كشفت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير لها أن "إدارة بايدن تحاول البحث عن طرق لإصلاح العلاقة مع العرب والمسلمين الأمريكيين؛ وإن تعليقات بايدن بأنه لا يثق بأرقام
الفلسطينيين أغضبت بعض قادة المجتمع".
وأضاف التقرير الذي أعدته حنا ألام، ومايكل بورستين، بأن "
الناخبين العرب المسلمين هم الأشد ولاء للحزب الديمقراطي، لكن ترددات الحرب في
غزة أدت للكشف عن الصدع الحاصل" مشيرين إلى أن "البيت الأبيض بدأ هذا الأسبوع، بمجموعة من التحركات وجلسات استماع للعاملين في الإدارة من أبناء المجتمعين وانتهت بلقاء مثير للجدل بين الرئيس ورموز مختارة من قيادات المجتمع العربي والمسلم والذين تعرضوا لضغوط واسعة من الناشطين لرفض الدعوة".
وتابعت بأن "الاحتقار الواضح لبايدن من كتلة ديمقراطية موثوقة، هي إشارة على أن الحرب في غزة بدأت تعيد تشكيل السياسة المحلية الأمريكية، حيث يتصادم الرعب من هجمات حماس التي قتلت 1.400 إسرائيلي، مع رعب مسح عائلات بأكملها في غزة بسبب الغارات الانتقامية الإسرائيلية، ووصف ناشطون في جماعات مناصرة عربية ومسلمة أمريكية داخل وخارج الإدارة أحداث الأسبوع الماضي بتفصيل".
وأكد أن "مظاهر القلق داخل المجتمعين العربي والمسلم قد تصل إلى نقطة: هل نتعامل مع دعاة حرب أو صناع سلام؟ مع من نتعامل؟؛ وبالنسبة للمسلمين والعرب الأمريكيين جاء الجواب، الأربعاء الماضي، عندما قلّل بايدن من موثوقية أرقام وزارة الصحة الفلسطينية لأن المسؤولين فيها تحت إمرة حماس التي تدير القطاع. ومن الناحية التاريخية كانت هذه الأرقام دقيقة، حسب باحثين في شؤون الشرق الأوسط.
وفي يوم الخميس أصدرت وزارة الصحة، قائمة مشفوعة بالأسماء وأرقام الهوية لعدد القتلى وحصيلتهم آنذاك 6.747 وقالت الوزارة إن هناك 281 مجهولا مما يجعل الرقم الإجمالي 7.028 قتيلا؛ فيما تم تفسير تعليقات الرئيس بايدن التي أكدتها الإدارة لاحقا في بيانات رسمية، بأنه يصف الفلسطينيين بالكذب ويقارن الوزارة والعاملين الحرفيين فيها بحماس.
وفي هذا السياق، قال مسؤول عربي أمريكي في البيت الأبيض، وشارك في جهود التواصل مع المجتمعات القلقة إن "المسؤولين البارزين يقومون بعقد لقاءات مع العرب والمسلمين والفلسطينيين الأمريكيين لمناقشة رد البيت الأبيض".
ووصف الموظف نهج بايدن والآخرين بأنه واحد من التواضع والإنساني ووصفه بالمعقد من الناحية الدينامية. ولكن الموظف رفض التعليق عما قيل في اللقاءات، وعندما تم سؤاله تغيرت نبرة الرئيس أو سياسته. ولكنه أشار للمؤتمر الصحافي في 20 تشرين الأول/ أكتوبر والذي أكد فيه الرئيس دعمه لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
وقال بايدن: "نحزن على كل حياة فقدت، ولا يمكننا تجاهل إنسانية الفلسطينيين الذين يريدون العيش بسلام والحصول على فرصة". وفي بيان الجمعة الماضي، أشار المتحدث باسم البيت الأبيض، روبن باترسون، لجهود الإدارة في "التواصل والاستماع مباشرة من المجتمعات المسلمة والعربية الأمريكية والفلسطينية. وسنواصل التواصل في الحوار مع هذه المجتمعات المهمة. ونشجب بلا لبس الكراهية والتمييز ضدهم".
ووصفت جماعات المناصرة العربية والمسلمة الغاضبة تعليقات الرئيس حول أرقام الفلسطينيين وعدم الثقة بها بالخطيرة. وقالت بعض الأصوات على منصات التواصل الإجتماعي إن الرئيس خسرهم ويفكرون بعدم التصويت في انتخابات 2024. وعندما انتشرت الأخبار أن الرئيس يريد مقابلة قادة المجتمع، من صادق عليهم المسؤولون البارزون، بدأ الناشطون مباشرة بالاتصالات والضغط على المدعوين برفض الدعوة أو بشرط رد بايدن على تصريحاته بشأن الأرقام الفلسطينية حول الموتى.
وقال ناشط مجتمعي شارك في المحادثات "لماذا تجلسون معه وبدون أي موافقة على سحبه بيانه والإعتذار" و"على أي مقعد تتفاوضون في الطاولة، هل مقعد الحمام؟". لكن اللقاء عقد في النهاية يوم الخميس متوجا أسبوعا من القرارات المحفوفة بالمخاطر، تركت علاقة بايدن مع المسلمين والعرب الأمريكيين متضررة جدا.
إلى ذلك، حدث صدع بين جماعات الدفاع عن العرب والمسلمين حيث حاولوا بدون نجاح بناء رد موحد على النزاع. وفوق كل هذا شعر العرب والمسلمون الأمريكيون الذين قابلتهم الصحيفة بحس من العزلة والبعد عما رأوا فيه ملجأ لهم من العدوانية التي أبرزها الحزب الجمهوري وزعيمهم الفعلي دونالد ترامب ضدهم.
وقالت الناشطة ومديرة المعهد العربي الأمريكي، مايا بيري، "لا يمكنك التعامل مع هذا مثل حسابات سياسية، وأن هذه المجتمعات لن تتذكر بحلول 2024، وأنا أتحدث عن مجتمعات بصيغة الجمع، عرب أمريكيون، فلسطينيون أمريكيون وناخبون شباب. وأنا أتحدث عن أفراد قضوا حياتهم في العمل من أجل السلام بالمنطقة" و"هؤلاء لا يمكنهم النسيان".
وبدأ تحرك الإدارة للتحكم بالضرر يوم الإثنين، عندما جلست مجموعة من رموز العرب والمسلمين الأمريكيين في وزارة الخارجية مع أنطوني بلينكن، وكان اللقاء متوترا ولكنه ودي، وقرر المشاركون التركيز على الإطار القانوني ودعم أمريكا لما تراه الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، العقاب الجماعي لأكثر من مليوني شخص في غزة نصفهم أطفال. وقال أحد المشاركين "هل نتبع القواعد الدولية أم لا؟ أم أننا نتخلى عن هذا؟ وما هي السياسات التي قامت عليها القرارات؟" وكان الجواب "كل شيء حدث سريعا وهم يحاولون منع انتشاره من التحول لنزاع قاتل".
ولم يحصل أي تقدم، لكن اللقاء ساعد في فهم موقف الإدارة وإصرارها على عدم الدعوة لوقف إطلاق النار خشية الوضع الراهن واستمرار حماس في حكم غزة. ووافق الأمريكيون العرب والمسلمون على هذه النقطة. وقال المشارك "لا أحد منا يريد العودة للوضع الراهن باستثناء اللاعبين السيئين الذين يستفيدون منه" و"قلنا إن حماس ليس الشرير الوحيد الذي يستفيد منه وتركنا الأمر عند ذلك".
لكن الحديث كان عاطفيا في لقاء منفصل مساء ذلك اليوم، حيث حاول مسؤولو البيت الأبيض البارزون التأكيد للمعينين العرب والمسلمين في البيت الأبيض تطمينهم. وتم تقديم المناسبة على أنها مناسبة استماع مع مسؤولي الإدارة البارزين، وكان صريحا من الذين حضروا اللقاء عن مواقفهم حسب ثلاثة أشخاص على معرفة مباشرة باللقاء. وحضر اللقاء عدد كبير، قدرهم البعض بـ 70 شخصا من كل دوائر الحكومة، الخارجية والمخابرات ووزارة الأمن الوطني وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.
وتحدث المشاركون، بعضهم والدمع في عيونهم حول أفراد عائلاتهم بالشرق الأوسط المعرضة للخطر، وشعورهم بالعزلة وسط الشكوك من وظائفهم مع الحكومة وشعورهم بالتواطؤ في دعم الإدارة لحصار غزة. وقال شخص "يشعرون بأنهم مراقبون وأنهم يقابلون بالتشكك ولا يوثق بهم" في وظائفهم، وفي نقطة سأل المسؤولون الحاضرين إن كانوا يعرفون أحدا في غزة وعليهم رفع أيديهم، وقد رفع معظمهم أيديهم.
ثم جاء بعد ذلك السؤال غير المريح: كم من الحاضرين الذين تعرضوا لضغوط من العائلة والأصدقاء لتقديم استقالاتهم من الإدارة؟ ومرة أخرى، رفع معظمهم أيديهم. وحضر اللقاء رئيس طاقم البيت الأبيض، جيف زينتس والمستشارة البارزة أنيتا دان ومنسق البيت الأبيض مع المجتمعات المسلمة مازن بصراوي، وممثلون عن وزارة الخارجية والوكالات الأخرى. وتوقف دوغ إموف، زوج نائبة الرئيس، كاميلا هاريس عند اللقاء. وكان ملخص اللقاء "استمعنا لكم ونحن معكم، إنه أمر صعب ووقت فيه تحد".
وقال العاملون العرب والمسلمون في البيت الأبيض إن تواصل الإدارة مع النقاد داخل وخارج الحكومة هي استعداد من الحكومة للإستماع للحوار الصعب وأن صوتهم سمع. ولم يتوقع الذين حضروا تغيرا في السياسة، لكنهم يعتقدون أن تعليقاتهم ستنقل للرئيس بايدن لكي يأخذها بعين الإعتبار في تعليقاته عن الفلسطينيين. وبعد يومين علق الرئيس عن عدم ثقته بالأرقام الفلسطينية في وقت كانت القنوات العربية تعرض صور الجثث المسجاة والأطفال المعفرين بالتراب والذين تم سحبهم من تحت الركام بعد الغارات الجوية الإسرائيلية.
وقال شخص شارك في اللقاء "أي شيء قلناه سقط على آذان صماء، فلم يتغير لا الطريق ولا النبرة علاوة على صناعة السياسة".
وبعد تعليقات بايدن عن الأرقام، بدأ بعض العاملين في الإدارة التفكير بالإستقالة، ولكن كما قال نفس الشخص "هذه دورة أخبار واحدة، ثم ماذا بعد؟"، وقال الشخص إنه قضى سنوات مع غيره في توسيع التمثيل العربي والمسلم في الحزب الديمقراطي والوقت "ليس التخلي عن المنجزات". و"هناك حس بالواجب والقدرة على إيصال الصوت والقول إن العدالة تتكشف أمامنا والحاجة للتغير".
لكن اللقاء الأكثر إثارة للجدل، كان يوم الخميس وحضره كيث إيلسون، أول نائب مسلم في الكونغرس، والمدعي العام حاليا في مينسوتا وإمام محمد ماجد من واشنطن ووائل الزيات، مدير إيمغيج، والناشطة الصحية، سوزان بركات والناشط الفلسطيني الأمريكي في شيكاغو، رامي نشاشيبي. وقال ناشطون إن "الشخصيات معروفة ومحترمة وتعمل لصالح العرب والمسلمين إلا أن الأزمة الإنسانية في غزة تحتاج لأصوات الفلسطينيين بمن فيهم المسيحيون".
وقال شخص آخر، "لست غاضبا عمن ذهب ولكنني غاضب عمن لم يذهب". وقال إن المسؤولين سيخرجون ويقولون إن بايدن التقى مع العرب الأمريكيين وهذا ليس صحيحا. فيما أكد أحد المدعوين الذين حضروا اللقاء، أن قرار الحضور كان من أصعب الورطات في حياتهم. وكان أهم قلق هو أن فلسطينيا أمريكيا واحدا دعي للمقابلة. وتمت سحب دعوة فلسطيني خسر عدة من أفراد عائلته في غزة بعد انتقاده الرد الأمريكي، مع أنه دعي في البداية.
وبعد مناقشة طويلة وبحث قرر المدعوون الحضور بداعي "الواجب". وقال مدعو "هذه هي وظيفتنا في ظل موقعنا، للذهاب وقول الحقيقة للسلطة ولا أقوى رجل في السلطة نيابة عن الأطفال تحت الركام الذين لا يستطيعون". وقالت الجماعة إنها كانت مصممة على الذهاب والضغط على بايدن لوقف إطلاق النار والحاجة لتواصل ذي معنى مع الفلسطينيين. وقال الشخص إنهم كانوا واضحين بشكل لا لبس فيه بشأن أرقام الضحايا في غزة، ولكن الرئيس كان منشغلا بالبيانات أكثر من الحقائق و"قلنا إن الفلسطينيين يموتون ولسنا موافقين على التشكيك بأرقام الموتى".
وفي رد من كيث إليسون عبر البريد الإلكتروني قال فيه "أخبر قادة المجتمع المسلم الرئيس بايدن إن الأبرياء الغزيين يحاولون النجاة في ظروف صعبة وزاد هذا من هجمات الكراهية في الولايات المتحدة. واستمع الرئيس بعناية ورد بصدق وأظهر تعاطفا وحنانا منع المعاناة في كل مكان. وآمل أن يتحرك بتعاطف". ويشعر المسلمون والعرب الأمريكيون بالغضب للتشكيك بالأرقام الفلسطينية والدوس على القوانين الدولية ورد البيت الأبيض على الأزمة.
وتقول الأستاذة بجامعة شيكاغو، إيمان عبد الهادي، "من الجنون أن يدمر الحزب الديمقراطي 20 عاما من حسن النية مع المسلمين والعرب في أسبوعين، ويخسر جيلا نشأ في تحالف تقدمي وربما للأبد". وفي مقابلة قالت عبد الهادي إن المجتمع لم يفاجأ بدعم بايدن لإسرائيل لكن "المستوى والصك المفتوح" مخيف، وبخاصة في ظل ارتفاع عدد الضحايا.
إلى ذلك، يتحدث الشباب عن عدم المشاركة في الإنتخابات، وفي مناسبة عقدت بحرم الجامعة وحضرها حشد، قالت عبد الهادي "أعتقد أن بايدن خسر الصوت المسلم"، وصفق كل الحاضرين في الغرفة و"نشأ هذا الجيل في وقت كان فيه المسلمون والعرب على تواصل دائم مع الديمقراطيين، وشعروا أنهم جزء من التحالف الديمقراطي، وأصبح الآن كله وهما".