نشرت صحيفة "لاكروا" الفرنسية
تقريرا تناولت
فيه محاولات إسرائيل إخلاء سكان مدينة
غزة باتجاه جنوب القطاع، ونقلت عن عدد من سكان
في المدينة أنهم يرفضون الرحيل وأنهم سيبقون في منازلهم.
واستعرضت الصحيفة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"،
رسالة موجزة مكتوبة بالعربية في منشورات ألقاها الجيش الإسرائيلي بواسطة طائرات
بدون طيار فوق قطاع غزة، تم اكتشافها فجر الجمعة (13 تشرين الأول/ أكتوبر) من
قبل سكان غزة؛ حيث جاءت فيها هذه العبارة: "أخلوا منازلكم فورا وانتقلوا إلى
جنوب وادي غزة (نهر يمر جنوب مدينة غزة)".
وتحتوي المنشورات أيضا على خريطة عليها سهم يشير إلى
الجنوب، لعبور خط في وسط الرسم ضمن هذه المنطقة الضيقة، بطول 40 كيلومترا وتخضع لحصار
كامل منذ عام 2007.
ويقول مصمم الغرافيك
الفلسطيني أحمد ديا، والذي تحدث
إلى "لا كروا" عبر الهاتف في الوقت الذي تظل فيه الحدود الجنوبية مع مصر
مغلقة: "لا يوجد مكان آمن، الناس يموتون في كل مكان، حتى لو أردت الرحيل لا
أستطيع، ليس هناك وسائل نقل للذهاب إلى الجنوب. الذين لديهم سيارات يغادرون،
والباقون عالقون"، فيما "تتخلل مكالمتنا الهاتفية أصوات الانفجارات
المستمرة وانقطاعات خط الهاتف المتكررة"، بحسب ما تشير إليه الصحيفة.
وبينت الصحيفة أنه في اليوم السابع من القصف الكثيف
الذي بدأت به إسرائيل على القطاع الفلسطيني ردا على هجوم حماس، يتردد سكان مدينة
غزة في الاستجابة لأوامر الجيش الإسرائيلي؛ حيث يتجه الآلاف منهم نحو الجنوب منذ
صباح الجمعة، بعضهم سيرا على الأقدام، حاملين الأطفال وبعض الحقائب، والبعض الآخر
بالسيارات، أو على الدراجات النارية، أو مكدسين على مقطورات الشاحنات.
حتى يوم الخميس،
أُجبر أكثر من 423 ألفا من سكان غزة بالفعل على الفرار من أحيائهم التي استهدفها القصف
الإسرائيلي للجوء إلى مناطق أقل استهدافا، بحسب الأمم المتحدة التي أطلقت في ذلك
اليوم نداء عاجلا للتبرع.
وأوضحت الصحيفة أنه في يوم الجمعة، أصرت الأمم المتحدة
على أن "تلغي" إسرائيل أمرها بالإخلاء نحو الجنوب. بالنسبة للمتحدث باسم
الأمين العام للأمم المتحدة، ''ستيفان دوجاريك''، فإن هذا النزوح الشعبي سيكون ضخما
للغاية، وسيشمل في الواقع حوالي 1.1 مليون من سكان شمال القطاع، أي النصف تقريبا من
إجمالي سكانه (2.4 مليون). ويحذر من أن مثل هذه الهجرة الجماعية ستكون مستحيلة دون
التسبب في عواقب إنسانية مدمرة.
هل هي "نكبة جديدة"؟
وأفادت الصحيفة بأن حماس، من جهتها، تؤكد أن
"الشعب الفلسطيني يرفض تهديدات قادة
الاحتلال ودعواتهم لمغادرة منازلهم
والفرار إلى الجنوب أو مصر".
ونقلت الصحيفة عن زياد مدوخ، مدير قسم اللغة الفرنسية
في جامعة الأقصى بغزة، قوله مؤيدا هذا الموقف: "لن أستسلم للتهديدات والضغوط
من إسرائيل، مع زوجتي وخمسة من أطفالنا، قررنا البقاء في منزلنا"، ويشرح
مدوخ؛ الذي يحتفظ بالقليل من طاقة بطارية هاتفه للشهادة لوسائل الإعلام الناطقة
بالفرنسية: "المراجع بالنسبة لي هي الصليب الأحمر والأمم المتحدة: ما دامت لن
ترسل شاحنات لنا، فلن أتحرك".
ويرى زياد مدوخ في الإخلاء المطلوب مؤشرا على
"نكبة جديدة"، وهو مصطلح عربي يعني "كارثة" ويشير إلى النفي
القسري لـ700 ألف فلسطيني بعد إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948. بمعنى آخر، الرحيل
دون عودة؛ حيث يقول زياد مدوخ: "البقاء في منزلي هو طريقتي في
المقاومة، حتى
لو كان ذلك يعني الانتظار حتى الموت".
البقاء والصلاة
وأشارت الصحيفة إلى أنه في الوقت الذي تتكرر فيه
الدعوات للسماح لمصر بفتح ممر آمن للمدنيين في القطاع، فقد دعا الرئيس المصري عبد
الفتاح السيسي يوم الخميس أهالي غزة إلى "البقاء على أرضهم".
وذكرت الصحيفة أن الملك عبد الله الثاني الأردني حذر
يوم الجمعة من "أي محاولة لنقل الفلسطينيين"، مشددا على أن الصراع
"يجب ألا يمتد إلى الدول المجاورة".
وبحسب الصحيفة؛ ففي مدرسة راهبات الوردية في تل الهوى،
وهي في الجزء جنوبي من مدينة غزة، ليس لدى الأخت نبيلة صالح النية أيضا للرحيل، حيث تقول
وهي تتحدث عن العائلات والأطفال الذين لجأوا إلى هذه المدرسة في الأيام الأخيرة:
" ليس لديهم مكان للذهاب. إلى أين تريدين منهم أن يذهبوا؟"، معربة عن
قلقها الكبير بشأن النقص المتوقع في المياه والغذاء، حيث تكرر هذه الراهبة، التي
تقيم في غزة منذ عام 2014، قولها: "نحن نبقى ونصلي".
واختتمت الصحيفة التقرير بقول أحمد ديا وهو لا يستطيع
إخفاء حزنه: "سنشتكي من هذا العالم إلى الله عندما نلتقي به".