فرضت حركات من
الطوارق حصارا على طرق رئيسية بشمال
مالي مساء الأربعاء، وسط مؤشرات واضحة على عودة
الصراع المسلح بين الحكومة المالية المركزية في باماكو والحركات الأزوادية (الطوارق) في الشمال.
وقال "الإطار الاستراتيجي الدائم للسلام والأمن والتنمية" - وهو تحالف يضم مجموعات مسلحة من الطوارق - إنه فرض حصارا على الطرق الرئيسية شمال مالي، من الحدود مع الجزائر إلى المدن الممتدة على الحدود مع موريتانيا والنيجر، وتشمل هذه المدن "ميناكا" و"كيدال" و"غاو" و"تمبكتو".
وأضاف التحالف في بيان: "لقد قمنا بفرض حصار كامل على المحاور الممتدة من الحدود الجزائرية إلى مدن ميناكا وكيدال وغاو وتمبكتو، ويشمل هذا الحصار كل المنتجات وكل أنواع وسائل النقل".
عودة الصراع
ويرى متابعون أن سيطرة المقاتلين الطوارق مؤشر واضح على عودة الصراع المسلح إلى شمال مالي.
وقال المحلل السياسي المهتم بالشأن الأفريقي، سيد أحمد ولد باب، إن حصار المسلحين الطوارق لطرق رئيسية، يعزز ما ذهب إليه أغلب المتابعين للشأن المالي خلال الفترة الأخيرة من عودة وشيكة للصراع المسلح إلى هذا البلد الأفريقي غير المستقر.
وأضاف في تصريح لـ"عربي21": "قبل أشهر اندلعت
اشتباكات قوية بين الجيش المالي والمسلحين الطوارق في بلدة "بير" قرب تمبكتو شمال مالي، وكانت اشتباكات قوية، قتل خلالها جنود ماليون وأصيب آخرون، واليوم يسيطر المسلحون الطوارق على طرق رئيسية".
ولفت إلى أن قادة الحركات الأزوادية غادروا قبل نحو سنة العاصمة المالية باماكو، ثم أعقب ذلك الاشتباكات التي اندلعت أغسطس الماضي وما تلا ذلك من توتر، واليوم السيطرة على طرق رئيسية، ما يعني أن الطوارق قرروا بالفعل العودة للصراع المسلح من جديد.
وأوضح ولد باب أن سيطرة المسلحين الطوارق على طرق رئيسية شمال البلاد، ستؤثر بشكل كبير على تدفق البضائع إلى مالي.
لكن الباحث المختص في الشأن الأفريقي، سيدي ولد عبد المالك، استبعد أن تكون لحصار الطرق الرئيسية شمال البلاد، تأثيرات كبيرة على تدفق البضائع إلى مالي.
وأشار في تصريح لـ"عربي21" إلى أن المحاور التي تغذي الأسواق التجارية الرئيسة في مالي، خصوصا الجنوب والوسط، لن تتأثر بما حدث في الشمال.
وأضاف: "المحاور الأساسية المغذية للسوق التجارية بمالي هي محاور بعيدة عن المسارات التي تنشط فيها الجماعات المسلحة، وهي أساسا محورا ساحل العاج وموريتانيا".
توتر مع الجزائر
في غضون ذلك استدعت وزارة الخارجية المالية، السفير الجزائري في باماكو الحواس رياش، وأبلغته احتجاجا شديد اللهجة من الحكومة المالية، على ما وصفته بـ"أعمال غير ودية ارتكبتها السلطات الجزائرية في الفترة الأخيرة تحت غطاء عملية السلام في مالي".
وقالت الخارجية المالية في بيان، إن "لقاءات تكررت، وعلى أعلى المستويات في الجزائر، ودون أدنى معلومات أو تدخل من السلطات المالية، مع أشخاص معروفين بعدائهم للحكومة المالية".
ولا يعرف ما إذا كان للاحتجاج المالي على الجزائر علاقة بالتوتر الحاصل شمال مالي.
وقبل أسبوع دعت الجزائر، جميع الأطراف في مالي إلى تجديد التزامها باتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر، مجددة التأكيد على قناعتها الراسخة بأن هذا الاتفاق يظل "الإطار الأنسب لحل الأزمة والحفاظ عبر الوسائل السلمية على سيادة دولة مالي وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية".
واحتضنت الجزائر في 2014، مفاوضات بين الحكومة المالية والحركات الأزوادية توجت بتوقيع اتفاق سلام في يونيو 2015، في ما عُرف بـ"مسار الجزائر".
لكن اتفاق الجزائر بات يواجه أصعب امتحان له بسبب التطورات المتسارعة في المنطقة.
ونص الاتفاق على تخلي الأزواديين عن مطلب الانفصال عن مالي مقابل منحهم حكما ذاتيا موسع الصلاحيات، ودمج مقاتلي هذه الحركات في الجيش الوطني.
سجل التمرد
ومنذ استقلال مالي عن فرنسا 1960 يسعى سكان الشمال المالي وغالبيتهم من الطوارق للانفصال عن الجنوب المالي، حيث دخل الانفصاليون الطوارق منذ تسعينيات القرن الماضي في مواجهة دامية مع الجيش المالي، واستطاعوا في كثير من الأحيان السيطرة على بعض المناطق.
وإقليم أزواد الذي يسكنه الطوارق هو منطقة في شمال مالي محاذية للحدود مع موريتانيا، ويضم عدة مدن أبرزها مدينة تمبكتو التاريخية، بالإضافة إلى مدينتي كيدال وغاو.
ويتكون سكان الإقليم من عرقيات الطوارق (هم غالبية السكان) والعرب والفلان والسونغاي. وتبلغ مساحة الإقليم 822 ألف كلم مربع أو ما يقارب الـ66% من مساحة مالي الكلية البالغة مليونا و240 ألف كلم مربع.
وشكل الأزواديون سنة 1988 أول جبهة سياسية ذات نشاط عسكري عُرفت باسم "الحركة الشعبية لتحرير أزواد" إذ قادت تمردا عسكريا ضد باماكو سنة 1990، لكنها عانت بعد فترة قصيرة من أزمة داخلية انتهت بتفككها، وتحولها إلى عدة تشكيلات كان من أبرزها "الجبهة الشعبية لتحرير أزواد" و"الجيش الثوري لتحرير أزواد".