهيوني المستمر على أيدي بيغين وشامير وباراك ونتنياهووشارون.
ومصطلح الإرهاب يقبل تفسيرات متنوعة
تختلف باختلاف المفاهيم الفلسفية السياسية والاجتماعية وهو مصطلح أوجدته واستعملته
دول الاستعمار والاحتلال العنصرية والقهر في وصف المقاومين لسياستها كما استعملته
أنظمة الحكم الديكتاتورية لتحريم خصومها والنيل من سمعتهم وسنذكر فيما يلي بعض
تعاريف الإرهاب الدولي:
1 ـ استطاعت الأمم المتحدة بجمعيتها العامة
ومنظماتها ولجانها المتخصصة بتحديد مفهوم الإرهاب الدولي بأنها تلك الأعمال التي
تعرض للخطر أرواحاً بشرية بريئة أو تؤدي بها أو تهدد الحريات الأساسية أو تنتهك
كرامة الإنسان وتصفه بأنه (بلاء إجرامي).
2 ـ تعريف وزراء الداخلية والعدل العرب في
الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الصادرة في القاهرة عام 1998م، الإرهاب هو كل
فعل من أفعال العنف أو التهديد أياً كانت بواعثه وأغراضه يقع تنفيذاً لمشروع
إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس وترويعهم بإيذائهم أو تعريض
حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو
الأملاك العامة أو الخاصة أو اختلاسها أو الاستيلاء عليها او تعريض الموارد
الوطنية للخطر.
3 ـ تعريف مجمع الفقه الإسلامي التابع
لرابطة العالم الإسلامي: الإرهاب هو العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول
بغياً على الإنسان ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق وما يتصل
بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد يقع
تنفيذاً المشروع إجرامي فردي أو جماعي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم
بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر ومن صنوفه إلحاق
الضرر بالبيئة أو المرافق العامة والأملاك الخاصة أو العامة أو الموارد الطبيعية.
فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى عباده عنها.
4 ـ نصت المادة ٣٠٤ من قانون العقوبات
السوري على ما يلي: (يقصد بالأعمال الإرهابية جميع الأفعال التي ترمي إلى إيجاد
حالة ذعر وترتكب بوسائل كالأدوات المتفجرة والأسلحة الحربية والمواد الملتهبة
والمنتجات السامة أو المحرقة والعوامل الوبائية أو الجرثومية التي من شأنها أن
تحدث خطراً عاماً.
وهذا يعني أن جريمة الإرهاب وفق
القانون السوري تتكون من كل فعل أياً كانت جنسية فاعله وأياً كان يعمل لحسابه
الشخصي أو لمصلحة مجموعة أو دولة ما يهدف لإحداث حالة من الذعر والترهيب والترويع
ويرتكب بواسطة استخدام وسائل وأدوات يكون من طبيعتها ومن أثارها إحداث خطر عام.
الإرهاب الإسرائيلي وحق الدفاع عن
النفس العربي
وفيما تعتبرالأمم المتحدة مقاومة
الشعوب ضدالاستعمارحقاً مشروعاً كفله المواثيق الدولية، وليس عملاً إرهابياً، تنعت
الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الكيان الصهيوني، قوى المقاومة الفلسطينية بـ"الإرهابية".
فالكيان الصهيوني يحتل فلسطين بالكامل،وغيرها من الأراضي العربية منذ العام
1967،وعام 1978 بالنسبة لجنوب لبنان، إذ يواجه قوة مقاومة ينعتها
ب"الإرهابية" وهي حزب الله.
أما المقاومة الفلسطينية للاحتلال
الصهيوني، فهي تندرج في إطار محاولات الرّد غير المتناسب على الاجتياح الصهيوني،
والقتل الجماعي،وتهديم الأحياء في المدن والقرى، والاعتقالات الكيفية وبالجملة لكل
شباب فلسطين، عشوائياً وبلااتهام محدد، لاغتيال بواسطة الطائرات والحوامات ومدافع
الدبابات، هذا فضلاً عن التجويع المفتوح لشعب بكامله، للنساء والأطفال والرضع،
للشيوخ والعجزة والشباب. وتأتي العمليات الاستشهادية لتعيد التوكيد على أصل
القضية: الاحتلال الصهيوني هوأبشع شكل من أشكال العدوان والإرهاب. والمقاومة
الفلسطينية هي المقاومة. . وهي مقاومة للاحتلال وللتواطؤ الدولي معه بالقيادة
الأمريكية، وللتخاذل العربي الذي لا يتورع عن التآمر على أي جهد مقاوم ليحظى بنعمة
الرضا الأمريكي.
العرب عموماً،ولا سيما الشعب
الفلسطيني، هوالضحية النموذجية للإرهاب الأمريكي ـ الصهيوني، الذي
مارسته"إسرائيل"، منذ 75عاماً مضت ولا تزال. وبدل أن تركز أمريكا على
المصدر الحقيقي للعنف والتطرف الذي يتمثل في إرهاب الدولة الذي يمارسه الكيان
الصهيوني، فإنَّها تقصرحديثها على التركيز على العمليات الاستشهادية التي يقوم بها
أفراد من الشعب الفلسطيني في مواجهة إرهاب يومي منظم تقوم به دولة تمتلك قوة عاتية
وتكنولوجيا متطورة. وهذه التكنولوجيا والقوة مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية
،إذ يستخدم السلاح الأمريكي في قتل الشعب الفلسطيني.
استطاعت الأمم المتحدة بجمعيتها العامة ومنظماتها ولجانها المتخصصة بتحديد مفهوم الإرهاب الدولي بأنها تلك الأعمال التي تعرض للخطر أرواحاً بشرية بريئة أو تؤدي بها أو تهدد الحريات الأساسية أو تنتهك كرامة الإنسان وتصفه بأنه (بلاء إجرامي).
وأذهلت الولايات المتحدة الأمريكية
العالم العربي الرسمي، الذي ساند حملتها في أفغانستان عندما تنكرت للحق في
فلسطين،فاعتبرت مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الصهيوني (إرهاباً)، بينما ساندت
حرب الإبادة الصهيونية في قطاع غزة باعتبارها دفاعاً شرعياًعن النفس، وجعلت شارون
ونتننياهو قطب السلام مقابل عرفات (رأس الإرهاب).
وتبني الرؤساء الأمريكيون و
الديمقراطيون بشكل لافت الطروحات المجنونة والممارسات الإرهابية التي يتبناها
ويبشربها رئيس الوزراء الصهيوني السابق آرييل شارون ورئيس الحكومة الصهيونية
الفاشية الحالية بنيامين نتنياهو الذي يمثل ذروة التطرف في مؤسسة الحكم الصهيونية،
ودعمه لسلوك الكيان الصهيوني الإجرامي هذا. فقد أكدت واشنطن أن الكيان الصهيوني
يحارب الإرهاب، وأنه ينوب عن أميركا في هذه المهمة/، وأنه لذلك يستحق مساندتها،
ومساندة المجتمع الدولي, في القضاء على المنظمات الإرهابية الفلسطينية، لا سيما
حركة حماس حسب ادعائها. وأعلنت واشنطن من جانبها قائمة بأسماء المنظمات الإرهابية،
وهي: حماس، والجهاد،والجبهة الشعبية لتحريرفلسطين،وكتائب الأقصى التابعة لفتح،
وحزب الله في لبنان،وفرضت حظراًعلى
سوريا، لاتهامها بمساندة هذه المنظمات، وطالبت
واشنطن العالم العربي ،أن ينضم إلى جانب معسكر السلام، الذي يقوده الكيان الصهيوني
ضد معسكرالإرهاب الذي تمثلهحركات المقاومة الفلسطينية . وفي ظل هذا الانحيازالفاضح
للكيان الصهيوني ,تحصد أمريكا اليوم الكراهية الشديدة لملايين البشرحولها في هذا
العالم.
يقول ديفيد ديوك في كتابه الجديد "أمريكا
ـ إسرائيل" و11 سبتمبر2001،" الصادرفي شهر يوليو 2002: "إذا كنت
متفقاً معي في وجوب معاقبة كل من يرتكب أعمالاًإرهابية ضد أميركا، فإن على أميركا
أن تضع "إسرائيل" على رأس قائمة المستوجبين للعقاب. . . ولم تبق أعمال
"إسرائيل" الإرهابية وخياناتها ضد أمريكا دون عقاب فحسب، بل قد كوفئت
أيضاً من قبل رجال سياسة خانوا الولايات المتحدة. . . إن السبب الحقيقي الذي جعلنا
ضحايا للإرهاب الذي وجه ضد مركز التجارة العالمي بسيط لحد يصيب بالصدمة. لقد خان
كثير جداً من الساسة الأمريكيين الشعب الأمريكي بدعمهم الأعمى لزعيمة الإرهاب في
العالم: "إسرائيل".
إن الانحياز المتطرف لوسائل الإعلام
نحو"إسرائيل" هوالسبب في الجهل المروع الذي يعاني منه أكثر الأميركيين
بسجل «إسرائيل» الإرهابي. . . إنَّ دعم الإرهاب "الإسرائيلي" أدّى بشكل
مباشرٍ إلى الإرهاب الواقع حالياً ضد الولايات المتحدة الأمريكية. إن أكثر
الأمريكيين لا يدركون عمق ومدى الإرهاب "الإسرائيلي" وذلك بسبب السيطرة
اليهودية على وسائل الإعلام التي أشار إليها الجنرال جورج براون(الرئيس الأسبق
لأركان القوات المسلحة). وأوضح مثال على قوتهم الإعلامية التي لاتصدق هوقدرتهم على
بث تلك الكذبة الكبرى بأن الهجوم على مركز التجارة العالمي ليس له أي علاقة
ب"إسرائيل"،وأن الطيارين الانتحاريين (الكاميكاز) الذين نفذوا تلك
الهجمات إنما كرهوا الأمريكان لأنهم "أحرار ".
إن الشعب الفلسطيني ليس هو المسؤول عن
جرائم هتلر، وإن لم ينته بعد من دفع ثمن ارتكاب الغرب جريمة إقامة كيان صهيوني غاصب
على أرضه، فإنه آن الآوان لكي يعيد لهذا الشعب كرامته بوصفه ضحية لهذا الإرهاب
الصهيوني المستمر على أيدي بيغين وشامير وباراك ونتنياهووشارون. فالإرهاب ضد الشعب
الفلسطيني كان عاملاًحاسماً في تأسيس الكيان الصهيوني. والدولة الصهيونية تأسست
على هذا الشكل،واستمرت بهذا الطريق في ممارسة الإرهاب المستمر ضد الشعب الفلسطيني
طوال النصف الثاني من القرن العشرين ولغاية حرب الإبادة الحالية في غزة.
وفيما تركز الولايات المتحدة على العمل
الموصوف بالإرهاب، يركز العالم الثالث ومنه العالم العربي على دراسة الأسباب
الدفينة للإرهاب، والتي يتصدرها الظلم والغطرسة الأمريكية وانتهاك القانون الدولي،
والكيل بمكيالين. ولاشك أن تناقض مصالح العالم الثالث مع مصالح وأولويا ت الولايات
المتحدة يؤدي إلى إضعاف القاسم المشترك لالتزام كل الدول بالقرارات والمعاهدات
الدولية المناهضة للإرهاب.
إن الإدارات الأميريكية المعاقبة عبر تشييئها للإرهاب ،إنما
هذا يعني تخليها عن كل ما يمت بصلة للعقلانية السياسية، وبالتالي العودة إلى تشجيع
الإرهاب الصهيوني، بمجرد سقوط نظام طالبان في أفغانستان،الذي قاد الولايات المتحدة
إلى التحررتدريجياً من تحمل عبء المطالب العربية الرسمية بضرورة تنشيط التسوية
السياسية للصراع العربي ـ الصهيوني.
ودفع تطورالمقاومة الفلسطينية البعض في
العالم العربي إلى العمل على محاصرتها تمهيداً لإنهائها. ولعل أخطرمافي الأمرهوأن
الضغط على المقاومة معناه الاعتراف، عملياً، بما يدعيه الكيان الصهيوني من أن
المقاومة إرهاب، مع كل ما ينتج عن ذلك من نتائج استراتيجية، بل عقائدية خطيرة. وفي
ظل استشراس النزعة العدوانية الصهيونية،أصيب النظام الرسمي العربي باستثناء دول
الممانعة، بنوع من الخوف والتردد،وأصبح
يدعوإلى القضاء على حركة حماس ،ما أدى إلى تعزيزالاعتقاد عند الصهاينة والولايات
المتحدة الأمريكية التي تؤيدهم أن"العرب لا يفهمون سوى سياسة القوة".
يركز العالم الثالث ومنه العالم العربي على دراسة الأسباب الدفينة للإرهاب، والتي يتصدرها الظلم والغطرسة الأمريكية وانتهاك القانون الدولي، والكيل بمكيالين
يقول الباحث عصام شيخ الأرض:"أما
في الوقت الراهن وبالرجوع إلى مبادئ القانون الدولي وميثاق هيئة الأمم المتحدة نجد
أن حق الدفاع عن النفس يستند إلى المادة (51) من الميثاق التي تقول بحق الدفاع
المشروع عن النفس، ويشكل الاستثناء الوحيد لمبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات
الدولية، وأثارت إسرائيل هذه الحجة في جميع عملياتها الإرهابية ضد دول وشعوب
المنطقة وخصوصاً في الأراضي الفلسطينية والأراضي اللبنانية لتبرير استخدامها للقوة
وقيامها بالأعمال العسكرية ضد لبنان وفلسطين، كان ولا يزال بداعي أن غايتها من هذه
الأعمال حماية أرواح وسلامة أبناءها المغتصبين وممتلكاتهم من هجوم واعتداءات
الإرهابيين المنطلقة من لبنان والمنفذة بتحريض من السلطة الفلسطينية (ضمن
إدعاءاتها)، وتدعي أنها مضطرة لممارسة حق الدفاع عن النفس المشروع بما فيه الدفاع
الوقائي لوقف دورة العنف ضدها، ولمنع حصول أعمال إرهابية مستقبلية عليها، وتحمل
الحكومة اللبنانية والسلطة التنفيذية الفلسطينية مسؤولية الأعمال التي يصفها
بالإرهابية كونهما غير قادرتين وغير راغبتين في منع هذه الأعمال"(ص106).
تذكر شروط الدفاع عن النفس المحددة في
القانون الدولي محاولين إثبات عدم مشروعية الأعمال الإرهابية وعدم تطابقها مع
متطلبات المادة (51) من الميثاق كما يلي:
يفرض هذا الشرط على الدولة أثناء حصول
اعتداء مسلح حقيقي عليها أن تلجأ إلى الوسائل والإجراءات السلمية لرده، في حال
توفر مثل هذه الوسائل والإجراءات.
إن ادعاء "إسرائيل" أولاً
بعدم توفر الوسائل والإجراءات السلمية لرد الاعتداءات التي تشن عليها، وثانياً
بفشل هذه الوسائل حال توفرها من منع حصول الاعتداءات هو ادعاء باطل وغير صحيح.
ف"إسرائيل" تحتل جزءاً من أراضي لبنان، ولولا أعمال المقاومة التي كانت
منصبة على الاحتلال الإسرائيلي لما تم تحرير الجنوب، فالمحتل الإسرائيلي كان يرفض
الانسحاب من جنوب لبنان على الرغم من أن القرار (425) الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ
19مارس1978 يدعو إلى ذلك. فالأعمال التي قام ويقوم بها المقاومون اللبنانيون ما هي
سوى ردة فعل على هذا الاحتلال المخالف للقانون الدولي وإرادة المجتمع الدولي،
وهدفهم طرد المحتل، وتوقف أعمال المقاومة مرتبط بالانسحاب الكامل للإسرائيليين من
الأراضي التي يحتلونها.
ونفس الأمر ينطبق على الحال الفلسطيني
الذي يواجه إرهاباً وعدواناً إسرائيليين مستمرين، يثبت فيها هذا الكيان يوماً بعد
آخر مقولة أنه فوق القانون الدولي ، فهو من المفروض أنه ملتزم باتفاقيات أوسلو
التي عقدها مع منظمة التحرير الفلسطينية والتي حددت الالتزامات المتقابلة ورسمت
حدود السلطة الفلسطينية وأعطت التوقيتات اللازمة بشأنها وبشأن إعلان الدولة
الفلسطينية، إلا أن أياً من هذه الالتزامات لم ينفذ من قبل الجانب الإسرائيلي، لا
بل أنه أصر على انتهاك الأعراف والقوانين الدولية وعلى ممارسة الإرهاب والعنف إزاء
الشعب الفلسطيني.
الحقيقة أن أعمال المقاومة كانت ولا
تزال محدودة سواء من ناحية عدد المشتركين في كل عملية، ونوعية السلاح المستخدم، أو
من ناحية الأهداف المستهدفة، فطبيعة المقاومة تفرض أن يشترك في العمليات مجموعات
صغيرة من المقاتلين مزودة بأسلحة فردية وقنابل يدوية وقاذفات صواريخ وألغام، وتفرض
أن تستهدف هذه العمليات دوريات الإسرائيليين وأعوانهم وتجمعاتهم ومراكزهم في
الأراضي المحتلة إلا أنه في حالات معينة، خاصة في حالات الاجتياحات الكبيرة
والاعتداءات على الأماكن الأهلة بالمدنيين، تقوم المقاومة بقصف المستعمرات
الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة كرد تكتيكي لردع إسرائيل من متابعة التعرض
للمدنيين ولإيقاف أعماله العسكرية.
يتضح أن نوعية الأعمال التي تقوم بها
المقاومة ليست من النوع الذي يهدد وجود هذا الكيان، وهي بالتالي ليست الطارئ الذي
لا يمكن رده، ولا يدع مجالاً للتشاور والمناقشة، و"إسرائيل" لم تقدم لا
في الماضي ولا في الحاضر أي أسس كافية لإثبات وجود هذا الطارئ لتحقق شرط الضرورة
الحقيقية للرد القسري الذي يقوم به ضد فلسطين ولبنان أرضاً وشعباً.
وحجة إسرائيل أن لها الحق في أن تقرر
بنفسها ولنفسها ما إذا كان ردها العسكري ضرورياً أو غير مقبول، فالضرورة معيار
موضوعي محكوم بالوقائع المادية، وكل الوقائع المادية لا تشير لا من قريب ولا من
بعيد أن هناك خطراً يهدد وجوده أو كيانه حاصل من أعمال المقاومة، يستدعي الضرورة
لاستخدام "إسرائيل" لقوتها العسكرية الوحشية والبربرية كما هوالحال الآن
في إبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزو،وممارسة التطهير العرقي على أوسع نطاق،
بتأييد أمريكي مطلق.
مفهوم العدوان الإسرائيلي
إن تعريف العدوان الذي جاء به قرار
الجمعية العامة، في 14كانون الأول/ ديسمبر 1974، ينطبق على استخدام "إسرائيل" للقوة
العسكرية الوحشية ضد الأراضي الفلسطينية ولبنان وبعض الحالات العدائية داخل
الأراضي السورية. وإن تعداد الأعمال التي يعتبرها القرار أعمالاً عدوانية هي ذاتها
الأعمال التي تقوم بها "إسرائيل".
إن احتلال "إسرائيل" للأراضي
الفلسطينية ولجزء من أراضي لبنان يظهر الصفة العدوانية لا الدفاعية لأعمالها.
ويبرر هذا الاحتلال للمقاومة القيام بالعمليات العسكرية في إطار ممارسة حقها في
تحرير الأرض من المحتل وفي إطار حق الشعبين الفلسطيني واللبناني في تقرير مصيره
وتحقيق استقلاله ووحدة أراضيه، فحق شعبنا العربي في مقاومة المحتل واستعمال القوة
مكرس في المواثيق الدولية.
وإن قرار تعريف العدوان استثنى استعمال
القوة في هذه الحالة من مفهوم العدوان، فالمادة السابعة من هذا القرار تنص على أنه
ليس في هذا التعريف ما يضعف أو ينقص حق تقرير المصير والحرية والاستقلال المستمد
من الميثاق للشعوب المحرومة بالقوة من هذا الحق، وخاصة الشعوب التي ترزح تحت حكم
الأنظمة الاستعمارية أو العنصرية أو أي شكل آخر من التسلط الأجنبي، ولا على حق هذه
الشعوب في النضال لتحقيق هذه الغاية وفقاً لمبادئ الميثاق وللإعلان الخاص بمبادئ
القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول. لهذا فإن حجة الأمن
والدفاع عن النفس هي كذبة تستخدمها "إسرائيل" لتغطية حقيقتها التوسعية
وحلمها في إقامة دولة "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات.
وإن ما تقوم به "إسرائيل" ضد
كل من فلسطين ولبنان هي أعمال عدوانية، وهي أخطر نوع من أنواع الاستعمال اللامشروع
للقوة، حيث لا تبرير لهذه الأعمال في القانون الدولي، وليس هناك أي اعتبار ما سواء
سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً أو أي اعتبار آخر، يمكن أن يبرر العدوان، العدوان
الذي هو جريمة ضد السلام العالمي ويرتب مسؤولية على الدولة المعتدية ولا يمكن
الاعتراف بمشروعية ما ينتج عن هذا العدوان.
التمييز بين الإرهاب والمقاومة
المشروعة في نظر القانون الدولي
إن الشعوب وهي في طريقها للحصول على
حريتها سواء ابتداء، من خلال الحصول على حق تقرير المصير، أو من خلال خضوعها
لحكومة وطنية من خلال حقها في ممارسة ديمقراطية واعية وتقرير المزيد من حقوق
الإنسان لها، فقد تمارس أعمال العنف من أجل الوصول إلى هدفها، الأمر الذي يدفع
البعض إلى أن يصف هذه الأعمال بالإرهاب، وبالنظر إلى أن الإرهاب هو خروج عن
المألوف وإتيان أعمال غير معتادة من العنف، فقد خلط الكثيرون بين الإرهاب وصور
التعبير السياسي العنيفة الأخرى مثل: العنف السياسي، أو غير العنيفة، مثل:
الديمقراطية وحقوق الإنسان باعتباره وسيلة للتعبير بديله لعدم وجود الديمقراطية أو
التمتع بحقوق الإنسان، وقد لا يقتصر الأمر على مجرد خلط المفاهيم بين الإرهاب وتلك
الصور بل قيام علاقة تبادلية بينه وبينها، بحيث يؤثر كل منها في الآخر، بل إن
الخلط شاع بصفة أساسية بين الإرهاب وحركات الكفاح المسلح التي تمارسها الشعوب
المستعمرة من أجل (تقرير مصيرها أو التي تعد صورة من صور العنف السياسي).
إن احتلال "إسرائيل" للأراضي الفلسطينية ولجزء من أراضي لبنان يظهر الصفة العدوانية لا الدفاعية لأعمالها. ويبرر هذا الاحتلال للمقاومة القيام بالعمليات العسكرية في إطار ممارسة حقها في تحرير الأرض من المحتل وفي إطار حق الشعبين الفلسطيني واللبناني في تقرير مصيره وتحقيق استقلاله ووحدة أراضيه،
ويتناول الباحث عصام شيخ الأرض أوجه
التفرقة بين الإرهاب ومظاهر العنف السياسي ومنها الكفاح المسلح (المقاومة
المشروعة) فيما يلي:
من المفيد التأكيد على التمييز الذي
يلحظه القانون الدولي بين الإرهاب الذي يحظر، وبين المقاومة التي تشرع. والتمييز
القانوني بين الإرهاب الدولي وبين المقاومة الوطنية ضروري جداً لأكثر من سبب
أبرزها:
1- ضرورة التعرف على الأحكام
القانونية الدولية التي حرصت منذ الأربعينات من القرن العشرين على الأقل، على
تشريع المقاومة الوطنية كأداة فاعلة الممارسة الحق في تقرير المصير ومكافحة
الاستعمار بكل أصنافه ومستوياته وأساليبه.
2- السماح بالمقاومة كأداة فاعلة في بعض
الحالات لتعميم علاقات الصداقة بين الشعوب على قاعدة حقوق الإنسان والعدالة
الاجتماعية الدولية والحفاظ على الوحدة الإقليمية والاستقلال السياسي للدولة.
3- التنبه إلى إرهاب الأفراد وإرهاب
الدولة وضرورة بذل الجهود الدولية من أجل إدانة إرهاب الدولة وليس إرهاب الأفراد
فحسب، بما يعني ذلك من ضرورة التركيز على الإرهاب المنظم الذي ترعاه إسرائيل أو
تديره أو تتورط فيه بشكل أو بآخر.
أولاً ـ المقاومة الوطنية المشروعة
هناك بين الظواهر الاجتماعية والمواقف
القانوني والفقهية تلازم وتفاعل وتكامل. فلولا تصدي الشعوب، منذ القدم، للمعتدين
لما أستطاع الفكر المقاوم تحديد العلاقة بين سلطات الاحتلال وسكان الأراضي المحتلة
على استمرار علاقة الولاء والتبعية لدولة الأصل وانتفاء أي التزام بالطاعة لدولة
الاحتلال.
بل إنه كان لضروب المقاومة التي
مارستها الشعوب الرازحة تحت نير الاحتلال في سبيل الدفاع عن وجودها وكرامتها أثر
بارز ودور فاعل في تطوير أحكام قانون الاحتلال الحربي في مجال تحريم الضم
والاستيلاء، والحفاظ على سيادة الدولة، وجواز الدفاع عن النفس طلباً للحرية وحماية
الاستقلال. ولو اطلعنا على أحكام القانون الدولي العام المعاصر لما وجدنا فيه
قاعدة تحول دون قيام سكان الأراضي المحتلة بأعمال المقاومة الوطنية، مسلحة كانت أم
غير مسلحة، والفقه الدولي الحديث لم يتخلف عن الركب في هذا الميدان فراح يعتبر أن
لهؤلاء السكان حقاً في الثورة على سلطات الاحتلال وأن واجبهم القومي يحتم عليهم
اللجوء إلى المقاومة.
لذا فإن حق الشعوب في مقاومة الاحتلال
والنضال من أجل التحرير من التبعية والاستغلال الاستعماري، هو حق مشروع كرسته
وأقرته كل أحكام ومبادئ القانون الدولي العام المعاصر. فإن ميثاق الأمم المتحدة
وفي مادته الأولى ينص على أن أحد أهداف الأمم المتحدة هو تطوير العلاقات الدولية
بين الأمم على أساس مراعاة مبدأ الحقوق والتكافؤ وتقرير المصير للشعوب واتخاذ
تدابير أخرى ملائمة لدعم السلام العالمي. كما أن الإعلان الخاص يمنح الاستقلال
للأقطار والشعوب المستعمرة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام ١٩٦٣م،
يشير إلى أن إخضاع الشعوب للاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل إنكاراً لحقوق
الإنسان الأساسية ويناقض ميثاق الأمم المتحدة ويعيق قضية السلم والتعاون الدوليين.
كما يؤكد أيضاً على أن لجميع الشعوب
الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وأن
تسعى بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
إضافة إلى ذلك، فقد أكدت الجمعية
العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 26 إلى أن لشعوب المستعمرات حقاً لا خلاف عليه
في النضال بمختلف الأساليب المتوفرة لديها ضد الدول الاستعمارية التي تقمع
تطلعاتها إلى الحرية والاستقلال. فمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها يشكل أحد الأهداف
الرئيسية للأمم المتحدة، كما يعتبر أحد الأسس الهامة في حفظ السلم والأمن الدوليين
من ميثاق الأمم المتحدة. الموادا، (55) وعلى أساس حق، الشعوب في تقرير مصيرها،
يملك كل شعب الحق في استخدام كافة الوسائل من أجل الوصول إلى حقوقه بما فيها
استخدام الكفاح المسلح.
وفي 24 تشرين أول/ أكتوبر 1973 أصدرت
الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت الرقم (26) الإعلان المتعلق بمبادئ القانون
الدولي الخاص بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول، وفقاً لميثاق الأمم المتحد،
حيث جاء فيه: إن على كل دولة أن تمتنع عن اللجوء إلى أي تدبير قسري من شأنه أن
يحرم الشعوب من حقها في تقرير مصيرها، ومن حريتها واستقلالها. وعندما تنتفض هذه
الشعوب، وتقاوم، خلال ممارستها حقها في تقرير مصيرها، أي تدبير قسري كهذا، فمن
حقها أن تلتمس وتتلقى دعماً يتلاءم مع أهداف الميثاق ومبادئه). ولو راجعنا معظم
القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لوجدنا نصاً يتكرر سنوياً منذ
منتصف السبعينيات من القرن الماضي، يتضمن إعادة تأكيد الجمعية على شرعية كفاح
الشعوب في سبيل الاستقلال والسلامة الإقليمية والوحدة الوطنية والتحرر من السيطرة
الاستعمارية الأجنبية، ومن التحكم الأجنبي، بكل ما تملك هذه الشعوب من وسائل، بما
في ذلك الكفاح المسلح).
اقرأ أيضا: هل تحول "الإرهاب" إلى صراع مسلح على الساحة الدولية؟ قراءة في كتاب (1 من2)