1- "نظام التفاهة" وأنظمة العمالة
كنا ظننا أن "نظام التفاهة" قد أخذ منا شبابنا وسحبهم إلى منطقة
الفراغ والتيه واللا معنى.. لقد استشْرتْ فعلا مظاهر العبث والتفاهة حتى صارت
أسلوبا عاما في السلوك والتعبير، وصارت القنوات التلفزية تشتغل على صناعة
"رموز" تُعلي من شأنهم وتقدمهم كنماذج للنجاح والتفوق وكمكافحين لصناعة
مجد شخصي في عالم الشهرة والمال والرفاه الكاذب.
نظام "التفاهة" لم يُنتجه بسطاء إنما ابتدعه ماكِرون دهاة استعانوا
بعلم النفس الاجتماعي وبمهارات عالية في التسويق والإشهار والتواصل. كانت الخطة
مدروسة والأهداف محددة، كانوا يريدون إفراغ
الشباب من المعنى وتجريده من القيم
وإطفاء الإرادة فيه حتى يتحول كتلة آدمية لا تفكر ولا تطرح الأسئلة، ولا تتمرد على
واقع سيئ من أجل واقع جميل ومن أجل مستقبل يليق بفلسفة الحياة.
لقد نجح هؤلاء الماكرون إلى حد كبير ودمروا منظومة القيم وأشاعوا الرداءة
وصنعوا شبابا واهمين أو يائسين، وصار حلم شبابنا هو ترك وطنهم والذهاب إلى أي دولة
أوروبية يرى فيها جنة دنيوية ينعمون فيها باللذة والراحة، بعيدا عن بيئة النشأة ويرونها
متخلفة وتقليدية ومنتجة للبؤس والكآبة والحرمان.
حين تتمكن النوازع الغرائزية من الفرد تجعله أنانيا وتسلبه الشوق وتفرغه من
العواطف الإنسانية وتجعله لا يرى هدفا أسمى من تحقيق الإشباع الغرائزي، فلا معنى
لوطنية أو تضامن اجتماعي أو صلة رحم أو تضحية من أجل هدف أسمى من الشهوة ومن اللذة
الحسية.
"نظام
التفاهة" لا يعتمد فقط على "فلسفة التتفيه"، وإنما يعتمد أيضا على منتجي
دعم الأنظمة السياسية المتخلفة التي تلاحق أصحاب الفكر ومنتجي المعاني والدعاةَ إلى
الثورة والمطالبين بالحريات العامة والخاصة.
لقد ظلت الأنظمة السياسية المتخلفة حارسة لمصالح الرأسمال العالمي المتوحش
وظلت خادمة لقوى استعمارية لم تدخل بعد زمن الحداثة ولم تستفد من كل فلسفات الحياة
وجهود الأنسنة، تلك الأنظمة هي التي قتلت حلم شبابنا وأصابتهم باليأس وأغرقتهم في
التفاهة.
2-
طوفان الأقصى والصدمة المُحْيِية
للمعركة نتائجها العسكرية سيصنعها أهل الميدان، ولها نتائجها الثقافية
والأخلاقية والحضارية، وعلى أهل الفكر والقلم كشفها وتدوينها للتاريخ وللأجيال.
"طوفان الأقصى" حدث حضاري أعاد للعالم وعيه وهشّم "نظام التفاهة". الخبراء العسكريون هم من سيتكلمون بالتفصيل في عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر
2023، في جوانبها العسكرية ودقتها التقنية وحساسيتها المعلوماتية، وفي كل ما له
علاقة بالفعل الميداني وبالنتائج المادية المُحَققة.
ما يجب أن يشتغل عليه المثقفون هو الجانب الآخر من المعركة ومن المنجز القيمي
والروحي والأخلاقي، أي في ما له علاقة بجوهر الإنسان وبفلسفة الانبعاث وبصدمة
الوعي.
نحن الكبار (سنّا) نعيش هذه الأيام نشوة صادمة، أو صدمة ماتعة، ونحن نغرق في
طوفان شبابي ينساب كما السيل في شوارع مدننا يهتف لفلسطين وللقدس ويلهج بأسماء رجال
الملحمة الكبرى التي استفاق عليها العالم مصدوما.
لقد تأكد أن الحق والحقيقة والعدل والجمال والحب والكرامة هي لطائف فطرية
مودعة في الإنسان؛ قد تنتابها حالات الخفوت والبرود ولكنها لا تموت ولا تُستأصل
لأنها من صميم الخِلقة التي أودعها الخالق في عباده.
تلك اللطائف تحتاج أساليب متعددة لإحيائها وتنشيطها، ومن تلك الأساليب التربية
والموعظة والتذكير والمحاورة والتعليم، ومنها الصدمة التي تُحدث ارتجاجا في
البِنية النفسية والذهنية للفرد فتُنتج مشهدية جديدة مدهشة ومفاجئة تدعو إلى
التفكير، وإلى محاولة الفهم والتحليل حتى لا تكون مجرد ظاهرة آنية سريعة الاندثار.
3-
الشباب خميرة الثورة
شبابنا هم الأقرب إلى نقاوة الفطرة، لأنهم حديثو "نزول" من "رحم
الغيب" حيث تلقوا -وتلقينا جميعا- الإلهام الإلهي "ونفخت فيه من
روحي"، ومهما بلغت منهم سياسة التتفيه فإن خمائر الحياة فيهم لم تفقد حرارتها
ونقاوتها، إنهم الأسرع استجابة لنداءات المجد والبطولة وإنهم الأكثر انجذابا
لفضيلة الشجاعة ولمعاني الحق ولسحر الجمال ولقيم العطاء والإيثار.
لقد تبين أن ما كان باديا على شبابنا من اللا مبالاة ومن السُّخف ومن العبث
إنما هي حالات عابرة ولبوس ظاهر بسبب غياب قضايا حقيقية ومعارك كبرى ورموز جاذبة،
لم تكن تلك التفاهة لتحقق فيه الإشباع الوجودي ولم يكن يجد فيها ذاته، فهي أقل من
أحلامه المودعة فيه وهي أضعف من أن تحقق سعادته وتوازنه وشعوره بكونه إنسانا
حقيقيا.
لقد هشمت معركة "طوفان الأقصى" نظام التفاهة وجرفت "رموز"
الزيف و"قامات" من صلصال و"أعمدة" من دخان.
لقد أنجزت "طوفان الأقصى" تحولا في عالم المعنى وقد كسر قيود العجز
ونزع غشاوة الوهم، وحرر عزائمنا وأطلق أشواقنا وأشعرنا بأن الهزيمة ليست قدرا
عربيا إسلاميا.
twitter.com/bahriarfaoui1