الكتاب: إشكالية الخلط بين الإرهاب الدولي
والمقاومة المسلحة (حالة المقاومة الفلسطينية)
الكاتب: د. أمحمدي بوزينة آمنة
الناشر: مجلة جامعة الإسراء للعلوم
الإنسانية: العدد الأول يوليو 2016
عدد الصفحات 60 صفحة.
ـ 1 ـ
بين الإرهاب والمقاومة المسلحة اختلاف
جوهري. ومع ذلك كثيرا ما يحصل لبس في الأذهان بين الظاهرتين. ولا تجد الباحثة
أمحمدي بوزينة آمنة في دراستها "إشكالية الخلط بين الإرهاب الدولي والمقاومة
المسلحة (حالة المقاومة الفلسطينية)" ذلك اعتباطيا. فقد سعت بعض الدّول
لإحداث فجوة قانونية منتجة لمثل هذا الخلط. وجعلت منها أداة سياسية وإعلامية لتشويه شرعية نضال الشعوب
والمس بسمعة الحركات التحررية التي تلجأ إلى خيار المقاومة المسلحة في سبيل تحقيق
تطلعاتها إلى الحرية والاستقلال. فتصدّت لكل مشروع جادّ يحاول أن يقدّم تعريفا للإرهاب
فيه من الدّقة والشمول ما يجعله قاعدة تعتمد في تصنيف أنواع العنف بما يتوافق مع
القانون الدّولي.
وأيقنت أنّ اللبس في أذهان الرأي العام
العالمي، يؤثر بشكل سلبي على شرعية المقاومة الفلسطينية ويؤدي إلى إضعاف برامجها
العملية الخاصة بإستراتيجية مقاومة الاحتلال، وفي الآن نفسه يحدّ من قدرة فصائل
المقاومة الفلسطينية على توحيد آليات عملها.
أما على المستوى الدّولي فيكون آلية طيّعة للطعن في المقاومة المشروعة
وتصويرها على أنها إرهاب. ثم يكون ذلك سبيلا للحد من تأييدها على مستوى الرأي
العام العالمي والمبرّر "القانوني والأخلاقي" لمحاولة تصفيتها عسكريا.
ففي كل عدوان للآلة الحربية الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، نلمس بجلاء ضغط
الولايات المتحدة الأمريكية على حركات المقاومة المسلحة بناء على هذا اللبس.
وسريعا ما تتجاوب معها مختلف الدول الأوروبية التي تسير في ركابها. وإيمانا من
الباحثة بجدوى التمييز بين مصطلح المقاومة المسلحة وبين الإرهاب على المستويين
النظري أو العملي، تجعل من أهدافها الوقوف على معيار يفصل بين الظّاهرتين في هذه
الدراسة.
ـ 2 ـ
تستهدف الدّراسة تحديد الفوارق الأساسية بين
مفهومي الإرهاب والمقاومة المسلحة بدقّة إذن. وعليه تعود الباحثة إلى محاولات
"التعريف الفقهي للإرهاب " لتبحث في مدى انسجامها مع القانون الدولي.
وتفيد من رأي الفقيه جون براون (John
Brown) القائل إننا إذا ما أردنا تعريف الإرهاب تعريفا مقبولا،
فعلينا ألاّ ندخل في معناه الاعتبارات السياسية.
ولكن بين هذا الطموح وما يتحقّق عمليّا بون
كبير. فاستقراؤها لمحاولات تعريفه ينتهي بها إلى نتائج محبطة. فقد وعرف جيفانوفيتش (Gevanovitch) مثلا، بأنه
"أعمال من طبيعتها أن تثير لدى شخص ما الإحساس بالتهديد؛ مما ينتج عنه
الإحساس بالخوف من الخطر بأية صورة".
اللبس في أذهان الرأي العام العالمي، يؤثر بشكل سلبي على شرعية المقاومة الفلسطينية ويؤدي إلى إضعاف برامجها العملية الخاصة بإستراتيجية مقاومة الاحتلال، وفي الآن نفسه يحدّ من قدرة فصائل المقاومة الفلسطينية على توحيد آليات عملها.
ورأى الأستاذ شميد (Schmid) من خلال كتابه الإرهاب السياسي الصادر عام
1983 أن الإرهاب ينشأ من "أساليب الصراع الذي تُدفع فيه الضحايا جزافا كهدف
عنف فعال، وتشترك هذه الضحايا الفعالة مع جماعة أو طبقة في خصائصها مما يشكل أساسا
لانتقائها من أجل التضحية بها من خلال الاستخدام السياسي للعنف أو التهديد الجدي
به ويجعل أعضاء تلك الجماعة أو الطائفة الآخرين يوضعون في حالة من الخوف
المزمن".
وفي مختلف الحالات التي درستها اكتفى
الباحثون بنقل التعريفات السارية والجمع بينها جمعا لا يلامس جوهر الظاهرة بقدر ما
يفتح على خلطها بأنواع أخرى من العنف المشروع على مستوى القانون الدولي. ولعلّ
التعريف الأكثر جدية هو ما قدّمه الباحث اللساني والمفكر والأكاديمي الأمريكي نعوم
تشومسكي. فقد عرّف الإرهاب بأنه "محاولة الإخضاع القسري للسكان المدنيين
وإجبار حكومة ما عن طريق الاغتيال أو الخطف أو أعمال العنف لتحقيق أهداف
سياسية".
ويضيف ناقدا التعاطي الأمريكي مع الظاهرة
"أننا نلاحظ أن ما يرتكبه الطرف الآخر يعتبر الإرهاب بعينه في نظر الولايات
المتحدة الأمريكية، أما ما ترتكية الولايات المتحدة الأمريكية من فضائع ومجازر
وتجويع للأطفال به هو عمل مشروع، لأنه يحقق لها مصالحها القومية والإستراتيجية".
ـ 3 ـ
ولتصوغ التعريف الذي تراه متوازنا تستأنس
أمحمدي بوزينة آمنة ببعض التعريفات المضمنة في الاتفاقيات الدولية والإقليمية. فقد
ورد في المادة الأولى من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لعام 1998 أنه
"كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أعراضه يقع تنفيذا
المشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم أو
تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق
والأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد
الوطنية للخطر".
وجاء في البند الثالث من هذه المادة أنه
"أيُّ جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذا لغرض إرهابي في أي من الدول أو على
رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها ويعاقب عليها قانونها الداخلي". فتوسع
دائرته إلى عمليات خطف الطائرات أو القرصنة البحرية، والأعمال غير المشروعة
الموجهة ضد سلامة الطيران المدني والجرائم المرتكبة ضدّ الأشخاص المشمولين
بالحماية الدولية بمن فيهم الممثلون الدبلوماسيون.
تخلص أمحمدي بوزينة آمنة من خلال عمليات
الاستقراء هذه إلى أنّ "الإرهاب الدولي، قد تم تناوله في اتجاهات متنوعة؛ مما
نتج عنه مجموعة من التعريفات المتباينة" وتقدّر " أن السبب الرئيسي في
عدم الاتفاق على تعريف موحد للإرهاب الدولي يرجع إلى أن دوافع المصلحة الخاصة بكل
دولة أو تجمع هي العائق الأساسي أمام التوصل إلى تعريف محدد ومتفق عليه
للإرهاب".
فتجد وراء كل صياغة ما اعتبارات سياسية ذات
علاقة بمصالح الدول التي تعمل على صياغتها. وبناء على ذلك تحاول أنّ تقدّم ما تراه
تعريفا أكثر شمولية وتوافقا مع القوانين الدولية وهو: "كل استخدام للعنف أو
التهديد به في إطار غير مشروع بواسطة أفراد أو جماعات أو دول ضد أشخاص أو هيئات أو
مؤسسات أو ممتلكات عامة أو خاصة، بهدف التأثير على سلطة أو أشخاص معينين من خلال
نشر حالة من الرعب والفزع أو ما شابه ذلك من أجل تحقيق أهداف معينة ليس لها أساس
من المشروعية".
ـ 4 ـ
تحاول الباحثة أن تعتمد الاستقراء نفسه
للوصول إلى مفهوم "المقاومة المسلحة". فتستعرض جملة من التعريفات، منها
وثيقة مفهوم الإرهاب والمقاومة الصادرة عن مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن في
يوليو 2003. وينتهي بها الاستقراء إلى أنّ
المقاومة المسلحة تعبير يشار به إلى
العمليات ذات الطابع العسكري ينفّذ ضد السلطات القائمة بالاحتلال أو قواتها فوق
الأراضي المحتلة أو ضد الأهداف العسكرية وما في حكمها فوق إقليم الدولة المحتلة أو
خارجها.
ويرمي استخدام القوة المسلحة في مثل هذا
الحال إلى الدفاع عن الوطن بغاية تحرير الأراضي وطرد المحتل منها. وللمقاومة
المسلحة أن تكون في شكل تنظيم يخضع لإشراف سلطة قانونية أو واقعية. ولها أن تعمل
بناء على مبادرتها الخاصة سواء باشرت هذا النشاط فوق الإقليم الوطني المحتل ذاته
أو من قواعد خارج هذا الإقليم. وتحدّدها بكونها "استخدام مشروع لكل الوسائل
بما فيها القوة المسلحة لدرء العدوان وإزالة الاحتلال والاستعمار وتحقيق
الاستقلال، ورفع الظلم المسنود بالقوة المسلحة بوصفها أهدافا سياسية مشروعة، وهو
ما يتفق مع القانون الدولي وتؤيده الشريعة الإسلامية".
وللمقاومة المسلحة مقومات ضرورية منها أن
تكون ذات امتداد شعبي سواء قامت بها مجموعة عسكرية تنتفض ضد قوات الاحتلال أو كانت
مشاركة شعبية غير نظامية تدافع عن الوطن ووجوده وأمنه. ومنها أن تتّبع حركات
المقاومة في قتال العدو، الأسلوب المسلح وفقا لما قررته قواعد القانون الدولي
الإنساني. فتستهدف آلته العسكرية بكل الوسائل المتاحة بما في ذلك التخريب أو
اعتماد أسلوب حرب العصابات.
ـ 5 ـ
إذن ما الحدّ الفاصل بين الإرهاب والمقاومة
المسلحة؟ فبينهما تشابه على مستوى ممارسة العنف ضمن الهجمات العسكرية والأمنية
المنظّمة وعلى مستوى الأساليب والآليات.
رغم نقاط التقاطع تلك فالاختلاف من حيث
المبادئ والمفاهيم بين ظاهرتي الإرهاب والكفاح المسلح بيّن، لا يُحجب إلاّ على
متواطئ أو صاحب غايات مريبة.. فالمقاومة المسلحة تتحرك وفق دافع وطني وتستند إلى
مبادئ الحق والعدل وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها الذي يكفله ميثاق
الأمم المتّحدة. أما الإرهاب، فيريد من العنف جانبه النفعي، فيرمي إلى تحقيق مكاسب
غير مشروعة أو التأثير على جهات النفوذ والمال فلا يخلو من ابتزاز على نحو مّا.
وتجري وقائعه خارج القانون. ويكون ذا طابع رمزي استعراضي، فيطرح السؤال مع كلّ
عملية إرهابية من تراه يكون الضحية الموالي.
للمقاومة المسلحة أن تكون في شكل تنظيم يخضع لإشراف سلطة قانونية أو واقعية. ولها أن تعمل بناء على مبادرتها الخاصة سواء باشرت هذا النشاط فوق الإقليم الوطني المحتل ذاته أو من قواعد خارج هذا الإقليم.
والعنف الإرهابي هو ممارسة مبرمجة وفق
إستراتيجية هجومية تكلّف الطرف المستهدف عواقب عسكرية أو اقتصادية أو سياسية مؤلمة
تجعله يرضخ إلى ذلك الابتزاز، وبدون عناصر الترهيب وإثارة الفزع اللذين يستهدفان
التحكم في سيكولوجيا الطرف المقابل يتحول الإرهاب إلى عمليات قتل إجرامية عادية،
كما يحدث في مدارس الولايات المتحدة بين الحين والآخر. أما عنف حركات المقاومة
المسلحة فيبقى عنفا جماهيريا تمارسه جماعات أو أفراد من شعب يعمل على إرغام العدو
على الاعتراف بحقوقه المشروعة الذي تكفله المواثيق الدولية ويمارس ضمن ضوابطها.
ويرتبط بحقها في تقرير المصير والاستقلال، فيحظى بقبول المجتمع الدولي (عبر
قوانينه لا عبر نزوات مسؤوليه وحساباتهم الانتخابية). ومن ثمّ لا يعتبر عدوانا على
أحد، وإنما هو دفاع عن الأرض والمجتمع والقيم.
ـ 6 ـ
تنتهي الباحثة إلى أنّ الجهات المتنفّذة
دوليا تعمل باستمرار على إضعاف المنظمات العالمية والإقليمية والحدّ من دورها الرقابي "المفترض". وتعرقل كلّ سعي إلى تحديد مفهوم الإرهاب
التحديد الدّقيق المستند إلى القوانين والمواثيق الدولية لأنها تريد تعريفا مرنا يتغيّر شكله بتغيّر الوقائع، فيكفل
لها دائما مصالحها ومصالح حلفائها. ولذلك ينصب تركيز هذه الجهات على نتائج العنف
دون البحث في أسبابه. فهنا ستتقاطع الظاهرتان ويحصل اللبس. فيُزجّ بحركات التحرّر
في خندق واحد مع المنظّمات الإرهابية. ويتسنّى لها عندئذ ممارسة ازدواجيتها في
التعامل والتصنيف. فتعدّ هجمات إسرائيل على الشعب الفلسطيني المرابط بأرضه ضمن
عملها "المشروع في الدفاع عن النّفس"، فيما يصنّف دفاع الفلسطينيين عن
أرضهم ضمن الأعمال الإرهابية.
ولذلك ترى الباحثة ضرورة التحديد الدقيق
والتعريف القانوني المطلوب لكل من الإرهاب الدولي والمقاومة المسلحة. وتعتقد أنه
يتعين على الجميع محاولة إيجاد الحلول الكفيلة بوضع حد للخلط ومحاولة وضع معايير
واضحة. "خاصة مع إصرار الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي على الخلط
المتعمد بين هاتين الظاهرتين، واتخاذ ذلك أدلة سياسية وإعلامية لتشويه الحقائق
وتزيف الوقائع".
ـ 7 ـ
ربّما تساءلنا مَن هذا الذي سيوجد الحلول
الكفيلة لوضع حدّ للخلط بين ظاهرتي الإرهاب والكفاح المسلّح وصوت القوى الغربية
المتواطئة ضد الفلسطينيين أعلى من كلّ الأصوات؟ نعتقد أن عملية "طوفان
الأقصى" وما رافقها من المواقف الغربية المنحازة كليّا لصالح إسرائيل تبرهن
أن حلّ القضية الفلسطينية يمرّ عبر امتلاك أسباب القوة العسكرية والاقتصادية
المؤثرة في عالم لا تُحرّك ضمائره غير المصالح الآنية. أما "مناشدة الضمائر
الحية" و التعويل على تطبيق القوى العظمى للقانون الدولي الذي تدوسه، بنور
يقذف فجأة في ضمائرها فتفريط في القضية تحت عناوين "نبيلة".