"دكتور بضلني عايش؟" هي جملة بطعم الرجفة والألم والرعب، قالها طفل
فلسطيني، أخرج من تحت الركام؛ جالت جُل مواقع التواصل الاجتماعي، في مختلف ربوع العالم، تعبيرا عن الأزمة الإنسانية التي تعيش على إيقاعها
غزة، التي باتت توصف في تقارير دولية بكونها "أكبر سجن في العالم".
سؤال الطفل الصغير للطبيب، أشعل حدّة النقاش بين الشباب العرب، المشيرين في منشوراتهم إلى أن "أكبر أحلام الأطفال في غزة أن يظلوا على قيد الحياة، وليس اللعب كباقي أطفال العالم".
يشار إلى أنه، بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون الحرب، يجب ألاّ يكون الأطفال هدفا للهجمات بأي حال من الأحوال في النزاعات والحروب، غير أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تضرب بعرض الحائط كافة القوانين والاتفاقيات الدولية، وتستمر في اقتراف جرائم الحرب، بالصوت والصورة، أمام مرأى العالم.
أطفال غزة.. مشاهد تهز الخاطر
رصدت "عربي21" عددا لا متناه من مشاهد الأطفال، التي تُزلزل الخاطر، وتجعل دقات القلب في سباق مع الزمن، حيث إن أطفال غزة، بين شهيد أو مصاب، وعلى مدار أسبوعين، من يصل منهم إلى المستشفى يصل وهو في وضع مروع، يرتعشون من الرعب الذي لحق بهم، أو الدماء تغطي ملامحهم وأجسادهم الصغيرة.
تداول عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، من مختلف ربوع العالم، مشاهد مؤلمة لحال الطفولة في غزة، بينها صورة لعمر وميساء خضرة، اللذين استشهدا بقصف للاحتلال، وحمل والدهما أشلاءهما في أكياس، وهو يقول: "أولادي ماتوا".
وبين الكثير من مشاهد الألم، رصدت "عربي21" مشاهد لعدد من الأطفال، تنعش الأمل في الروح، وعلى الرغم من ندرتها، إلا أن متداوليها يقولون إنه من المهم نشر روح المرح على ملامح الصغار، فهي انتصار من قلب عملية "طوفان الأقصى".
يكتبون أسماءهم على أيديهم..
"نكتب أسماءنا على أيدينا وأسماء أبنائنا على أيديهم؛ للتمكن من التعرف على جثثنا لو استشهدنا إثر قصف طائرات الاحتلال"، هكذا يقول أحمد أبو السبع، وهو مستمر في كتابة اسمه وأسماء الأطفال من أبنائه وأقاربه على أيديهم، بقلب مستشفى الشفاء بغزة.
خوفا من الاستشهاد في قصف عنيف ضمن حرب مدمرة، دون التعرف عليهم، يحرص الأطفال في غزة المحاصرة على كتابة أسمائهم في أيديهم؛ هذا هو حال الأطفال النازحين من منازلهم، التي تحوّلت إلى ركام، إلى مجمع الشفاء الطبي.
واتخذ الأطفال والآباء هذه الخطوة عقب عدم التعرف على عدد ممن استشهدوا في المجزرة المروعة التي حلّت بـ"المستشفى المعمداني" بمدينة غزة، الثلاثاء الماضي، التي استشهد فيها نحو 500 فلسطيني إثر غارة إسرائيلية، بحسب حصيلة لوزارة الصحة في القطاع.
وكتب الطبيب البريطاني الفلسطيني، غسان أبو ستة، في منشور له على حسابه الشخصي في منصة "إكس" (تويتر سابقا): "لا يوجد مكان أكثر عزلة في هذا الكون من سرير طفل جريح لم يعد لديه عائلة تعتني به".
ويضيف الطبيب من قلب مستشفى الشفاء في غزة، الذي يعالج فيه المصابون الناجون من غارات جيش الاحتلال على القطاع: "كلها إصابات بالانفجار، وهناك إصابات فظيعة بالشظايا والحروق، وسقوط الحجارة، فالناس أخرجوا من تحت أنقاض بيوتهم؛ يتكرر هذا المشهد كل يوم، إذ يقال لنا: هذا الناجي الوحيد في العائلة".
للأطفال حكايات لم تُروَ بعد..
أما عن أعراض الصدمة التي بات يعاني منها الأطفال الناجون من القصف الأهوج، الذي يستمر في شنه الاحتلال في انتهاك صارخ لكافة القوانين الدولية، مع انعدام الأماكن الآمنة للاختباء إلى أن تتوقف الهجمات؛ فهي بحسب آباء وأطباء نفسيين في قطاع غزة، التشنجات والتبول اللاإرادي والخوف، والسلوك العدواني والعصبية، وعدم الرغبة في الابتعاد عن والديهم.
وقالت أم لستة أطفال يحتمون في أحد المدارس، إن أطفالها يعانون كثيرا خلال الليل، ولا يتوقفون عن البكاء، ويتبولون على أنفسهم دون قصد، مردفة بأنها ليس لديها الوقت الكافي لتنظيفهم واحدا تلو الآخر، حيث إن القصف لا يتوقف من فوق رؤوسهم. فيما قال أب آخر، إن الأطفال الصامتين بحاجة إلى تدخل نفسي فوري، لأنهم احتفظوا بالرعب والصدمة بداخلهم.
تجدر الإشارة إلى أن الأطفال في غزة يشكلون نحو نصف السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، يعيشون تحت قصف عشوائي وعنيف، شبه مستمر، مع نقص حاد في كميات الطعام أو المياه النظيفة.
واستشهد أكثر من 3785 شخصا في غزة منذ أن بدأ الاحتلال الإسرائيلي غاراته، ردا على عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، من بينهم نحو 1524 طفلا، وفقا لوزارة الصحة في غزة.