روى طبيب بريطاني فلسطيني ما شاهده في مستشفيات
غزة قبل عودته إلى لندن قبل أيام، مؤكد استخدام قوات
الاحتلال الإسرائيلي أسلحة محرمة دوليا بحسب ما تظهر الإصابات، كما أشار إلى الاستهداف المتكرر للمستشفيات التي باتت تفتقد للمواد الطبية الأساسية، مشككا في الأدلة التي عرضها الاحتلال حول وجود أسلحة داخل المستشفيات أو أنفاق تحتها.
من جهته، شدد
المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين، الاثنين، على عزمه تقديم أدلة تثبت ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي جرائم في قطاع غزة إلى الشرطة البريطانية، موضحا أن في حوزته شهادات تشير إلى استهداف قوات إسرائيلية مدنيين فلسطينيين في بيوتهم وقتل عائلات فلسطينية بأكملها.
ولفت المركز في مؤتمر صحفي في العاصمة البريطانية لندن، إلى أنه استطاع جمع أدلة على وجود شبهة ارتكاب دولة الاحتلال الإسرائيلي جريمة إبادة جماعية في قطاع غزة. وبعد تقديم الأدلة للشرطة والتحقيق فيها، سيكون بيد القضاء إصدار مذاكرات اعتقال.
وأوضح مدير المركز، المحامي الطيب علي، أن قوات الاحتلال استهدفت خلال عدوانها الوحشي على قطاع غزة "أناسا لا علاقة لهم إطلاقا بحركة حماس".
وأعلن عن تأسيس وحدة تحقيقات خاصة بجرائم حرب محتملة في قطاع غزة، معربا عن عزمه على العمل مع وحدة تحقيقات الحرب التابعة لشرطة لندن لتزويدها بالأدلة، ودعا السياسيين في
بريطانيا ليفسحوا المجال للشرطة للقيام بعملها في التحقيق.
ووجه علي نداء إلى جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي دعاهم فيه إلى تزويده بالأوامر التي تلقوها من قادهم لأغراض التحقيق.
وقال إن المركز يعمل على جمع الأدلة من غزة، كما يعمل خبراء في لندن على تحليل الأدلة، وتقديمها سواء كان للشرطة البريطانية أو المحكمة الجنائية الدولية، أو حتى لدى الدول الأخرى التي تطبق مبدأ الولاية القضائية العالمية.
وعرض علي تصريحات مصورة لمسؤولين إسرائيليين قال إنها تؤكد وجود النية على الإبادة الجماعية في غزة.
وخلال المؤتمر الصحفي، كشف الجراح البريطاني الفلسطيني غسان أبو ستة، المتخصص في الجراحة التجميلية، عن مشاهد عاينها من جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين والمستشفيات في قطاع غزة.
ولفت أبو ستة الذي وصل إلى غزة في 9 تشرين الأول/ أكتوبر بالتعاون مع منظمة أطباء بلا حدود، إلى أن 160 طبيبا وممرضا ومسعفا استشهدوا جراء الحرب المدمرة التي شنها الاحتلال على قطاع غزة. وذكر أبو ستة أن نحو 10 أطباء اعتقلوا أو اختفوا منذ اقتحام قوات الاحتلال المستشفيات.
وبعد أيام من سفره إلى غزة، زار عناصر من شرطة مكافحة الإرهاب في بريطانيا منزل عائلة أبو ستة وحققت مع العائلة. لكن علي أوضح أنه تواصل مع الشرطة حينها وأبلغته بأنها فقط أرادت التأكد من سبب سفره إلى غزة، وأن هذا ما تفعله مع كل من يسافرون إلى مناطق الحروب.
والدكتور أبو ستة هو جراح متخصص في الجراحة التجميلة ومعالجة آثار الحروق، ولديه خبرة طويلة في علاج المصابين في مناطق الحروب، مثل سوريا واليمن، كما زار غزة سابقا. وله كتابان في "جراحة الحرب".
وحول استخدام الاحتلال الإسرائيلي أسلحة محرمة دوليا خلال عدوانه على قطاع غزة، شدد أبو ستة على أنه رأى حروقا تسببت فيها قنابل الفسفور الأبيض، وتحديدا في مخيمي الكرامة والشاطئ، ووصلت الحروق إلى عظام المصابين الفلسطينيين.
وبدأ أبو ستة عمله في مستشفى الشفاء، ثم انتقل إلى المستشفى الأهلي المعمداني.
وتطرق إلى استهداف المستشفى، واستبعد أن يكون الانفجار ناجما عن صاروخ فلسطيني أطلق بالخطأ، وقال إن طبيعة الجروح القطعية وقوة الانفجار الذي أدى إلى انهيار سقف غرفة العمليات في المستشفى أثناء إجراء عملية جراحية، إضافة إلى عدم وجود رائحة وقود الصاروخ الذي يفترض أنه سبب الانفجار، تشير إلى أنه قصف إسرائيلي.
وذكر أبو ستة أن الساحة الأمامية للمستشفى الأهلي كانت مليئة بالجثث بسبب القصف.
وقبل ذلك أطلقت مسيرات إسرائيلية صواريخ بالقرب سياج المستشفى الأهلي بعد تلقي مديره إنذارا بإخلائه.
وكشف أنه في اليوم الخامس من العدوان الإسرائيلي، كان هناك في مجمع الشفاء الطبي أكثر من 45 في المئة من المصابين بالحروق كانوا من الأطفال، مضيفا أن "120 طفلا كانوا مصابين في مستشفى الشفاء دون ذويهم ولم نعرف هوياتهم".
واوضح أنه في اليوم الخامس والسادس لوصوله كان يجري ما بين 10 و15 عملية جراحية في اليوم.
وتحدث عن وجود أجيال عدة من نفس العائلة بين المصابين، حيث جرى استهداف عائلات بأكملها. كما أشار إلى استخدام صواريخ متشظية بحسب ما تظهره الجروح العديدة والنظيفة مع الشظايا في أجسام المصابين، دون حروق أو التسبب بتدمير في المحيط.
وانتقل أبو ستة أيضا إلى مستشفى العودة الذي تلقى مديره إنذارا من الاحتلال بإخلائه خلال ساعتين، وهو أمر غير ممكن بسبب أعداد المصابين.
وبعد الغزو البري للاحتلال الإسرائيلي وبدء حصار المستشفيات، حاول العديد من الأهالي إخراج مصابيهم من مستشفى الشفاء وبعضهم نُقل إلى المستشفى الاهلي الذي أعيد تشغيله جزئيا.
وتحدث عن تفاقم الوضع الصحي مع نفاد الإمدادات الطبية، بما فيها في ذلك مواد التخدير ومسكنات الألم ومواد تطهير الجروح. وقال إن هناك مصابين تُركوا لمصيرهم بسبب غياب الإمكانيات والمواد الطبية.
ومع تأخر العمليات الجراحية بسبب نقص المواد الضرورية، فقد تعرض العديد من المصابين لمضاعفات، وقال إنه رأى جروحا لأطفال تخرج منها الديدان. وأضاف: "اضطررنا إلى إجراء عمليات جراحية عدة دون تخدير، إحداها لطفلة في التاسعة من عمرها".
وأشار إلى تعرض العديد من الأشخاص الذين كانوا يحاولون الوصول للمستشفيات لرصاص القناصة الإسرائيليين.
وقال إنه لم يستطع الاستمرار في عمله لأنه لم يستطع إجراء عمليات، بما في ذلك لأشخاص وأطفال بُترت أعضاؤهم، دون تخدير، فقرر الانتقال لجنوب القطاع، في حين لم يعد أي مستشفى يعمل في الشمال تقريبا.
وأوضح أن الرحلة إلى جنوب القطاع استغرق خمس ساعات مشيا على الأقدام. وخلال الرحلة شاهد جثثا ممزقة، كما تعرض الكثير من النازحين للاعتقال من قبل الاحتلال الإسرائيلي، حيث تم إجبار النازحين على المرور عبر ممر ضيق على طريق صلاح الدين، فيما يُطلب من الناس النظر إلى الكاميرات ليتم احتجاز العديد من الأشخاص.
وقال إن شاهد أشخاصا تم توقيفهم وقد تمت تعريتم من ملابسهم وأياديهم فوق رؤوسهم.
وأخيرا قرر أبو ستة مغادرة قطاع غزة عبر معبر رفح إلى مصر، في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري. وعبّر عن شعوره بالألم بسبب تركه المصابين خلفه.
وفي رده على أسئلة الصحفيين، أكد أبو ستة أنه لم ير أي مسلح سواء كان من عناصر حماس أو حتى الأمن داخل المستشفيات، كما لم يشاهد أي صاروخ في محيطها. كما نفى أن يكون قد شاهد أيا من المحتجزين الإسرائليين في المستشفيات التي عمل فيها.
وشكك أبو ستة في الأدلة التي عرضتها قوات الاحتلال الإسرائيلي حول وجود مقرات عسكرية أو نفق تحت مستشفى الشفاء، وتساءل عن سبب عدم اصطحاب الصحفيين في جولة داخله النفق قبل الإعلان عن تفجيره، كما شكك في كيفية وصول أسلحة إلى غرفة التصوير بالأشعة بل وداخل جهاز التصوير بالرنين المغناطيس، في وقت تتزايد فيه الحاجة لاستخدام أجهزة التصوير لفحص المصابين.
وأكد أبو ستة أن ما شاهده "لا يشير إلا إلى أنه مستشفى يعمل في دولة من العالم الثالث".
وأوضح أنه إذا كان الأمر يتعلق بمستشفى الشفاء، فماذا عن استهداف أربعة مستشفيات للأطفال ومستشفى السرطان والمستشفى الإندونيسي وغيرها؟
ولفت أبو ستة إلى أن مستشفيات غزة كان تضم قبل هذه الحرب 2500 سرير فقط، في حين أنه الآن هناك أكثر من 36 ألف مصاب. وعلى سبيل المثال فإن المستشفى الأهلي تتوفر فيه غرفتان للعمليات، بينما هناك أكثر من 400 مصاب في المستشفى.
وكان الاحتلال اقتحم مستشفى الشفاء لأيام بعد حملة ترويج واسعة رافقها حصار خانق بالآليات العسكرية، ما أسفر عن استشهاد العديد من المرضى والنازحين وخروج المجمع الطبي عن الخدمة بشكل كامل.
وقبيل سريان الهدنة الإنسانية، فجرت قوات الاحتلال مرافق مستشفى الشفاء قبل انسحابها دون السماح لأي جهة دولية أو أممية بمعاينة الأدلة التي زعمتها حول استخدام المقاومة للمجمع الطبي كغطاء لعملياتها العسكرية.
والجمعة، دخلت الهدنة الإنسانية لمدة أربعة أيام بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي حيز التنفيذ، وتلا ذلك على مدى الأيام الماضية تبادل للأسرى على دفعات بين الجانبين، وفقا لشروط التهدئة التي توصل إليها الطرفان عقب مفاوضات طويلة بوساطة قطرية مصرية وأمريكية.
وقبل بدء الهدنة، ارتفعت حصيلة ضحايا العدوان الوحشي على قطاع غزة إلى أكثر من 14854 شهيدا، بينهم نحو 6 آلاف طفل و4 آلاف سيدة، فضلا عن إصابة ما يزيد على الـ35 ألفا آخرين بجروح مختلفة جلهم من الأطفال والنساء، وفقا لأحدث أرقام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.