البعض يتصور أن
الانحياز الأمريكي السافر والكامل لإسرائيل فيما بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر
لا يفسره سوى سيطرة اللوبي الصهيوني على مفاصل القرار الأمريكي، ومن ثم توريط
الولايات المتحدة في معارك خاصة بإسرائيل لا تعني أمريكا في شيء!! والبعض الآخر
يرى أن تورط أمريكا في هذه المعركة التي لا تخدم مصالحها فرصة لإقناعها بأن
إسرائيل قد أصبحت عبئا عليها، وذلك في ضوء تصورهم أن الحلفاء العرب يمكنهم أن
يقوموا بهذا الدور بكفاءة أكبر وكلفة أقل!!
لكن الحقيقة أن
أمريكا في هذه المعركة تدافع عن نفسها وعن نفوذها الدولي وهيمنتها الأحادية التي
أصبحت مرتبطة إلى حد كبير باستمرار هيمنتها على منطقتنا، والتي تعد بدورها أحد أهم
مصادر هذا النفوذ والهيمنة ومن ثمّ القدرة على منازلة المنافسين الدوليين (روسيا-
الصين).
لهذا فلا عجب أن
نرى أن عدم انتصار إسرائيل في معركة غزة يعرض أمريكا لموقف بالغ الخطورة لا يقل
أهمية عن هزيمتها في العراق وأفغانستان اللتين كان لهما دور كبير في تصدع القطبية
الأحادية؛ حيث يبدو أن القدر قد جعل لأمتنا شرف التوقيع على زوال الإمبراطوريات أو
تصدعها كما حدث أيضا مع الاتحاد السوفييتي في أفغانستان.
ومن هنا يمكن أن
نرى تحول الاهتمام الأمريكي والغربي عموما من أوكرانيا إلى غزة، فقد أصبحت هي
الأهم لأن انتصار أمريكا في تنافسها المحموم على سقف العالم لا ينفك عن استمرار
نفوذها بشرق أوسط مركزه إسرائيل، وهو لا يعني بحال التراجع عن الاستراتيجية
الأمريكية التي جعلت من الصين هي الخطر الأول؛ لأن الانتصار في معركة الصين يستلزم
شرق أوسط محكوم أمريكيا، وهو ما لا يتم بدون مركزية إسرائيلية يجري الآن الدفاع
عنها بكل شراسة.
كما أن أهمية
إسرائيل -نقطة الارتكاز الأمريكية بالشرق الأوسط والقاعدة العسكرية المتقدمة-
يجعلنا ندرك طبيعة الروابط الدينية والاستراتيجية والسياسية بينهما، والتي تجعل
البعض يعتقد أن أمريكا تقدم مصالح إسرائيل على مصالحها.. وهو ما جعل بايدن يقول:
"لو لم تكن إسرائيل لتعيّن علينا اختراعها"، برغم أنها اختراع صهيوني
وإن تم تخليقه في الرحم الغربي مستفيدا من زخم المركزية الغربية، بل ويتم توظيفها
في بعض الأحيان في ضوء رؤية عميقة للاستفادة من التحولات الدولية، والتي برعت فيها
الحركة
الصهيونية إلى حد كبير.
لكم الله يا أهل
غزة وقد أصبحتم مركز ثقل العالم والمتلقي لأكبر ضغط عسكري وسياسي من خلال الآلة
العسكرية الصهيونية الشيطانية.