مضت السبعون وأكثر، ولم ينجلِ آخر يوم فيها إلّا بعد
أن تمكنت
المقاومة الفلسطينية ممثلة بشعبنا الفلسطيني وحركة المقاومة الإسلامية
حماس، من إثبات حضورها على كافة الصعد، عسكريا وسياسيا وإعلاميا، فالمقاومة التي
كانت تبحث عن معبرٍ ومطار، أصبحت اليوم بمثابة فوبيا لدى خصومها الذين يتجرعون
قتلاهم فرادى وجماعات..
ولعل أحد أسباب هذا النضوج المتسارع، هو نجاع الماكينة
الإعلامية للمقاومة الفلسطينية، حيث كان لذلك دورٌ كبير في إرهاق
الاحتلال، وأضحت
دوائر ومثلثات القسام الحمراء خبرا منتظرا عند المساء، نضجرُ إذا لم نرها، في حين
لم يحصد الاحتلال الإسرائيلي سوى كذباته التي تكشفت تباعا. وهذا ليس بالجديد عليه،
لأنه صاحب باعٍ طويل في الكذب الصبياني الذي ينكشف عند أول تحقيق، وبالتالي لا
مجال للمقارنة أبدا بين النهجين، بعد أن تمكن إعلام المقاومة من إثبات مصداقيته من
خلال العوامل التالية:
تفوقت فيديوهات القسام بعشرات الأضعاف على فيديوهات الاحتلال التي تظهر القتال من طرف واحد فقط، دون وجود خيال واحد من الطرف الآخر، فتجد نفسك أمام مشهد فيه جنود إسرائيليون يركضون ويطلقون الرصاص من دون وجود هدف أمامهم على الإطلاق، وكأنك أمام مشهد تمثيلي مكتمل الأركان يهدف إلى التقليد الأعمى الذي لا طائل منه
أولا: كل الفيديوهات التي يعرضها الإعلام العسكري
لكتائب القسام عن المواجهات الميدانية، تتميز بإظهار الخصمين ومواقع كل منهما وتجهيزاته
العسكرية وعتاده، ما لا يدع مجالا للشك مطلقا، ثم تبدأ بعد ذلك عملية الاستهداف
المباشر للقوات المتوغلة وناقلاتها العسكرية ودباباتها، ثم تأخذك إلى المشهد من
زاوية أخرى تُطلعك على النتيجة، فترى بأم عينك ما يجري من عدة زوايا وكأنك شاهد
عيان من قلب
غزة، ثم تتعالى الصيحات التي ترى من خلالها فرحة أصحاب الأرض بعد
تحقيق الهدف الذي يتم تأكيده من وسائل إعلام الاحتلال في اليوم التالي، حين يبدأ
العويل والنحيب..
وبلغة التحليل العسكري، تفوقت فيديوهات القسام بعشرات
الأضعاف على فيديوهات الاحتلال التي تظهر القتال من طرف واحد فقط، دون وجود خيال
واحد من الطرف الآخر، فتجد نفسك أمام مشهد فيه جنود إسرائيليون يركضون ويطلقون
الرصاص من دون وجود هدف أمامهم على الإطلاق، وكأنك أمام مشهد تمثيلي مكتمل الأركان
يهدف إلى التقليد الأعمى الذي لا طائل منه. فالمقاتلون الفلسطينيون الذين أظهرهم
الاحتلال عراة، مُدّعيا استسلامهم، تبين فيما بعد أنهم مدنيون وإعلاميون ولا علاقة
لهم بالعسكر، ولكنها لعنة التخبط في مستنقع غزة التي عادت عليهم بالوبال.
ثانيا: إن الفيديوهات التي تعرضها المقاومة
الفلسطينية، تحتوي على عنصر المفاجأة وعوامل مستحدثة أُضيفت إلى السجل، ولم تكن
مواد تقليدية مكررة، كإشارات المثلثات والدوائر التي وردت في طليعة المقال، وأصبحت
مادة دسمة في السوشيال ميديا تُستخدم للسخرية من ضعف جنود الاحتلال، وأصابت
الاحتلال الإسرائيلي في مقتله الإعلامي، فحاول التقليد ولكنه لم يفلح إلا بصورة
عشرة "قلوب حُب" محطّمة، عرضها وزير الخوف القومي الإسرائيلي إيتمار بن
غفير عبر منصة إكس، في إشارة إلى الضباط العشرة القتلى في حي الشجاعية بغزة..
كما تعمدت المقاومة في إعلامها استحداث عناصر صوتية
جديدة في الفيديوهات، من خلال بعض العبارات التي يتداولها المقاتلون الفلسطينيون
أثناء المواجهات الميدانية، لتصبح "ترند" بعد العرض بدقائق يكتسح منصات
التواصل الاجتماعي، ولنا خيرُ دليل في ذلك مصطلحات (ولّعت، اضرب قول يا رب،
اتخردقت، الله أكبر ولله الحمد.. إلخ..)..
عمدت المقاومة في إعلامها استحداث عناصر صوتية جديدة في الفيديوهات، من خلال بعض العبارات التي يتداولها المقاتلون الفلسطينيون أثناء المواجهات الميدانية، لتصبح "ترند" بعد العرض بدقائق يكتسح منصات التواصل الاجتماعي
ثالثا: تمكن إعلام المقاومة الفلسطينية من استقطاب
العقول والانتباه، من خلال إظهار بعض المقاتلين وهم يرتدون بدلات الرياضة في خضم
المواجهات وفي قلب الميدان. ومخطئ من يظن أن ذلك يحصل من قبيل الصدفة، بل باعتقادي
أن المقاومة تعمدت إرسال رسائل للاحتلال، وتلك الرسائل قد وصلت، ولهذا راح هذا
الجيش يلقي بمنشوراته على أهالي قطاع غزة، يعرض عليهم من أمواله الحرام مكافآت
مالية ضخمة، مقابل الإدلاء بمعلومات عن قادة حركة حماس التي أصبحت كابوسا جاثما
على صدره.
رابعا: أدرجت المقاومة الفلسطينية مصطلحات عسكرية في
ضخها الإعلامي، وأعادت إحياء تلك المصطلحات، فمسافة الصفر أصبحت قولا وفعلا،
واستخدامها لمصطلح مُغتصَبة بدلا من "مستوطنة" دفعنا إلى ضرورة انتقاء
الألفاظ اللغوية، وكذلك امتناعها عن لفظ "إسرائيل" مقابل اعتمادها على
مصطلح "الاحتلال الصهيوني".
وجديرٌ بالذكر أن المتحدث العسكري لكتائب القسام أبو عبيدة،
أسَرَ قلوب الملايين أكثر مما أسر جنود الاحتلال، من خلال لغته العربية الفصحى،
وحسن انتقائه للألفاظ. وكمختص باللغة العربية أقول إنني لم أرصد خطأ واحدا يتيما
في كل الخطابات التي استمعت إليها، ولا حتى بالضمة والفتحة والكسرة.
وأمام هذا الزخم الإعلامي، وجد إعلام الاحتلال نفسه
يتخبط في وحل الكذب رويدا رويدا، فكذبة قطع رؤوس الأطفال الإسرائيليين صبيحة 7 تشرين
الأول/ أكتوبر من طرف المقاومة الفلسطينية، تم تفنيدها من الإعلام الإسرائيلي
نفسه.
أمام هذا الزخم الإعلامي، وجد إعلام الاحتلال نفسه يتخبط في وحل الكذب رويدا رويدا، فكذبة قطع رؤوس الأطفال الإسرائيليين صبيحة 7 تشرين الأول/ أكتوبر من طرف المقاومة الفلسطينية، تم تفنيدها من الإعلام الإسرائيلي نفسه
فقد حذف الصحفي الإسرائيلي إيشاي كوهين مقابلة نشرها
تضمنت مزاعم تدعي أن مسلحين فلسطينيين علقوا الرضع والأطفال على حبل، في مستوطنات
إسرائيلية بغلاف غزة، وقال كوهين عبر منصة "إكس"، إن الشخص الذي أدلى
بهذه المزاعم، وظهر في شريط الفيديو هو من الجيش الإسرائيلي، لتنهال عليه
الانتقادات من الأوساط الإسرائيلية نفسها. فقد قالت إحدى المُعلّقات تعقيبا على ما
فعله كوهين: "بالأمس نشر يشاي كوهين مقابلة مرعبة مع ضابط وصف شيئا صادما، لا
يتطابق تماما مع المعطيات على الأرض، وفي النهاية قام يشاي كوهين بحذف الفيديو،
ولكن في الوقت الحالي قام حساب مشهور بتحميل الفيديو، وفي غضون 8 ساعات شاهده مئات
الآلاف. كيف يمكنك تحميل مثل هذا الفيديو عبر الإنترنت دون التأكد بنسبة 100 في المئة
من صحته، هذا تصرف غير مسؤول؟".
وختاما أتساءل: إذا كانت كل هذه النجاعة الإعلامية
للمقاومة الفلسطينية في خضم المواجهات، وفي قلب الحصار بين جدران القطاع الذي
يحتوي فقط على 365 كم مربع، وسط تخاذل الحلفاء وتخلّي الدول العربية والإسلامية..
فكيف سيكون الحال تُرى في أوضاع معاكسة؟!