نشرت صحيفة
نيويورك تايمز تقريرا صحفيا قالت فيه؛ إن المتظاهرين في عاصمة
البحرين المنامة لوحوا بالأعلام
الفلسطينية وهتفوا بأعلى أصواتهم، مطالبين حكومتهم الاستبدادية الموالية للولايات المتحدة بطرد السفير الإسرائيلي الذي تم تعيينه قبل عامين، بعد أن أقامت البحرين علاقات دبلوماسية مع الاحتلال الإسرائيلي.
وهتفوا: "لا سفارة صهيونية على الأرض البحرينية"،
و"لا قواعد عسكرية أمريكية على الأرض البحرينية".
وعلى بعد أقل من أربعة أميال، تجمع رجال أمريكيون
وأوروبيون يرتدون الزي العسكري الكامل لحضور حوار المنامة، وهو مؤتمر سنوي يجمع
كبار المسؤولين من القوى الغربية والشرق الأوسط لمناقشة الأمن الإقليمي.
وتجولوا حول قاعة احتفالات مذهبة في فندق ريتز كارلتون الخاضع لحراسة مشددة بعد ساعات
فقط من الاحتجاج، غير مدركين إلى حد كبير أنه كان هناك مظاهرة.
إن الحرب في
غزة التي أعقبت الهجوم، لم تكشف عن الهوة
بين العديد من الزعماء العرب وشعوبهم فحسب، بل وسعتها، بحسب الصحيفة.
وشهدت البحرين، وهي دولة خليجية يبلغ عدد سكانها
حوالي 1.6 مليون نسمة، تدفقا من الدعم الشعبي للفلسطينيين، وتصاعدا في التنديد في مجازر الاحتلال في غزة.
رد الجيش الاحتلال الإسرائيلي على عملية "طوفان الأقصى" بقصف غزة وفرض حصارا عليها، في حملة عسكرية أسفرت عن استشهاد أكثر من 16 ألف شخص، وفقا لوزارة الصحة في غزة.
وفي حين كان هناك انفصال منذ فترة طويلة بين العديد
من الدول العربية ومواطنيها بشأن نهجها تجاه القضية الفلسطينية، فقد سلطت الحرب
الضوء على هذه الفجوة بشكل أكثر حدة منذ سنوات.
وفي العديد من الاحتجاجات في جميع
أنحاء المنطقة، ذهب الناس إلى ما هو أبعد من إدانة الاحتلال إلى الهتاف الداعم للمقاومة الفلسطينية وانتقاد حكوماتهم.
وفي المغرب والأردن، تظاهر الآلاف لمطالبة دولهم بقطع
العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي.
وفي القاهرة، تجمع المتظاهرون المؤيدون للفلسطينيين في ميدان
التحرير، حيث بدأت انتفاضة الربيع العربي في مصر، وأحيوا الصرخة الثورية من أجل
الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية.
وفي البحرين، قال المتظاهرون؛ إنه بالإضافة إلى الشعور
العميق بالهوية العربية والإسلامية المشتركة، فقد رأوا روابط بين التحرير
الفلسطيني وتحررهم من القمع السياسي.
وقالت فاطمة جمعة، وهي امرأة بحرينية تبلغ من العمر
22 عاما، شاركت في الاحتجاج في المنامة: "أتطلع إلى أن نكون أشخاصا أحرارا. إن
وجودنا وحريتنا مرتبط بوجود فلسطين وحريتها".
لعقود من الزمن، رفضت معظم الحكومات العربية إقامة
علاقات مع الاحتلال الإسرائيلي قبل إنشاء الدولة الفلسطينية.
لكن هذه الحسابات تغيرت في
السنوات التي سبقت الحرب، حيث قام القادة الاستبداديون بموازنة الرأي العام السلبي
تجاه إسرائيل مقابل الفوائد الاقتصادية والأمنية للعلاقة، والتنازلات التي قد
ينتزعونها من الولايات المتحدة، الحليف الأكبر للاحتلال الإسرائيلي.
وقالت إلهام فخرو، الزميلة المشاركة في تشاتام هاوس،
وهي مؤسسة بحثية: "تريد حكومة البحرين أن يُنظر إليها على أنها صوت الاعتدال
في الولايات المتحدة، وهي تستخدم بشكل متزايد علاقتها الجديدة مع إسرائيل لتشكيل
هذا التصور في واشنطن. لكن في الوطن، فإن لذلك تأثيرا مختلفا".
وفي عام 2020، أقامت البحرين والإمارات العربية
المتحدة والمغرب علاقات مع الاحتلال، في صفقات توسطت فيها إدارة ترامب، المعروفة
باسم اتفاقيات أبراهام.
لتنضم بذلك إلى مصر والأردن، اللتين أبرمتا اتفاقيات سلام
مع الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود.
وقد احتفلت الحكومات الغربية التي طالما دعمت
العائلات المالكة في المنطقة بهذه الصفقات، وفي أيلول/ سبتمبر، وقعت الحكومة
البحرينية اتفاقية أمنية شاملة مع إدارة بايدن.
لكن استطلاعات الرأي أظهرت أن معظم المواطنين العرب
العاديين، لا يتقبلون بشكل متزايد إقامة علاقات مع الاحتلال الإسرائيلي.
وفي البحرين –مع عائلتها المالكة المسلمة السنية
وأغلبية سكانها من المسلمين الشيعة–، أعلن المسؤولون أن الاتفاقيات تشجع على
التسامح والتعايش، لكن ذلك كان بمنزلة كلام فارغ بالنسبة للعديد من المواطنين، مع
استمرار الحكومة في قمع المعارضة الداخلية.
إن القضية الفلسطينية ومعارضة الاحتلال توحد
البحرينيين عبر الخطوط الطائفية والسياسية – السنة والشيعة، واليساريين العلمانيين
والإسلاميين المحافظين، صغارا وكبارا.
وعندما سُئلوا في استطلاع للرأي قبل الحرب
عن تأثير اتفاقيات أبراهام على المنطقة، أجاب 76% من البحرينيين بأنها سلبية.
وقال عبد النبي العكري، الناشط البحريني في مجال حقوق
الإنسان البالغ من العمر 60 عاما؛ إن الاتفاقات "تم فرضها ضد إرادة الشعب".
وقالت إلهام فخرو من تشاتام هاوس؛ إن البحرين كانت على
حافة الهاوية لسنوات عديدة، بسبب التوترات بين الحكومة وحركات المعارضة.
وقالت: "هذه الأزمة تزيد من اتساع هذا الصدع".
وسحقت البحرين انتفاضة الربيع العربي عام 2011
بمساعدة القوات السعودية والإماراتية، كما أنها تستضيف إحدى أهم القواعد العسكرية
الأمريكية في المنطقة.
قال المتظاهرون البحرينيون؛ إنهم ينظرون إلى الاحتلال الإسرائيلي على أنها قوة احتلال على الطراز الاستعماري، ومشروع مدعوم من الغرب يهدف إلى
السيطرة على المنطقة، وقال البعض؛ إن الاحتلال لا ينبغي أن يوجد أصلا.
وقالت فاطمة جمعة؛ إن الفلسطينيين وبقية شعوب المنطقة
يعيشون تحت سيطرة القوى الغربية.
وأضافت: "حتى الآن، نرى أنه لا يمكننا التحرك دون
موافقة أمريكية".
وبالعودة إلى فندق ريتز كارلتون في صباح اليوم التالي
للاحتجاج، عاد كبار المسؤولين العرب والأمريكيين إلى القاعة الجذابة لمناقشة
الطريق إلى الأمام في غزة.
وردا على سؤال حول الرأي العام السلبي تجاه اتفاقيات
أبراهام، قال بريت ماكغورك، أحد كبار مسؤولي البيت الأبيض في الشرق الأوسط؛ إنه
يركز على الأزمة الحالية. ولكن أبعد من ذلك، قال؛ إن صناع السياسة الأمريكيين ما
زالوا ملتزمين بـ "دمج" إسرائيل وجيرانها.
قبل الحرب، كان البيت الأبيض يجري محادثات مع
السعودية حول صفقة معقدة، تعترف بموجبها المملكة، أقوى دولة عربية، بالاحتلال الإسرائيلي.
وقال ماكغورك: "لا يمكننا أن نسمح لما فعلته
حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر بأن يعرقل هذا المسار بشكل دائم".
لكن بعض الفلسطينيين يخشون من أن يؤدي الاتفاق" السعودي الإسرائيلي "إلى تقويض نضالهم من أجل إقامة الدولة.
وقال مسؤول بحريني كبير؛ إن حكومته تعتقد أن إسرائيل
موجودة لتبقى، وأن شعوب المنطقة يجب أن تتعايش.
وأضاف أن البحرين تشعر بالقلق من
تأجيج الحرب للغضب والتطرف، متحدثا، شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع.
وقال؛ إنه يجب حماية اتفاقيات أبراهام كأداة لإحلال
السلام.
ولكن عندما سئل عن الفجوة بين القادة العرب والرأي
العام، لم يتناول المسؤول السؤال بشكل مباشر. وبدلا من ذلك، قال؛ إن البحرين تعتقد
أن الوضع في غزة كارثي، وتبذل كل ما في وسعها لتعزيز السلام.
وجاءت الاتهامات الأكثر قسوة للاحتلال الإسرائيلي في المؤتمر من
وزير الخارجية الأردني –حيث معظم السكان من أصل فلسطيني–، وأحد كبار أفراد
العائلة المالكة السعودية، الأمير تركي الفيصل، الذي دعا إلى فرض عقوبات على
إسرائيل.
ورفض الأمير تركي –رئيس المخابرات السعودية السابق–، فكرة أن بناء العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل من شأنه أن يحقق السلام، واصفا
إياها بـ "الوهم الإسرائيلي والأمريكي والأوروبي".
وبينما كان الأمير تركي يتحدث، كانت هناك احتجاجات
أخرى تتجمع على بعد حوالي ستة أميال، وتمتد لمسافة عدة شوارع عبر شوارع المحرق
الضيقة، وهي بلدة بها مبان منخفضة الارتفاع بظلال من اللونين الأبيض والبيج.
وكانت رائحة البنزين تنبعث من السيارات المتوقفة في الهواء، بينما عرقلت مجموعات من
الناس حركة المرور، ولوحوا بالأعلام الفلسطينية وحملوا الأطفال على أكتافهم.
لا تزال حرية تكوين الجمعيات والتجمع مقيدة بشدة في
البحرين. لكن العديد من الاحتجاجات الأخيرة حصلت على تصاريح حكومية، مما يوفر
مساحة شبه خاضعة للعقوبات للتنفيس عن غضبها.
وهتف آلاف المتظاهرين باللغتين الإنجليزية والعربية
حتى بُحت أصواتهم: "تسقط،
تسقط إسرائيل".
"أمريكا
رأس الحية"، وهتف البعض مؤيدين المقاومة، وحثوها على قصف تل أبيب.
وفي خطابه في اليوم السابق، أعرب ولي عهد البحرين عن
أسفه لـ "القصف المستمر" في غزة، ووصفه بأنه وضع لا يطاق.
وقال: "اسمحوا لي أن أكون واضحا للغاية بشأن ما
يهم مملكة البحرين"، واضعا قائمة من "الخطوط الحمراء"، بما في ذلك
التهجير القسري لسكان غزة، وتقليص أراضي غزة أو إعادة احتلال تلك الأراضي. "ومن
ناحية أخرى، يجب ألا يكون هناك إرهاب موجه من غزة ضد الجمهور الإسرائيلي".
ولم يصل إلى حد التهديد بقطع دبلوماسي مع الاحتلال، ووصف الولايات المتحدة بأنها "لا غنى عنها" في أي عملية سلام.
وعندما انتهى، تناول ضيوفه العشاء من الخوخ المسلوق
بالزعفران وصدور الدجاج المحشوة بالخضار المشوية. وفي حديثهم على هامش المؤتمر،
أخبر المسؤولون البحرينيون المشاركين أنهم مصممون على حماية اتفاقهم مع الاحتلال الإسرائيلي.