بألم وحزن عميق، جلس مواطن
فلسطيني بين الركام والدمار، لم يستطع أن يمنع دموعه الساخنة والغاضبة من أن تنهمر وهو يرى حلم عمره برسم الابتسامة والسعادة على وجوه الأطفال، قد تبخر بفعل آلة الخراب، التي يمتلكها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
في ليلة "تسونامي الرمال" كما وصفها أحد المواطنين المندهشين مما شاهده من خراب بفعل صواريخ الاحتلال، سحقت تلك المنطقة التي تقع وسط مدينة
غزة وتنبض دوما بالحياة، وطالت تلك الصواريخ المدمرة أحد المتاجر الصغيرة التي تبيع لعب الأطفال، لصاحبها الفلسطيني عبد الله فخري مصلح "أبو رائد" (46 عاما).
ألعاب مدمرة وحلم متبخر
في جولة "عربي21" الميدانية لرصد ما دمره الاحتلال، ليلة الثلاثاء، في حي الرمال، التقت "أبو رائد"، الذي قال إنه "اجتهد كثيرا من أجل تكوين نفسه خلال ما يزيد عن 30 عاما في العمل لدى العديد من التجار والمحلات المتخصصة في لعب الأطفال، وتمكن قبل نحو عام فقط من افتتاح محله الخاص ببيع لعب الأطفال وأسماه باسم طفلته "جود"، التي لم يرها منذ أعوام عدة، حيث يعيش في غزة لوحده، أما باقي أسرته، المكونة من زوجته وأطفاله الثلاثة، يقيمون في إيرلندا مؤقتا للدراسة".
ونوه "أبو رائد" في حديثه لـ"عربي21" أنه كان يشعر بالكثير من الارتياح بعدما نجح في تكوين نفسه وافتتاح هذا المحل في قلب مدينة غزة المحاصرة، حيث يشعر بسعادة كبيرة حينما يتمكن الأطفال من ضيوف المحل من اختيار اللعبة المناسبة لهم، متسائلا بألم: "ماذا فعلت ألعاب الأطفال للاحتلال كي يدمرها ويحرقها؟ ما الأذى الذي تسببت له بها هذه الدمى؟".
وذكر مصلح لـ"عربي21"، أنه حينما بزغ ضوء الصباح، نزل من شقته القريبة والتي أصابها الخراب بفعل قصف الاحتلال، كي يطمئن على ألعابه، لكنه كما قال: "حينما شاهدت المحل، أظلمت الدنيا في وجهي، لم أصدق ما حدث، لماذا يقصف محلي؟"، مضيفا: "شعرت أن كل أحلامي تبخرت بفعل صواريخ الاحتلال، نجاح "متجر جود" كان سببا في سعادة زوجتي، أنني تمكنت أخيرا من افتتاح المشروع الخاص بي، لكن الأمر لم يكتمل".
وتساءل: "ما الذي سأقدمه لطفلتي جود وباقي أفراد أسرتي حينما يعودون إلى غزة؟"، مضيفا: "أحلم بأن أجتمع بعائلتي وأرى أطفالي، فأنا أعشق الأطفال وألعابهم، أشعر بسعادة كبيرة حينما أرسم الابتسامة على وجوههم، حتى ولو من خلال دمية صغيرة".
وتابع: "أمسكت ببعض الألعاب المدمرة التي هي كل ما أملك، وتأملتها وتساءلت: هل هذه الألعاب هي التي تقاتل جيش الاحتلال؟ ما علاقتها بالحرب؟".
ونبه صاحب المتجر المدمر، أن من أكثر المواقف التي أحزنته، بكاء أطفاله حينما تواصلوا معه للاطمئنان عليه بعد القصف الإسرائيلي الشرس والذي لا زال يستهدف العديد من مناطق القطاع، مشيرا إلى أنه بعد فقدان متجره، لم يعد بإمكانه أن يرمم مشروعه الصغير، وحتى شقته السكنية المتضررة لا يقوى على تكاليف ترميمها.
وفي رسالته لجيش الاحتلال، قال "أبو رائد": "الاحتلال لم يقدر على الأبطال الحقيقيين (رجال المقاومة الفلسطينية)، فذهب يستعرض قوته على دمى ودبدوب وميكي ماوس وغيرها من ألعاب الأطفال، هذا هو الاحتلال، متجري الصغير ماذا فعل له؟".
حرق غزة متواصل
تواصل طائرات الاحتلال استهداف العديد من مناطق القطاع عبر تدمير ممنهج لمنازل المواطنين وكل ما يمتلكون، إضافة إلى استهداف الأطقم الطبية وسيارات الإسعاف والمساجد والصحفيين، في سلوك يتنافى مع كافة القوانين والأعراف الدولية، والذي يرتقي لجرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي.
وفجر السبت الماضي، أعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة "حماس" بدء عملية عسكرية أطلقت عليها "طوفان الأقصى" بمشاركة فصائل فلسطينية أخرى، ردا على اعتداءات القوات والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، ولا سيما المسجد الأقصى، وبدأت العملية الفلسطينية ضد الاحتلال عبر "ضربة أولى استهدفت مواقع ومطارات وتحصينات عسكرية للعدو".
وتسببت غارات جيش الاحتلال الإسرائيلي العنيفة على قطاع غزة، بحسب وزارة الصحة، باستشهاد أكثر من 900 شخص؛ بينهم 260 طفلا و230 سيدة، إضافة إلى تسجيل 4500 إصابة بجراح مختلفة، جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة الذي أدى إلى إبادة 22 عائلة، بإجمالي 150 شهيدا من أفرادها.
ومن خلال متابعة "عربي21"، بدأت العملية العسكرية بعد صلاة الفجر بقليل، حيث انطلقت فصائل المقاومة بتنفيذ ضربات نوعية في وقت واحد؛ جوية وأرضية ميدانية وصاروخية، وتمكن رجال المقاومة من تفجير السياج الأمني في عدة مناطق واقتحام عدة مستوطنات إسرائيلية قريبة من القطاع، بالتزامن مع عملية إنزال جوي عبر طائرات شراعية والبدء في قصف المستوطنات والمدن الإسرائيلية المختلفة بصواريخ طورت محليا.
واستمر إطلاق المقاومة لرشقات صاروخية ما تسبب بخلل في منظومات الطيران العسكري للاحتلال، وأدى إطلاق الصواريخ بكثافة لتوفير "مظلة نارية" لعناصر المقاومة الذين كانوا يتجولون في المستوطنات والمواقع والقواعد العسكرية لجيش الاحتلال القريبة من القطاع، حيث تمكنوا من قتل العديد من المستوطنين وجنود الاحتلال وأسر آخرين لم يكشف عن عددهم الإجمالي، لكن الكثير من الدلائل تؤكد أنهم بالعشرات، وما زالت الاشتباكات داخل العديد من المستوطنات مستمرة بين عناصر المقاومة وجيش الاحتلال.