استعرض صحيفة "
الغارديان" تقرير للصحفية هنا إليس بيترسن، الموقف
الهندي من الأحداث في الشرق الأوسط والعدوان على
غزة.
وقالت الصحيفة: "بعد ساعات قليلة من شن حماس هجومها على إسرائيل، كان رئيس وزراء الهند من بين أوائل زعماء العالم الذين استجابوا، وفي بيان شديد اللهجة، أدان ناريندرا
مودي (الهجمات الإرهابية) وقال إن الهند تتضامن مع إسرائيل في هذه الساعة الصعبة".
وأعاد وزير الخارجية الهندي تغريد التعليق على الفور تقريبا، وحذر وزير دولة آخر من حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم الذي يتزعمه مودي في تغريدة على منصة إكس، من أن الهند "قد تواجه الوضع الذي تواجهه إسرائيل اليوم إذا لم نقف ضد التطرف ذي الدوافع السياسية".
وتضيف الصحيفة: "على الرغم من أن كلمات مودي تتوافق مع رسائل معظم الحكومات الغربية، إلا أنها بالنسبة للهند كانت بمثابة تحول عن الماضي، حيث لم تمر سوى بضعة أيام حتى قامت وزارة الخارجية بتذكير الجمهور بهدوء بالتزام الهند التاريخي بحل الدولتين لإسرائيل وفلسطين".
وفي يوم الجمعة، كانت الهند من بين الدول التي لم تدعم قرار الأمم المتحدة بشأن "هدنة إنسانية" في غزة، واختارت بدلا من ذلك الامتناع عن التصويت.
بالنسبة للكثيرين، فإن فورية تعليقات مودي والتصويت على قرار الأمم المتحدة يرمزان إلى مدى أهمية التحول الذي طرأ على العلاقات الهندية-الإسرائيلية منذ وصوله إلى السلطة في عام 2014، وهو ما تجلى بشكل ملحوظ في الود العام بينه وبين
نتنياهو.
وقال نيكولاس بلاريل، الأستاذ المشارك في العلاقات الدولية بجامعة ليدن ومؤلف كتاب تطور سياسة الهند تجاه إسرائيل: "كان موقف مودي داعما علنا لإسرائيل، لكن هذه هي المرة الأولى التي يكون لديك فيها رد فعل فوري مؤيد لإسرائيل دون بيان يتبعه على الفور لموازنة الموقف".
وترى الصحيفة، أن "إسرائيل تعتبر تصريح مودي بمثابة دعم لا لبس فيه. وفي حديثه للصحفيين في دلهي الأسبوع الماضي، شكر سفير إسرائيل، ناؤور جيلون، الهند على دعمها بنسبة 100 بالمئة".
ومع ذلك، لم تكن هذه المشاعر مقتصرة فقط على المستويات العليا في الحكومة الهندية، وكما قال أزاد عيسى، الصحفي ومؤلف كتاب (أوطان معادية: التحالف الجديد بين الهند وإسرائيل): "أعطت هذه الرسالة إشارة واضحة إلى خلية الإنترنت اليمينية بأكملها في الهند".
وفي أعقاب ذلك، بدأ مدققو الحقائق الهنديون على الإنترنت، AltNews و Boom، في ملاحظة طوفان من المعلومات المضللة التي تستهدف فلسطين والتي نشرتها حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الهندية، والتي تضمنت قصصا مزيفة عن الفظائع التي ارتكبها عناصر حماس والتي تمت مشاركتها أحيانا ملايين المرات، وغالبا ما تستخدم الصراع لدفع نفس الخطاب المعادي للإسلام الذي تم استخدامه بانتظام لتشويه صورة السكان المسلمين في الهند منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة.
وبدأت مجموعات فيسبوك المرتبطة بحزب بهاراتيا جاناتا في نشر رسالة مفادها أن حماس تمثل نفس التهديد الإسلامي الذي يواجه الهند في منطقة كشمير المضطربة ذات الأغلبية المسلمة، وأن الفلسطينيين يوصفون على نطاق واسع بأنهم جهاديون.
وحثت الرسائل التي تم تداولها على نطاق واسع عبر تطبيق واتساب الهندوس على تسليح أنفسهم ومقاطعة المسلمين، وجاء فيها: "في المستقبل، يمكن أن تواجه الهند أيضا مؤامرات وهجمات مثل إسرائيل. لا يمكن استبعاد احتمال تعرض النساء الهندوسيات للوحشية".
وشقت نفس الرواية طريقها إلى بعض القنوات الإخبارية الأكثر إثارة للجدل في الهند، حيث قال أرناب جوسوامي، المذيع اليميني المتشدد على قناة تلفزيون الجمهورية الهندية، للمشاهدين: "نفس التفكير الإرهابي الإسلامي الجهادي المتطرف الذي أصبحت إسرائيل ضحية له، نحن ضحيته أيضا إسرائيل تخوض هذه الحرب نيابة عنا جميعا".
ويبدو أن بعض الجماعات القومية الهندوسية اعتبرت ذلك بمثابة دعوة لحمل السلاح، وخلال الأسبوع الماضي، تجمعت مجموعات خارج السفارة الإسرائيلية في دلهي، لعرض خدماتها لمحاربة حماس.
وكان من بينهم فيشنو غوبتا (58 عاما)، الرئيس الوطني لحزب هندو سينا، الذي قال إنه كان من بين 200 رجل تطوعوا في الجيش "الإسرائيلي"، مضيفا أن مودي عزز ثقته.
وقال غوبتا: "كلانا ضحية للإرهاب الإسلامي، ولهذا السبب كنا ندعم إسرائيل منذ البداية، تماما كما استولى المسلمون على القدس، تم غزو الأماكن المقدسة في الهند أيضا من قبل المسلمين، ومثل حماس، هناك مسلحون من كشمير تدعمهم باكستان، والذين ينفذون هجمات إرهابية في جميع أنحاء الهند. الشيء الوحيد الذي يجعلنا محظوظين هو أننا لسنا من الأقلية".
تاريخيا، كانت علاقة الهند بإسرائيل مختلفة تماما. فقد عارض رئيس وزرائها الأول، جواهر لال نهرو، والمناضل الهندي من أجل الحرية المهاتما غاندي إنشاء دولة إسرائيلية، خشية أن تؤدي إلى حرمان الفلسطينيين من حقوقهم، وصوتت الهند ضدها في الأمم المتحدة.
كانت الهند أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي لفلسطين في السبعينيات، ومنحت المجموعة وضعا دبلوماسيا كاملا في الثمانينيات ودعت زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، للزيارة عدة مرات.
وحافظت باستمرار على موقف مؤيد لفلسطين في الأمم المتحدة، ولم تتمكن الهند أخيرا من إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل إلا بعد أن بدأت منظمة التحرير الفلسطينية حوارا مع "إسرائيل"، ومع تزايد الضغوط الأمريكية، في عام 1992.
وجاءت نقطة التحول في عام 1999 عندما دخلت الهند في حرب مع باكستان وأثبتت إسرائيل استعدادها لتقديم الأسلحة والذخيرة، لقد كانت بداية علاقة دفاعية نمت بشكل كبير، حيث تشتري الهند ما قيمته ملياري دولار من الأسلحة من إسرائيل كل عام، وتعد أكبر مورد لها للأسلحة بعد روسيا، وتمثل 46 بالمئة من إجمالي صادرات الأسلحة الإسرائيلية، وفق الصحيفة.
ولكن انتخاب مودي كان بمثابة التغيير الجذري الجوهري. وفي حين أبقت الحكومات السابقة تعاملاتها مع إسرائيل هادئة إلى حد كبير، بسبب المخاوف من تنفير الحلفاء الأجانب وعدد كبير من سكانها المسلمين، فقد كانت لحكومة مودي القومية الهندوسية، حزب بهاراتيا جاناتا، أولويات مختلفة تماما.
وفي عام 2017، أصبح مودي أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل، وهو ما تم رده بالمثل بعد أشهر عندما سافر نتنياهو إلى دلهي. وصور الثنائي وهما يسيران حافي القدمين وسراويلهما ملفوفة على طول شاطئ حيفا في تل أبيب، والتي وصفتها وسائل الإعلام الهندية في ذلك الوقت بأنها "علاقة صداقة ناشئة"، استخدمها الشخصان لاحقا في مواد الحملة الانتخابية.
وقال عيسى: "السردية التي كانوا يدفعون بها كانت واضحة، أن الهند وإسرائيل هما هاتان الحضارتان القديمتان اللتان أخرجهما الغرباء عن مسارهما، وهو ما يعني المسلمين، وقد اجتمع قادتهما، مثل الإخوة المفقودين منذ زمن طويل، لتحقيق مصيرهم".
ومن المؤكد أن التوافق الأيديولوجي بين الزعيمين كان أكثر وضوحا مما كان عليه في الماضي، كان أسلاف حزب بهاراتيا جاناتا الإيديولوجي، وقواعده اليوم، ينظرون إلى إسرائيل منذ فترة طويلة باعتبارها نموذجا للدولة القومية الدينية، التي يشار إليها باسم هندو راشترا، والتي يأمل اليمين الهندوسي في الهند في تأسيسها.
وبينما كان مودي أيضا أول رئيس وزراء هندي يزور مدينة رام الله في فلسطين، فإن جزءا كبيرا من تركيز حكومته كان على تعزيز العلاقات مع إسرائيل، سواء كان ذلك من خلال الدفاع والثقافة والزراعة وحتى صناعة الأفلام. وهذا العام، دفع غوتام أداني، رجل الأعمال الهندي الملياردير الذي يُنظر إليه على أنه مقرب من مودي، 1.2 مليار دولار لشراء ميناء حيفا الإسرائيلي الاستراتيجي.
ومع ذلك، فقد أشرفت سياسة مودي الخارجية أيضا على تحول في العلاقات مع دول الخليج العربي، بما في ذلك السعودية والإمارات وقطر، وهو ما كان ذا فائدة مالية كبيرة للهند وأرسى الأساس لممر تجاري اقتصادي رائد بين الهند والشرق الأوسط، يمتد على طول الطريق إلى أوروبا، والذي تم الإعلان عنه في منتدى مجموعة العشرين للتعاون الاقتصادي الدولي هذا العام ولكن لم يتم بناؤه بعد.
وبينما يعمل الخليج أيضا على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، قال المحللون إنه إذا استمر الصراع بين "إسرائيل" وحماس في التصاعد، فمن المحتمل أن تهدئ الهند موقفها المؤيد لإسرائيل لمنع الاحتكاك مع شركائها الخليجيين المهمين.
ونقلت الصحيفة، عن ألفيت سينغ نينغثوجام، زميل معهد الشرق الأوسط في دلهي قوله، إنه منذ تصريحات مودي الأولية، فقد كان هناك "صمت محسوب" من جانب الحكومة.
وأضاف: "رغم أن مودي يشعر بالارتياح للإدلاء بتصريحات تدين الإرهاب عبر الحدود، إلا أنه إذا تصاعد هذا الصراع وتورطت دول أخرى تربطها علاقات بحكومته، فسيكون ذلك اختبارا كبيرا للهند".