قال الباحث الأمريكي سايمون
هندرسون إن علاقة
قطر الوثيقة مع "
حماس" مفيدة للمساعدة في تأمين إطلاق سراح
الرهائن في
غزة، لكن هذه
العلاقات نفسها قد تؤدي في النهاية إلى الإضرار بعلاقاتها
السياسية والعسكرية مع الولايات المتحدة.
وأشار هندرسون في مقال نشره
موقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى؛ إلى أن "الإدارات الأمريكية شجّعت
أحياناً وأشادت بعلاقات قطر بـحماس وطالبان لأسباب سياسية مختلفة. ويتناسى النقاد
عادة أيضاً التاريخ الحديث للعلاقات القطرية الوثيقة مع إسرائيل، وهي علاقات أقل
علنية هذه الأيام ولكن من المؤكد أنها لا تزال قائمة".
ولفت إلى أن المسؤولين
الأمريكيين والإسرائيليين حاولوا "مراراً وتكراراً، دون جدوى، إيجاد وسيط
بديل ليحل محل الدوحة في التعامل مع قطاع غزة، وقد تدفعهم الأزمة الحالية إلى
المحاولة مجدداً"، رغم الشكر العلني من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن
لقطر لدورها في إطلاق سراح محتجزتين أمريكيتين في غزة.
وأوضح هندرسون، وهو زميل بيكر
في معهد واشنطن ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في المعهد، أن "أول دليل
علني على علاقات الدوحة بإسرائيل (ظهر) بعد اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين عام
1995، حيث حضر وزير الإعلام القطري حمد بن عبد العزيز الكواري جنازته في القدس
مرتدياً الزي العربي الكامل. وقام خلف رابين، شمعون بيريز، بزيارة الدوحة في عام
1996، وتم إنشاء مكتب تجاري إسرائيلي -سفارة بحكم الأمر الواقع من الناحية العملية-
في الدوحة بعد فترة وجيزة. وعلى الرغم من التوترات في المنطقة، ظل هذا المكتب
مفتوحاً حتى عام 2008، عندما نفذت إسرائيل عملية "الرصاص المصبوب" في
غزة. ولم تؤت خطط إنشاء مكتب قطري مماثل بالقرب من تل أبيب ثمارها. واليوم، لا
يزال الإسرائيليون قادرين على زيارة قطر باستخدام جوازات سفرهم الأصلية، ولدى
وزارة الخارجية الإسرائيلية موظف مسؤول للشؤون القطرية".
ويضيف: "قوبلت هذه
العلاقات بمساعدات قطرية للفلسطينيين. وقد فضلت الدوحة غزة على الضفة الغربية في
هذا الصدد، وزودت القطاع بالتمويل الضروري لاحتياجات الطاقة، والرواتب العامة،
والمباني السكنية الجديدة، والمدارس. وكان المبعوث القطري الرئيسي الذي ينظم هذه
المشاريع هو رجل الأعمال الكبير في مجال البناء محمد العمادي. وفي مقابلة أجراها
معه كاتب هذه السطور في عام 2018، نفى أن تكون أموال الحكومة القطرية قد ذهبت إلى حماس".
وفيما يتعلق بإيران، أصبح
موقف الدوحة معقداً بسبب الجغرافيا والهيدروكربونات. فقطر هي شبه جزيرة منفردة في
الخليج العربي وتضم عددا قليلا من السكان (القطريين) يبلغ حوالي 300 ألف نسمة،
لكنها تنعم باحتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي، وهي ثالث أكبر احتياطيات في العالم
بعد روسيا وإيران. لكن "حقل غاز الشمال" البحري الضخم التابع لها يجاور حقل
بارس الجنوبي الإيراني الأقل تطوراً، مما يفرض حالة من التشارك القسري تحتم على
الدوحة بشكل أساسي الحفاظ على علاقات جيدة مع طهران".
وقال هندرسون إنه "على
مر السنين، لعبت الدوحة ورقتها كدولة "غنية بالموارد ولكن سريعة التأثر"
بمهارة، ولو بشكل مثير للجدل. ففي أواخر تسعينيات القرن الماضي، بنت قاعدة العُديد
الجوية العملاقة، على الرغم من أن هذه المنشآت تجاوزت بكثير احتياجاتها العسكرية
في ذلك الوقت. وعندما منع السعوديون الولايات المتحدة من استخدام قاعدة الأمير
سلطان الجوية لتنفيذ عمليات ضد تنظيم "القاعدة" في أفغانستان في عام
2003، أتاحت قطر قاعدة العُديد. ومنذ ذلك الحين، استخدمتها القوات الجوية
الأمريكية والوحدات المتحالفة معها كقاعدتها الرئيسية في الخليج، حتى أنها أنشأت
فيها مركز عمليات أساسيا يتحكم بجميع الأنشطة الجوية الأمريكية في المنطقة الممتدة
من العراق إلى أفغانستان".
و"تبدو العودة إلى قاعدة
سعودية بديلة غير مجدية نظراً للتجربة التاريخية المشحونة للقوات الأمريكية في
المملكة. وفي الوقت نفسه، أضرت الإمارات بسمعتها لدى واشنطن من خلال سماحها للصين
سراً ببناء قاعدة استخباراتية على أراضيها. وتستضيف البحرين أساساً الأسطول الخامس
الأمريكي، وقد يكون الطلب من هذه الدولة التي يحكمها السنة بأن تعمل المزيد أمراً
إشكالياً نظراً للتعاطف الواسع النطاق مع إيران في صفوف الأغلبية الشيعية من
سكانها".
ويشير الكاتب إلى أنه "غالباً
ما أثارت رعاية الدوحة لشبكة الجزيرة الإعلامية غضب واشنطن أيضاً. فقناتها العربية
على وجه الخصوص مؤيدة بشدة للإسلاميين ومعادية للولايات المتحدة، وهي مشاعر كان
لها عواقب عملية مميتة على القوات الأمريكية على الأرض"، وفق قوله.
وقد "أعربت واشنطن عن
امتنانها للدور الرئيسي الذي لعبته قطر في مساعدة اللاجئين على مغادرة أفغانستان
عند استلام حركة طالبان زمام السلطة في عام 2021، وتعمل الآن مجموعة أساسية من
الدبلوماسيين الأمريكيين الذين يركزون على الشؤون الأفغانية انطلاقاً من السفارة
الأمريكية في الدوحة. ولكن بعد أن أعادت الحرب ضد حماس حالياً المخاوف القديمة إلى
الواجهة مجدداً، فقد تسعى الولايات المتحدة إلى الضغط على قطر من خلال التهديد
بسحب أصولها العسكرية من البلاد أو تقليص وجودها العسكري والدبلوماسي فيها فعلياً"،
وفق تقديره.
ويخلص هندرسون إلى أنه "لدى
الولايات المتحدة وإسرائيل أولويات متشابهة ولكن غير متطابقة بالضرورة في أزمة
غزة. فكلاهما يريد تحرير المزيد من الرهائن، لكن واشنطن حريصة على منع اتساع رقعة
النزاع إلى لبنان وإيران، في حين تركز إسرائيل بصورة أكثر على إعادة بناء الردع ضد
حماس بعد هجومها المفاجئ الصادم. ويبدو أن العثور على بديل للقناة الدبلوماسية
القطرية المستعد للعمل مع حماس غير محتمل".
ومع ذلك، فإنه "يمكن
لواشنطن بالتأكيد أن تجعل الدوحة أكثر وعياً بمدى اشمئزاز البيت الأبيض ومعظم
الأمريكيين من الهجمات الإرهابية المروعة التي تشنها الحركة ضد المدنيين
الإسرائيليين. فالدوحة تعتبر الولايات المتحدة أهم حليف لها، وكان تجاهلها السابق
لمخاوف الولايات المتحدة أكثر وضوحاً في عهد الأمير السابق حمد بن خليفة آل ثاني.
أما اليوم فيقود البلاد ابنه تميم، الذي بنى سمعة قطر كجهة فاعلة عالمية في قطاع
الطاقة وعالم الرياضة ومجالات أخرى. ويواجه الأمير تميم حالياً أصعب اختبار له،
وهو فصل الدوحة عن حماس، وإلا فإنه سيواجه احتمال تخفيض كبير في مستوى العلاقات
الثنائية الأكثر أهمية لبلاده مع الولايات المتحدة"، بحسب هندرسون.