يستمر
العدوان على قطاع
غزة منذ 73 يوما، موقعا نحو 20 ألف شهيد، وعلى الرغم من وصول قوات
الاحتلال إلى مدينة خانيونس جنوب القطاع، إلا أن المقاومة لا تزال تقاتل ببسالة، وتكبد جيش الاحتلال الإسرائيلي خسائر فادحة.
ولتحليل
مسار الحرب عسكريا، التقت "عربي21" بالخبير العسكري والاستراتيجي العقيد
ركن حاتم كريم الفلاحي، والذي أكد أن النفق الضخم الذي أعلن الاحتلال عن كشفه قرب معبر بيت حانون (إيرز) شمال قطاع غزة، ما
هو إلا فشل استخباري جديد يضاف إلى الفشل في كشف هجوم 7 تشرين أول/ أكتوبر ومنعه قبل وقوعه.
وأوضح
الفلاحي بأنه على الرغم من توغل الاحتلال بعدة مناطق في قطاع غزة، إلا أنه لم
يتمكن من السيطرة عليها بشكل كامل، بمعنى أن دباباته ثبتت في بعض المناطق، ولكن مع
ذلك لا زال القتال محتدما في مناطق أخرى.
ولفت
إلى أن هناك عدة عوامل تتحكم في متى ستنتهي هذه الحرب، منها مدى مقدرة فصائل
المقاومة على الاستمرار، كذلك تأثير الضغوطات الداخلية في إسرائيل.
وتاليا
نص الحوار:
كيف
تقيم الوضع العسكري لجيش الاحتلال والمقاومة بعد وصول الأول لخانيونس؟
التقييم
للحرب بشكل عام بعد 73 يوما من المعارك الضارية التي تدور في قطاع غزة سواء في
القطاع الشمالي والآن في القطاع الجنوبي، هو أن هجوم العدو في البداية كان على جبهة
ضيقة وهي باتجاه القطاع الشمالي.
وبعد
انتهاء الهدنة انتقل لمرحلة ثانية بالهجوم على جبهة واسعة، وبذلك أصبح الهجوم شاملا للقطاعين الشمالي الجنوبي، وبالتالي هناك إشكال حقيقي بالنسبة لقوات جيش الاحتلال
على مستوى الخطط والعمليات، وعلى مستوى الفشل الاستخباري وإدارة المعركة بما فيها
التكتيكات التي تستخدم للسيطرة على المناطق.
ونعم
استطاع العدو خلال الفترة الماضية أن يتوغل في كثير من المناطق، ولكنه لم يتمكن من
السيطرة عليها بشكل كامل، إضافة لذلك هناك مناطق أصبحت تحت سيطرة العدو بمعنى نجح
بالتوغل فيها، وهناك مناطق أخرى يتم القتال عليها وتحتدم المعارك فيها، أو أراض لا زالت تحت سيطرة المقاومة.
وبالتالي
نحن نتكلم عن ميدان تتشابك وتتداخل فيه القطاعات بشكل كبير جدا، ونحن أمام مرحلة
صعبة وحاسمة بالنسبة للطرفين، لذلك أعتقد بأن هذه المرحلة تسمى مرحلة التعادل أو
التوازن الاستراتيجي لكلا الطرفين، فالمدافع يحاول منع تحقيق المهاجم لأهدافه،
والمهاجم يحاول الوصول إلى الأهداف التي وضعها لتحقيق أهداف سياسية أطلق من أجلها
العملية العسكرية.
قلت إن الاحتلال فشل استخباريا، لو توضح لنا كيف ذلك؟
نعم
بداية دعني أقول بأن الفشل الاستخباري لدى الاحتلال هو فشل متراكم، أولا الفشل في
عدم كشف الهجوم الذي تم في 7 تشرين أول/أكتوبر باتجاه مناطق غلاف غزة، حيث فشلت
الاستخبارات العسكرية لجيش الاحتلال بكشف هذا الهجوم وبالتالي فشلت معه جميع
الأجهزة الأمنية، ويُعد هذا إشكالا حقيقيا بالنسبة لهذه الأجهزة.
يضاف
إلى ذلك بأنه عندما تم الدخول إلى منطقة غلاف غزة تم تدمير القطاعات العسكرية
والاستخبارية المسؤولة عن هذه المنطقة، ولهذا تم المجيء بقطاعات جديدة للعمل فيها
وليس لديهم معلومات مفصلة عن الأرض ولا عن طبيعة القطاعات التي تقاتل في داخل
مدينة غزة.
إذن
هم ليس لديهم معلومات عسكرية أو استخباراتية يمكن من خلالها وضع الخطط لتنفيذ
عملية حربية أو عملية هجوم داخل قطاع غزة، وهذا الأمر جعل الاحتلال يستند على
معطيات ومعلومات غير دقيقة، الأمر الذي جعله يتكبد خسائر كبيرة جدا سواء كان بداية
في القطاع الشمالي أو الآن في خانيونس.
لذلك
نرى بأن تكلفة هذه المعركة قد ارتفعت بشكل كبير جدا، والسبب الرئيسي هو عدم وجود
معلومات دقيقة عن الأماكن التي تتواجد فيها المقاومة، ولهذا نرى حتى هذه اللحظة
الصواريخ تنطلق من داخل القطاع باتجاه عمق الأراضي المحتلة.
قلت إن وضع الاحتلال عسكريا غير جيد، لكن هل وصوله لخانيونس في الجنوب يعني أنه
سيطر على قطاع غزة؟
لا أبدا، كما قلت هو في بداية الهجوم ركز هجومه وجهده العسكري بشكل كامل على القطاع
الشمالي ولكن لم تتم السيطرة عليه، الآن تم تجزئة هذا الجهد العسكري إلى اتجاهين
رئيسيين، فهو يتجه باتجاه الجنوب في الوقت الذي لم يحسم فيه الشمال، وبالتالي هو
في مشكلة حقيقية لأنه كان يتصور بأن المعارك في مناطق الجنوب قد تكون أقل حدة من
الشمال، ولكنه أيضا اصطدم بمقاومة كبيرة جدا.
ويوم
أمس صرح الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال بأن معارك خانيونس ستكون طويلة وقد
تستغرق أشهرا، وهذا يدل على أن هناك ضراوة في المعارك وشدة في المقاومة.
لذلك أعتقد بأن قيادات الاحتلال تتخبط في مسألة تحقيق الأهداف العسكرية، فهم حتى هذه
اللحظة لم يستطيعوا تدمير قدرات حماس ولم يستطيعوا الوصول إلى الأسرى، وبالتالي
هناك إشكال حقيقي في تحقيق هذه الأهداف.
يوم
أمس عرض جيش الاحتلال صورا لنفق ضخم قريب من معبر بيت حانون، لكنه لم يعلن متى تم
كشفه، برأيك لماذا اختار هذا التوقيت بالذات للإعلان عنه؟
فيما
يخص هذا النفق، يمكنني القول إن هذا فشل استخباري آخر، أولا إذا تم السيطرة على
هذا النفق وأنه يمكن أن يؤدي إلى أنفاق أخرى، كيف تم الكشف عن هذه المعلومة؟! لأنه
في السياق العسكري عندما تكون هناك معلومات مهمة لا يتم الكشف عنها إلا بعد فترة
بعيدة بحيث تُرفع السرية عن هذه المعلومات ويتم الإدلاء بها.
وبالتالي
كيف تم الإعلان عن وجود هذا النفق إن لم تنتف الحاجة منه أصلا، إضافة إلى ذلك فإن
طول هذا النفق كما رشحت المعلومات 4 كيلومترات، ولكن ماذا تعني الأربعة كيلومترات أمام شبكة أنفاق تمتد إلى أكثر من 500 كيلومتر؟! أنا أعتقد أن هذا لا يعني
شيئا، وليس له تأثير على المستوى العملياتي والاستراتيجي بالنسبة للأنفاق الموجودة
لدى فصائل المقاومة.
ولهذا
لا شك بأن الاحتلال يحاول منذ بداية المعركة الوصول إلى هذه الأنفاق، ولو وصل إلى
بعضها إلا أنه لم يصل لكامل شبكتها، إذن أعتقد أنه في مسألة الأنفاق المعركة لا
زالت في بدايتها، ولذلك هناك إشكال حقيقي ومعاناة يعانيها جيش الاحتلال مع وجودها.
لنعد
لمسألة السيطرة، هل بعد الإعلان عن هذا النفق يمكن القول إن الاحتلال دخل
القطاع ولكن لم يسيطر؟
نعم
لا شك بأنه مع هذه القوة القتالية الكبيرة والدعم الغربي والقوة التدميرية التي
استخدمها الاحتلال سيستطيع الدخول إلى مناطق معينة، ولكن بناء على طبيعة المعركة
الدفاعية فإن المعركة الأولى لا تُحدد نجاح الهجوم من فشله، أيضا يكون دحر العدو
على شكل مراحل.
حيث
يتم امتصاص زخمه وإدخاله إلى منطقة قتل داخل المناطق المبنية والدفاعية، ثم بعد
ذلك يبدأ الهجوم المضاد على هذه القطاعات التي تقدمت وعندئذ تكون الخسائر كبيرة،
لأنه في هذه الحالة تُحيد القوة الجوية والمدفعية وتصبح القدرات العسكرية
والتكتيكات التي يستخدمها كل طرف هي الحكم والفيصل.
لذلك
نرى بأن هناك إشكالية كبيرة لدى قيادة جيش الاحتلال في الدخول لهذه المناطق، وهذا
النفق لا يعني شيئا قياسا بشبكة الأنفاق الكبيرة الموجودة في القطاع، ولكن الجيش
يريد القول -بأنه استطاع الوصول إلى بعض الأنفاق-، وهي للدعاية الإعلامية أكثر مما
هي للعمل الاستخباري والتعبوي.
هناك
حديث عن ضغط أمريكي على جيش الاحتلال للانتقال إلى المرحلة الثانية من الهجوم.. ما
هي ملامح هذه المرحلة في تقديرك؟
بداية
دعني أقول إنه ليس هناك خلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل فيما يخص مسألة
الحرب على قطاع غزة، بالعكس هناك توافق تام بينهما، وهناك دعم أمريكي غير مسبوق
لهذا الكيان.
مسألة
ثانية، الكلام الذي جاء به مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان –بأنه يجب
على إسرائيل أن تنهي هذه المرحلة وتبدأ مرحلة أقل كثافة- هو لذر الرماد في العيون،
والدليل على هذا أنه بالأمس كان هناك تدمير لمربع سكني كامل حيث تم دكه وتسويته
بالأرض.
أيضا
تم أول أمس تجريف مستشفى كمال عدوان ودفن الناس وهم أحياء، وبالتالي الكلام
الأمريكي ليس له قيمة لأن ما يجري على الأرض يُعطي دلالة واضحة على أن الولايات
المتحدة هي من قدمت السلاح لقتل المدنيين، وبالتالي أعتقد أن هذه المرحلة التي
تكلم عنها سوليفان لا أساس لها في الواقع.
إذن
هل يمكن اعتبار الحديث عن وجود ضغط أمريكي على الاحتلال هو فقط للاستهلاك الداخلي
في الولايات المتحدة؟
نعم،
ولا شك أن هذه الرؤية الأمريكية التي يتكلمون عنها هي نتيجة الضغط الذي يُمارس على
الولايات المتحدة في الأروقة الدولية وخاصة في الأمم المتحدة، الأمر الثاني هناك
ضغوطات داخلية على الإجراءات التي تتخذها الحكومة، حيث إن هناك تدنيا في شعبية الرئيس
جو بايدن بشكل كبير جدا والتي وصلت إلى أكثر من 68 في المائة، وبالتالي هو يخشى من
خسارة الانتخابات القادمة.
وحتى
هذه الإجراءات التي قام بها ليس لها أي تأثير على مجريات الأحداث في الداخل، ويتم
تسويق هذا الكلام بهذه الطريقة فقط للتخلص من الضغوطات التي تُمارس على الإدارة
إضافة إلى أنه للدعاية الإعلامية فقط.
خرج
آلاف من أهالي الأسرى الإسرائيليين في مظاهرات منددة بنتنياهو، برأيك ما تأثيرها
على المسار العسكري، وهل يمكن أن تدفع جيش الاحتلال لوقف عملياته في القطاع؟
هناك
ثلاث نقاط رئيسية هي التي يمكن أن تجعل لهذه الحرب منحى آخر في مسألة وقفها
والتوصل لاتفاقات، النقطة الأولى، ارتفاع الخسائر في الميدان، حيث قد يجبر هذا
الأمر قوات الاحتلال على وقف القتال والذهاب للتفاوض وإبرام صفقة تبادل أسرى.
النقطة
الثانية، الوضع الاقتصادي العام، حيث لولا الدعم الغربي سواء كان العسكري أو
الاقتصادي لإسرائيل لما استطاعت أن تستمر وتقاتل طوال هذه المدة وهذا الأمر واضح
جدا.
أما
النقطة الثالثة فهي قضية الأسرى والتي بدأت تضغط بشكل كبير جدا ولا يمكن تجزئتها
من قبل حكومة نتنياهو، ولكن إصراره هو وحكومته من اليمين المتطرف على الاستمرار في
هذه الحرب لأنه يعرف جيدا أنه بمجرد أن تقف الحرب سيتم تحويله للمحاكمة
والمساءلة القانونية، لذلك هم يصرون هو ووزير دفاعه غالانت والبقية على الذهاب إلى
أبعد مدى في هذه الحرب.
لذلك
هذا الملف خاصة بعد مقتل ثلاثة أسرى بدأ يضغط بشكل كبير جدا، لأن أحد أهداف
العملية العسكرية هو إعادة الأسرى، ولكنه أعادهم مقتولين، الآن ثلاثة وقبلهم كان
هناك الأسير ساعر باروخ، بمعنى نحن نتكلم عن أسرى يتم قتلهم الآن بأسلحة صهيونية.
إذن
هناك إشكال حقيقي في تحقيق هذا الهدف، لذلك هذه المظاهرات تضغط الآن بشكل كبير
جدا، أيضا هناك معارضة من اليسار تقول –بأنه يجب على نتنياهو الرحيل وأن يتم وقف
الحرب وأن عليه الذهاب لصفقة تبادل أسرى-.
إذن
برأيك من سينتصر بالنهاية خوف نتنياهو على مستقبله السياسي، أم صوت أهالي الأسرى
المطالب بعودتهم ووقف الحرب؟
من
المعروف أن هناك ضغوطات داخلية كبيرة، حيث يوجد ضغط من المعارضة على نتنياهو، وبكل
معركة أنت تحتاج لبيئة سياسية متوافقة وجبهة داخلية متماسكة، وهذا شرط أساسي يجب
توافره حينما تتوجه لأي حرب، ولكن الآن لا توجد جبهة سياسية متوافقة، كما أن هناك
إشكالات وخلافات بين القيادة العسكرية ونتنياهو.
وبالتالي
الجبهة الداخلية المتماسكة بدأت تتفلت، والدليل على ذلك هناك مظاهرات الآن انتقلت
إلى باب وزارة الدفاع، إذن نحن نتكلم عن ضغوطات تُمارس، ولكن إلى أي مدى سيذهب
نتنياهو في هذا الأمر؟! أنا أعتقد بأن هذا سيعتمد على تطورات الموقف في الداخل وفي
ساحة القتال.
أخيرا
متى وكيف تتوقع أن تكون نهاية هذه الحرب؟
توقيت
نهاية الحرب سيعتمد على طبيعة المعركة التي تجري الآن، بمعنى حسب القدرات القتالية
لفصائل المقاومة ومدى إمكانيتها على الاستمرار في المقاومة ومدى قدرتها على منع
الاحتلال من تحقيق أهدافه.
كذلك
يعتمد الأمر على مدى قدرة المقاومة على إحداث أكبر خسائر في الآليات والمعدات
والقوة البشرية، هذا ما سيجعل الاحتلال يعيد حساباته ويلجأ إلى التفاوض
والاتفاق حول وقف إطلاق نار شامل.
يضاف
إلى ذلك الضغوطات الداخلية والوضع الاقتصادي للكيان الصهيوني والضغوطات الدولية
التي تُمارس الآن بشكل كبير جدا، وبالتالي هذه النقاط مجتمعة يمكن أن تكون أسبابا ضاغطة على جيش الاحتلال لإنهاء هذه الحرب، ولهذا لا يمكن أن نضع سقفا زمنيا لانتهاء
الحرب.