بمناسبة ذكرى تأسيس قناة (تي أر تي)
التركية يوم الجمعة الماضي ألقى الرئيس رجب طيب أردوغان أمام الإعلاميين
والدبلوماسيين خطابا مشحونا بالحق.
أولا حق العالم في أن يكتشف الحقيقة من
وراء أحداث الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي ترتكبه سلطة اليمين العنصري
المتطرف الإسرائيلي في قطاع غزة الشهيدة، وثانيا حق المستضعفين من شهداء الظلم
والاستكبار الإسرائيلي وآلة القتل الممنهج في أن يشهد
الرأي العام العالمي على
مأساتهم فتتحرك الضمائر لوقف الإبادة ونصرة الحق.
ويلوم البعض عن حسن نية الرئيس أردوغان
على البقاء عضوا في حلف الناتو، ولكن الحقيقة أن الدبلوماسية التركية لا يمكنها
التحرك الناجع لفائدة غزة إلا بواسطة انتمائها لهذا الحلف، وآخر التحركات هي ما
ورد من أنباء اللقاء بين وزيري خارجية
تركيا والولايات المتحدة، حيث دعا وزير
الخارجية التركي هاكان فيدان، نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، إلى استخدام نفوذ
بلاده على إسرائيل لوقف هجماتها على غزة.. جاء ذلك في اتصال هاتفي، الأحد، بحسب
معلومات حصلت عليها وكالة الأناضول من مصادر دبلوماسية في الخارجية التركية.
هذا الاتصال الذي جاء بناء على طلب من
الجانب الأمريكي تناول خلاله الوزيران العلاقات بين البلدين إلى جانب القضايا
الثنائية والإقليمية، وتم التأكيد خلال الاتصال على أهمية العمل بما يتناسب مع روح
التحالف في العلاقات الأمريكية التركية كما أنه تم تقييم عضوية السويد في حلف شمال
الأطلسي (ناتو)، ومسألة طائرات "إف ـ 16"، والتعاون في مجال الصناعات
الدفاعية وجرت أيضا مناقشة التصعيد الإسرائيلي.
وأشار فيدان إلى أن الوضع في غزة
والضفة
الغربية يزداد سوءا، داعيا الولايات المتحدة إلى استخدام نفوذها على
"إسرائيل" لوقف الهجمات، وشدد فيدان على ضرورة جلب "إسرائيل"
إلى طاولة المفاوضات لبدء عملية سياسية تهدف إلى تحقيق سلام عادل ودائم على أساس
حل الدولتين، وذلك بعد إعلان وقف كامل لإطلاق النار.
ونعود إلى إحياء ذكرى تأسيس قنوات (تي
أر تي) حيث أشاد الرئيس التركي بالمبادرة الجريئة التي اتخذها الأمين العام لمنظمة
الأمم المتحدة السيد غوتيريش والمتمثلة في استعماله للبند 99 من ميثاق المنظمة
الذي استعمل لأول مرة منذ الخمسينات، وهو الذي يدعو الأمين العام للفت نظر مجلس
الأمن إلى كل ما يهدد السلم والأمن الدوليين وينذر بحرب تتجاوز الأزمة، وهو عين ما
فعله الأمين العام لأن الرجل يخشى أن يحسب عليه في التاريخ موقف المتفرج السلبي
على الإبادة والاكتفاء بالعمل الإداري والدبلوماسي الروتيني!
وأعتقد شخصيا أن ما قاله الرئيس التركي
عن قناة (تي أر تي) ينطبق تماما على مجموعة الجزيرة المجاهدة بقنواتها الخمس وبثها المباشر ومراسليها المجندين على مدى الـ 24 ساعة لمخاطبة الرأي العام
العالمي بشتى لغاته ومقاومة قنوات التزوير والبهتان التي تبث الأكاذيب من عواصم
الغرب والشرق.
لا يفسر الهجوم العدواني على تركيا (وبشكل آخر على قطر) إلا بمواقف الحق والعدل التي استثنت هاتين الدولتين من جوقة التهليل والترحيب بكل أشكال الاستعمار الجديد
لقد ربحت المقاومة معركة الرأي العام
فأدرك الناس في مختلف القارات هول الفاجعة ونية التهجير والقتل وبداية الإبادة
الجماعية لشعب مسالم طالب بحقه في الحرية والاستقلال!
وطبعا لا يفسر الهجوم العدواني على
تركيا (وبشكل آخر على قطر) إلا بمواقف الحق والعدل التي استثنت هاتين الدولتين من
جوقة التهليل والترحيب بكل أشكال الاستعمار الجديد.. أما تركيا فهي تستعد بقيادة
زعيمها رجب طيب أردوغان لطي صفحة قرن العار الذي حدده لها الاستعمار القديم عام
1923 بمعاهدة لوزان المخزية التي انتقمت من القوة العثمانية موحدة الأمة الإسلامية
بعد هزيمة الخلافة في حربها ضد التحالف اليهو / مسيحي أثناء الحرب العالمية الأولى
(1914/1918).
ونتذكر بعض محطات العدوان أيام عملية
نبع السلام التي نفذتها تركيا لتصفية ما تبقى من جيوب الإرهاب المعروف باسم داعش
وللجمهورية التركية تاريخ طويل مع محاولات الزعزعة وزرع الفتنة وبذر بذور الحرب
الأهلية آخرها تلك المؤامرة الانقلابية في 15 يوليو 2016، حين عاش الشعب التركي
ليلة عجيبة بطولية أجهض خلالها المواطنون الأتراك بأيديهم العزلاء مؤامرة انقلابية
قام بها بعض الضباط الأتراك بتمويلات ثبت بعد ذلك من أين جاءت ومن أي دول مصادرها
ومسالكها وكيف تسربت إلى أيدي كمشة من الخونة اعتقدوا أنه بإمكانهم لي ذراع الديمقراطية
والمجتمع التركي المدني فباؤوا بفشل ذريع وسريع وعاد أردوغان أقوى مما كان ليواصل
بشعبه مسيرة التقدم والنماء.
وينتظر المسلمون موعد 2023 السنة التي
سينتهي فيها مفعول معاهدة لوزان الموقعة في يوليو 1923 بين الإمبراطوريات
الاستعمارية الأوروبية والسلطات التركية لمدة قرن كامل ولكن بنودها لم تفعل إلا في
أكتوبر 24 وهي معاهدة تصفد أيدي تركيا لمدة قرن كامل عقابا للسلطان العثماني على
مشاركة تركيا في الحرب العالمية الأولى ضد الحلفاء، ومعاهدة لوزان (1923) هي
المعاهدة النهائية للحرب العالمية الأولى، التي تم التوقيع عليها من قبل ممثلي
تركيا (خليفة الإمبراطورية العثمانية) من جهة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان
واليونان ورومانيا ومملكة الصرب والكروات والسلوفيين من جهة أخرى.
ولكي نفهم كيف كبلت المعاهدة أيدي
تركيا وسلبتها حقوقها يجب أن نسمع الرئيس أردوغان الذي ألقى خطابا في 29 سبتمبر
2016 هاجم خلاله معاهدة لوزان التي وقعتها تركيا مع الحلفاء عام 1923، وأفرزت
ميلاد الجمهورية التركية الحديثة على أنقاض السلطنة العثمانية، في خطابه قال
أردوغان: "لقد حاولوا بيع لوزان لنا كانتصار سياسي لنا، وهو في الحقيقة
انتصار لقوى الاستعمار وهزيمة وطنية لتركيا، حيث تخلينا عن جزر (بحر إيجة) القريبة
منا لدرجة أنه يمكنك سماع صوتك عبرها جميعا إذا صرخت!. هل ذلك يعد نصرا؟ تلك الجزر
كانت ملكنا وما تزال مساجدنا ومعالمنا وأضرحتنا هناك".
ثم أضاف: "أولئك الذين جلسوا على
طاولة المفاوضات في لوزان (يقصد الوفد الذي أرسله أتاتورك) لم يستطيعوا التوصل إلى
أفضل اتفاق واليوم نحن نعاني من عواقب ذلك"، مختتما بتأكيده على أن معاهدة
لوزان "ليست نصًا مقدسًا فنحن سوف نناقشها ونسعى للحصول على اتفاق أفضل
والأهم حسب القانون الدولي لنا أن تنتهي بعد قرن أي عام 2023 وتستعيد بلادنا قوتها
وعافيتها، فنحن عام 2020 مصنفون خامس قوة صناعية وتصديرية وسابع قوة عسكرية في
العالم".
فما هي معاهدة لوزان التي سوقها الغرب
الاستعماري في شكل "اتفاق سلام" بينما هي إقرار بالهيمنة على الشعب
التركي وتكبيله بالأصفاد حيث تم توقيعها في مدينة لوزان السويسرية في الرابع
والعشرين من شهر يوليو عام 1923 بين الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى
وعلى رأسهم بريطانيا وفرنسا من جانب وحكومة الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا من جانب
آخر أي مصطفى كمال أتاتورك، وقد تم توقيع المعاهدة في أعقاب حرب الاستقلال التركية
ضد الحلفاء، وتم من خلالها ما سمي بـ"تسوية أوضاع الأناضول والقسم التركي
الأوروبي من أراضي الدولة العثمانية". وعلى كل لم يبق لمعاهدة لوزان وزن بعد
قرن احترمت الجمهورية التركية خلاله بنودها حيث سيخرج المارد من القمقم وهو ما
تخشاه قوى الشر وصفقة الشر وتتنادى إلى الإسراع بإسقاط أردوغان قبل موعده، ولكن
الله متم نوره ولو كره الكافرون.