أعلن سياسيون وحقوقيون
وكتاب وإعلاميون ومعارضون
مصريون رفضهم منح رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، تفويضا شعبيا
جديدا طلبه من المصريين الأربعاء الماضي، لدعمه في قرار منع نزوح أهالي غزة الذين يتعرضون
للقصف والقتل من قبل الاحتلال الإسرائيلي، إلى شبه جزيرة
سيناء المصرية.
ويتعرض أهالي قطاع
غزة لقصف إسرائيلي دموي أودى بحياة نحو 4 آلاف فلسطيني منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي،
وسط ضغوط إسرائيلية وأمريكية لتهجير أهالي غزة إلى شمال سيناء.
السيسي، وخلال
مؤتمر صحفي الأربعاء، مع المستشار الألماني أولاف شولتس، بالقاهرة، أكد على إمكانية
حشد ملايين المصريين للتظاهر رفضا لتوجه إسرائيل بمباركة أمريكية لتهجير الفلسطينيين
من غزة إلى سيناء.
وخلال ساعات خرجت
الدعوات المطالبة بحشد المصريين بالميادين مع صيغة
تفويض تقول: "أفوض أنا المواطن
المصري/.. الرئيس عبدالفتاح السيسي في: حماية أرض مصر من المخاطر والحرب مع إسرائيل
وإنهاء مسيرة سلام استمرت عقودا. وحماية سيناء من مخطط تحويلها لمسرح حرب
وعمليات عسكرية. وحماية الفلسطينيين ببقائهم على أرضهم، فلا أرض بلا شعب.
وحماية القضية الفلسطينية من الاندثار إلى الأبد في حال تهجيرهم إلى مصر والأردن".
والخميس، حصل السيسي،
على تفويض البرلمان بغرفتيه (النواب والشيوخ)، يمنحه حق اتخاذ إجراءات لحماية الأمن
القومي، وتأمين حدود البلاد، ودعم الفلسطينيين.
وخرجت تظاهرات
حاشدة بأغلب الجامعات، وببعض ميادين القاهرة والمحافظات، الخميس، الأمر الذي تكرر بشكل
أوسع عقب صلاة الجمعة، استكمالا لمشهد تسيير تظاهرات بأوامر أمنية وبحراسة شرطية.
واحتشد فنانون
بنقابة المهن التمثيلية، وأعلنوا عن منح السيسي التفويض المطلوب، فيما تبنت أحزاب السلطة
وبينها "مستقبل وطن" و"حماة وطن"، عمليات نقل المتظاهرين وحشدهم
للميادين.
ووفق موقع
"الأهرام" الحكومي، فقد ردد المتظاهرون "شعارات تأييد وتأكيد المضي قدما
خلف القيادة السياسية وتفويضا لها بكل ما تراه لصالح القضية الفلسطينية وحماية الأمن
القومي المصري".
"تفويض بالدم"
وتثار المخاوف
من التفويض الجديد، لأن السيسي، طلب ذات التفويض من المصريين 24 تموز/ يوليو 2013،
وكانت نتيجته أعمال قتل وحرق للمصريين بميادين "رابعة العدوية والنهضة" وغيرها،
وسجن آلاف الأبرياء، وغلق المجال العام، والتفريط بممتلكات وأصول المصريين.
وكتب مؤسس الحركة
المدنية الديمقراطية في مصر يحيى حسين عبدالهادي، عبر "فيسبوك"، تحت عنوان "استَقْوِ بشعبك ولا تَنْسَ خطوطه الحمر"، مخاطبا السيسي: "لا تُقايض
أرضا بأرض، ولا تُقايض أرضا بمال ولو منحوك الذهب... ".
وأشار إلى أن
"الشكوك والهواجس لها ما يبررها، فالسوابق مزعجة، أقَّلُها أن شبح ما يُسَّمَى
صفقة القرن لا يزال يُحلِقُ فوق رؤوسنا... ".
ودعا المعارض والحقوقي
المصري أسامة رشدي، المصريين للتوقف عن "منح التفويضات على بياض لهذا المنقلب
الذي كذب، ويكذب على الجميع، ولا يعلم أحد نواياه الحقيقية التي نكتشف كوارثها بعد
فوات الأوان".
من جانبه، قال
الإعلامي حافظ الميرازي: "لا أفهم الغرض من ترويج هذا التفويض الذي تنشره صحيفة
مملوكة للأمن، لإعطاء رئيس الجمهورية صلاحيات وكأنه لا يملك كل الصلاحيات والسلطات
المطلقة مجتمعة... ".
وأكد أنها
"حركات غوغائية ينقصها التوقيع بالدم على وثيقة تأييد للزعيم القائد الملهم".
الحقوقي المصري
بهي الدين حسن، أعلن أنه "ضد تفويض السيسي"، قائلا: "لا يؤتمن على أرض
(تيران وصنافير)، ولا اقتصاد، ولا مياه النيل، ولا أرواح المصريين التي أهدرها بمذابح
ماسبيرو، ومحمد محمود، واستاد بورسعيد، ورابعة".
ويرى الحقوقي ناصر
أمين، أن "الدعوة إلى تفويض؛ استغلال رخيص لمعاناة شعب يتعرض للقتل دون حماية،
ورقص على جثث أطفال غزة، لتحقيق مصلحة داخلية".
وذهب الكاتب والروائي
إبراهيم عبدالمجيد، للقول: "كلما سمعت كلمة تفويض، سلمت أمري إلى الله في هذا
البلد".
وأكدت حركة
"الاشتراكيين الثوريين" أن "سنوات التفويض الأول لم تشهد سوى تكديس
السجون والإفقار وإغراق البلاد في الديون والتفريط في الجزر المصرية، ومشاركة العدو
الصهيوني في حصار غزة، وتهجير أهل رفح المصرية"، مضيفة أن "التفويض الثاني
لا يعني سوى المزيد مما سبق".
ويظل السؤال حاضرا
حول مخاطر منح المصريين للسيسي التفويض الثاني، والتوابع المحتملة عقب ذلك التفويض،
والقرارات والإجراءات المتوقعة والتي يتخوف منها مصريون، واحتمالات أن تتعدى توابع
تفويض 2013.
"هذا هو المؤكد"
السياسي المصري
المعارض الدكتور عمرو عادل، قال لـ"عربي21"، إنه "اختراع جديد في السياسة
والعمل السلطوي"، متسائلا: "بطلب تفويض من الشعب، أين إذا القانون والدستور
والمؤسسات؟".
رئيس المكتب السياسي
للمجلس الثوري المصري المعارض من الخارج، أكد أن "السيسي لا يحتاج لتفويض؛ فهو
مستبد لأعلى درجة ويبطش ولا يبالي، هو فقط يريد توريط الشعب فيما لا يعلمه أحد".
وأضاف: "المؤكد
أن السيسي، ومن ورائه الكثير من قيادات الجيش متصهينون حتى الثمالة؛ فهو يعمل لخدمة
المصالح الصهيونية وضد المقاومة الفلسطينية قولا واحدا، وأي إجراء يبدو غير ذلك فهو
جزء من عمل تكتيكي لا ندرك ما أهدافه النهائية".
ضابط الجيش المصري
السابق، يرى أن "محاولة توريط الشعب في أي فعل من النظام الحالي لا يعني شيئا
من الناحية العملية، فالشعب الآن بلا أي سلطة حقيقية؛ ولكنه يريد رسم هالة الزعامة
المفقودة والكاريزما الغائبة، فلا قيمة عملية لمسالة التفويض غير تضخيم إحساس العظمة
الزائف عنده".
وفي ختام حديثه دعا السياسي المصري، الشعب المصري إلى "عدم الانجرار لهذا الكمين، وندعوه
أيضا للنضال في كل شوارع مصر ليس فقط حفاظا على القضية الفلسطينية ولكن لإنقاذ مصر
أيضا من كارثة مروعة في الأفق نتيجة لاستمرار هذا النظام العميل على رأس السلطة".
"طبخة على
نار الصواريخ الصهيونية"
من جانبه، قال
السياسي المصري والبرلماني السابق الدكتور محمد عماد صابر، في حديثه لـ"عربي21"،
إن "توجهات هذا النظام من البداية معادية للشعب المصري ومهدرة لمصالحه ومعادية
كذلك لقضايا الأمة ومتجاوزة لثوابتها".
وأضاف: "سبق
لهذا النظام التفريط في حقوق مصر التاريخية بنهر النيل، والتنازل عن جزء من التراب
الوطني في جزيرتي (تيران وصنافير)، وسبق له إخلاء شمال سيناء من سكانه وتهجيرهم قسرا
وقصف بيوتهم بالصواريخ، وسبق لهذا النظام على لسان رئيسه الترحيب بصفقة القرن وبالمشاركة
فيها".
صابر، أكد أن
"هذه المقدمات تعني بوضوح قابلية هذا النظام للتفريط في الأرض والتماهي مع المشروع
الأمريكي تحقيقا لمصالح النظام في البقاء ونيل رضا الأمريكان والصهاينة ولو على حساب
الأمن القومي والتراب الوطني".
ويرى أن
"ما رفع السقف ومزايدات النظام الحالية إلا مساومة رخيصة ومتاجرة بالدماء غايتها
رفع الثمن في الصفقة التي تطبخ على نار الصواريخ الصهيونية".
ويعتقد أن
"اليوم مختلف"، مؤكدا أنها "إبادة جماعية وتهجير قسرى، تتحرك فيه إسرائيل
وأمريكا والغرب غير عابئة بالعرب والمسلمين، هذا هو المشهد؛ ولم يستطع السيسى أن يوقف
طلقات الرصاص والقنابل الفوسفورية وأمنه القومي مهدد، ماذا فعل؟ لا شيء".
وقال: "يجب
أن تكون رؤيتنا للحدث على قدره وليس إعادة وتدوير لكلام مل الجميع من سماعه"،
موضحا أن "المتوقع لو لم يتحرك الشعب بقوة أن يبيع هذا النظام سيناء بثمن بخس
كما باع (تيران وصنافير)". "وأن يتحول إلى خنجر مسموم في جسد الأمة وفي سويداء
القضية الفلسطينية، ولن تعدم جوقته الإعلامية ساعتها حيل الدعاية السوداء من قبيل أنه
تدخل لإنقاذ الفلسطينيين من المحرقة ومن حرب الإبادة".
وختم بالقول:
"في حين أن المساعدة الحقيقية للفلسطينيين تكمن في فتح المعبر وإدخال المساعدات
ولو عنوة وإمداد القطاع المحاصر بكل ما يحتاجه، وليس أبدا الاستمرار في حصارهم ثم المشاركة
في تهجيرهم".
"لا حاجة
لتفويض"
وفي حديثه لـ"عربي21"،
تساءل الكاتب الصحفي أحمد حسن بكر: "هل السيسي بحاجة لتفويض لإدارة البلاد؟"،
لافتا في إجابته إلى أن (المادة 139) بدستور 2014 حددت مهام رئيس الجمهورية، في ما يخص
"الأمن القومي".
وأضاف: "أعطت
(المادة 157) الحق لرئيس الجمهورية بإجراء استفتاء بالمسائل المتصلة بمصالح البلاد
العليا، بما لا يخالف الدستور، كما اشترطت (المادة 152)، ضرورة أخذ رأى مجلس الدفاع
الوطني، ومجلس النواب، حال قرر الرئيس شن حروب، أو إرسال قوات عسكرية بمهام قتالية
خارج الوطن".
وأوضح أن
"مجلس النواب، أكد على تفويض الدستور له بالحفاظ على أمن الوطن، ووحدة وسلامة
أراضيه، وشن الحرب على أعداء الوطن، وحماية القضية الفلسطينية، ومنع تهجير شعب غزة
والضفة الغربية".
وقال بكر:
"إذا السيسي، ليس بحاجة لطلب تفويض، لأن الدستور منحه كل الصلاحيات، حتى إعلان
حالة الطوارئ، والأحكام العرفية".
وفند الكاتب المعارض،
نص التفويض المنشور بالصحف الحكومية، مشيرا إلى أن بند "حماية أرض مصر من المخاطر
والحرب مع إسرائيل"، يتضح منه أنه "يريد تفويضا لحماية إسرائيل وطمأنتها،
لتعربد وتقتل وتدمر، ولو طال تدميرها حدود مصر".
وأكد أن البند
الثاني القائل بـ"حماية سيناء من مخطط تحويلها لمسرح حرب، وعمليات عسكرية، يريد
منه السيسي، التأكيد على أنه لن يخوض حروبا على أرض سيناء، ولو استدعت الضرورة".
وعن البند الثالث،
في التفويض الذي يقول بـ"حماية الفلسطينيين بالبقاء على أراضيهم"، قال إنه
"يمكن اعتباره مزايدة رخيصة، ومتاجرة باسم الفلسطينيين".
وتساءل:
"كيف تحميهم على أراضيهم وحرب إبادة جماعية تقتلهم وتهدم منازلهم، وأنت كدولة
مصرية لبت الأوامر الإسرائيلية بمنع دخول المساعدات الإنسانية الدولية من معبر رفح
الذي قصفته إسرائيل 4 مرات؟".
"لهذا يخافون"
وفي إجابته على
السؤال "لماذا يخاف مصريون من التفويض؟" قال بكر: "عام 2013، وإثر انقلابه على
الرئيس الشرعي محمد مرسي، طالب السيسي، المصريين تفويضه للتصدي للإرهاب المحتمل، وبعد
تفويض قطاع من الشعب له، ارتكب الكثير من الجرائم".
وأشار إلى مجازر
المنصة، والحرس الجمهوري، ورابعة، والنهضة، وقبلهم ماسبيرو، ومحمد محمود، واعتقال آلاف
المعارضين من كافة التيارات، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، التي أعدم المئات منها
بأحكام مسيسة، وأدرج الآلاف على قوائم الإرهاب وترقب السفر والوصول.
وتابع: "أنهى
كذلك على حرية التعبير والصحافة، ومنع حق التظاهر السلمي، وأطلق يد القوات المسلحة،
والأجهزة الأمنية للسيطرة على الاقتصاد، ودشن مشروعات عديمة الجدوى دمرت الاقتصاد،
ووقع لإثيوبيا على بناء سد النهضة، ما أدى لضياع حق مصر التاريخي بمياه النيل".
وقال الصحفي المصري،
إنه "بنفس التفويض تنازل للسعودية عن جزيرتي (تيران وصنافير) الاستراتيجيتين،
رغم حكم المحكمة الإدارية العليا، وتقرير هيئة المفوضين بمجلس الدولة بمصريتهما، مع
التنازل عن حقوق مصر بحقول غاز شرق المتوسط لإسرائيل وقبرص".
وأوضح أنه
"بذات التفويض، باع أصول الدولة الهامة والاستراتيجية، وطرح فكرة بيع قناة السويس،
لسداد فوائد ديون بلغت قرابة الـ170 مليار دولار، ناهيك عن هدم المساجد والمنازل والمصانع
بزعم إقامة مشروعات لا قيمة لها، وذلك مع إنهاء دور القوات المسلحة القتالي لحماية
الأرض والأمن القومي إلى تربية الجمبري، وزراعة الطماطم والفلفل".
"توابع محتملة"
وعن التوابع المحتملة
للتفويض الجديد، يتوقع بكر، "إتمام صفقة القرن، التي تعهد بدعمها، ومن بنودها
بيع سيناء (خمس مساحة مصر)، لتكون وطنا بديلا للفلسطينيين".
كما أنه توقع أيضا
أن "يواصل السيسي سياسة البيع والتنازل عن ما تبقى من مصر، مقابل سداد فوائد وأقساط
الديون، وتمرير مسرحية الانتخابات الرئاسية، واتخاذ إجراءات قمعية قاسية ضد كل من انتقده
مؤخرا".
وأكد بكر،أن
"الشعب يرى أن السيسي، يريد التفويض لمواصلة تدمير وبيع مصر، وتأمين إسرائيل،
وإنهاء القضية الفلسطينية، وتدعيم سلطته الديكتاتورية، واكتساب شرعية زائفة".