فتحت معركة "طوفان
الأقصى" الباب مشرّعا على سياسة منظومة الثالث من يوليو، وفشلها المحقق
في الدفاع عن الأمن القومي المصري. وهنا لا نتحدث عن أن يكون لها دور داعم
للمقاومة
الفلسطينية، فالأمر تجاوز الصمت والخذلان إلى ارتكاب الجرائم بالتجسس
والانبطاح وهو ما كشفت عنه وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية؛ إذ ثبت بما لا يدع
مجالا للنفي أن هذه المنظومة ترتكب جرم الخيانة بصورة مباشرة، وترتكب فعل الانبطاح
بصورة كاملة. فلم يتوان رئيس جهاز المخابرات المصري عن إبلاغ رئيس الوزراء
الإسرائيلي بتحركات حركة حماس وأنها تعمل على تنفيذ عملية كبرى داخل الكيان
الإسرائيلي، وعن فعل الانبطاح جاء الموقف المعدوم من هذه المنظومة عقب استهداف
معبر رفح فلم يصدر عن هذا النظام أي رد فعل؛ وأبلغ الطرف الفلسطيني بالإخلاء ضربا
للسيادة المصرية في مقتل.
إن أمن إسرائيل ضمن
سياسات تهافت النظام المصري أولى من السيادة المصرية؛ بل سيادة إسرائيل والكيان
الصهيوني الغاصب فوق السيادة المصرية. ولعل المقال الخامس والأربعين الذي
كتبناه ضمن هذه السلسلة تحت عنوان "الأمن على طريقة الجمهورية الجديدة..
مفاهيم ملتبسة"؛ قد أماط اللثام عن مفهوم منبطح للأمن القومي المصري اصطنعه
النظام وفق استراتيجياته في تقبل المهانة والإهانة من الكيان الصهيوني الغاصب، فهو
مشغول بموضعه الخادم في تأدية دوره الوظيفي في الحدث كوسيط. وقد بدأ جهود الوساطة
قبل أن تُطلب منه بالحديث عن ضرورة تسليم الأسرى من النساء والأطفال الإسرائيليين
"لأسباب إنسانية"، دون أن يلتفت إلى نساء وأطفال وعجائز فلسطين الذين
يتعرضون لجرائم حرب من قبل الكيان الصهيوني.
الجيش الصهيوني بمخابراته العاتية لم يعد هو ذلك الكائن الأسطوري، ولكنه في حقيقة الأمر ليس إلا جيشا لدولة مصطنعة من قبل الغرب، ولا يزال يدعمها. كما أننا نؤكد أن هذه هي أول حرب تدور بين العرب والكيان الصهيوني على الأرض المحتلة، وأن العرب هم من بادروا بالهجوم، وأن هذه العملية الكبيرة ستكتب في سجل المقاومة
ومن هنا نوجه عددا
من الرسائل لإعادة الأمور إلى نصابها ومسارها المنضبط، والتأكيد على أن غزة العزة
هي من تمثل الأمة، لا هذه الأنظمة الظالمة المجرمة الطاغية على شعوبها المنبطحة في
خدمة أسيادها. فشتان بين لغة العزة من غزة الكرامة والعزة؛ ولغة الانبطاح الفاضح
والهوان والذل والمهانة من نظام احترف هذه اللغة؛ لغة السلام الدافئ مع إسرائيل
المصطنعة.
الرسالة الأولى
إلى الكيان الصهيوني؛ وهي رسالة مباشرة، كانت في الميدان أكدت
أن هذا الجيش الصهيوني بمخابراته العاتية لم يعد هو ذلك الكائن الأسطوري، ولكنه في
حقيقة الأمر ليس إلا جيشا لدولة مصطنعة من قبل الغرب، ولا يزال يدعمها. كما أننا
نؤكد أن هذه هي أول حرب تدور بين العرب والكيان الصهيوني على الأرض المحتلة، وأن
العرب هم من بادروا بالهجوم، وأن هذه العملية الكبيرة ستكتب في سجل
المقاومة، بقدرتها
على قهر هذا الكيان الذي زعم هو وبعض المتصهينين العرب أنه لا يُقهر، وأن فعله الاستيطاني
ودعمه للمستوطنات على شفا جرف هارٍ انهار في معركة "طوفان الأقصى".
الرسالة الثانية
هي للغرب وللنظام الدولي؛ هؤلاء الذين يكيلون بألف مكيال، هؤلاء
الذين لا يعرفون حقيقة ما هي حقوق الإنسان، ولكنهم يطنطنون حولها ليل نهار، وفي
حقيقة الأمر أن إنسانهم هو الذي له الحقوق، أما إنساننا فليس له أي حقوق.. هذه
الرسالة تؤكد أن هذا النظام الدولي مشوّه ومشوش ويقوم ليس فقط على ازدواجية
المعايير بل انتقائيتها.
وهنا لا بد وأن
نؤكد كيف أن هذه الحضارة الغربية -مع تحفظنا على وصفها بالحضارة في ظل غلبة صفات
العنصرية والهمجية والوحشية عليها- حينما تساعد إسرائيل بكل طاقتها فإنها بذلك
تقوم بعمل يضاد كافة القيم التي يعلنونها ضمن ثقافاتهم الغربية. وفي حقيقة الأمر
أن هذه المعركة الأخيرة كما كانت المعارك والاعتداءات الصهيونية السابقة كاشفة
فارقة، وتؤكد أننا لا يمكننا أن نعتمد على مسار سياسي، خاصة وأن
الاحتلال الغاصب
لن ينقلع من أرضنا إلا مع مواجهته ومقاومته.
الرسالة الثالثة هي
للمقاومة الفلسطينية؛ أنتم قمتم بما لا تقوم به الكتائب
الكاملة والجيوش النظامية جيوش الزينة والاحتفالات والاستعراضات الفارغة، وأنتم
وفي عمق إسرائيل استطعتم أن تعطوا الدروس للجميع من أن المحتل الغاصب لا يمكنه أن
يستمر، وفرض أمر واقعه لا يمكن بحال من الأحوال أن يُتقبل.
التطبيع هو إجرام مع المجرم، وغصب مع المغتصب، كما أن التماهي مع مجرمي الحرب الصهاينة يجعلكم شركاء لهم في جرائمهم بحق الفلسطينيين الذين يتعرضون لإجرام غير مسبوق مدعوم من معظم الدول الغربية
الرسالة الرابعة:
إلى نظم العرب، إلى النظم المهترئة، إلى النظم التي خانت، إلى النظم
التي لا تحافظ إلا على كراسيها وعروشها، هذه النظم لا تقوم بهذا إلا بالاعتبار
الذي يفيد قزميتها.. اقرأوا الدرس جيدا، إسرائيل لن تنفعكم ولن تحميكم، فها هي لا
تستطيع حماية نفسها أو الدفاع عن مغتصباتها، كما أن خيانتكم ستبقى في سجلكم
وسيحاسبكم عليها أبناء شعوبكم، اليوم أو غدا، تأكدوا أنكم لن تفلتوا بجرائمكم
وخيانتكم لأمتكم وأوطانكم، وكذلك جامعتكم العربية الموهومة؛ الجامعة لتلك النظم
العاجزة والمشلولة إلا من هرولة للتطبيع مع الكيان الصهيوني لينضم إلى ركبه
متصهينة جدد، فيظاهرون عدوا ويسخرون من المقاومة ويخذلونها؛ بل ويُخَذِّلونها؛
وتلفظهم شعوب الأمة.
الرسالة الخامسة
إلى المطبعين، أقول لهم إن
التطبيع هو إجرام مع المجرم، وغصب مع
المغتصب، كما أن التماهي مع مجرمي الحرب الصهاينة يجعلكم شركاء لهم في جرائمهم بحق
الفلسطينيين الذين يتعرضون لإجرام غير مسبوق مدعوم من معظم الدول الغربية. إن
دعمكم لإسرائيل في بياناتكم واتصالاتكم التي نلتم الشكر عليها من الكيان الصهيوني؛
ستكلل رؤوسكم بالعار وستتوارثون هذا العار جيلا بعد جيل، وسيبقى في تاريخ هذه
الأمة ووعيها أن دولة -عربية- كان لها هذا الموقف المخزي وأنها سارعت لإعلان نفسها
شريكة في الجرم الذي ترتكبه إسرائيل، عليكم أن تعرفوا أنكم صرتم متصهينة العرب
وصرتم في الصف الآخر.
الرسالة السادسة
للشعوب العربية، فالشعوب العربية هم الطاقة الإيجابية ومن يقول إن هذه
الشعوب ماتت هو الهالك، إن هذه الشعوب لم ولن تموت، وأنها تثبت بمؤشرات ولو رمزية
أن هذه القضية الفلسطينية هي قضية الأمة في الوقت الراهن وأنها لا تقبل المساومة،
أو المقاولة.
تعيش الأمة ضمن
عالم أحداثها لحظات كاشفة، إلا أن هذه اللحظات الكاشفة لا يمكن أن تؤتي أُكُلهَا
في التأثير في الأمة إلا أن تتحول كاشفيتها إلى لحظات فارقة تفرق بين مرحلة مضت
وأخرى آتية، نريد للأخيرة -ضمن "فارقة"- أن تتبين وهنَ أمرها ووهنَ
تفكيرها وتدبيرها وعناصر تغييرها، وتفرق وتفرز بين إمكانات الأمة في المواجهة
والممانعة والمقاومة؛ وبين عناصر وآليات تخذيل الأمة ونشر اليأس في أرجائها
والترويج للقبول الخانع والاستسلام الفاقع والفاجع. هذه اللحظة الفارقة لا بد أن
تتحول -وفق وعيٍ سُنني بحركة التاريخ- لتبحث في الشروط التي تقوّم عناصر وهن
الأمة، إنها لحظة التقاط العبرة في الخبرة والفكرة، تتحول فيها هذه اللحظة الفارقة
إلى لحظة مقوِّمة، تُقوّم ما نحن فيه وزناً وتأثيراً، وتقوّم ما مرَّ بنا من أنماط
واهنة وفاسدة في التفكير والتدبير؛ بحيث تشرع في عمليات "إصلاح" و"تثوير"
منظومة متكاملة واعية للتمكين بوعي شروطه وتفعيل مقوماته.
تعيش الأمة ضمن عالم أحداثها لحظات كاشفة، إلا أن هذه اللحظات الكاشفة لا يمكن أن تؤتي أُكُلهَا في التأثير في الأمة إلا أن تتحول كاشفيتها إلى لحظات فارقة تفرق بين مرحلة مضت وأخرى آتية، نريد للأخيرة -ضمن "فارقة"- أن تتبين وهنَ أمرها ووهنَ تفكيرها وتدبيرها وعناصر تغييرها، وتفرق وتفرز بين إمكانات الأمة في المواجهة والممانعة والمقاومة؛ وبين عناصر وآليات تخذيل الأمة ونشر اليأس في أرجائها والترويج للقبول الخانع والاستسلام الفاقع والفاجع
صفحات من
المقاومة تؤكد ومن كل طريق أن "خمائر العزة" متأصلة في كيان هذه
الأمة، فتحدث حالة وحركة ممانعة وفعل مقاومة وفعالية استجابة لتحديات هذه الأمة.. مقاومة
الأمة فعلها الحامي لكيانها، الضامن لفعاليتها، القادر على حفظ بقائها واستمرارها،
المقاومة حالة شاملة متكاملة تتكافل فيها عناصر مقاومة الاستبداد في الداخل ومقاومة
العدوان من الخارج والعدو الغاصب المحتل وأزلامه من متصهينة العرب، المقاومة خمائر
عزتها وقدرات ممانعتها الحضارية.
ومن هنا فإننا
نؤكد أن هذه العملية الكبرى "طوفان الأقصى" إنما تشكل في الحقيقة "طوفان
الأمة"، وقد تمت تسمية يوم الجمعة القادم (13 تشرين الأول/ أكتوبر 2023)
"جمعة طوفان الأقصى"، ليكون يوماً للنفير العام في عالمنا العربي
والإسلامي وأحرار العالم، للتضامن مع الشعب الفلسطيني ومقاومته، وفضح جرائم
الاحتلال وعزله وإحباط كل مخططاته العدوانية، يوماً لإظهار حبّنا لفلسطين والقدس
والأقصى، والدفاع عن قبلة المسلمين الأولى، وثالث الحرمين الشريفين ومسرى الرَّسول
الأمين. ومن هذا المنطلق ندعو كل المسلمين والعرب ممن يعرف للأقصى حقه ومكانته أن
يلبوا النداء، ويعبروا عن طاقة الأمة في مواجهة هذا المحتل الغاصب والداعمين له
الذين يحاولوا الحفاظ على هذا الكيان المصطنع. دعونا نقول في جمعة طوفان الأقصى
أنتم واهمون، وأننا سندافع عن أمتنا وعن قدسنا وعن أسرانا ومسرانا.
twitter.com/Saif_abdelfatah