اعتبر رئيس الوزراء
الهندي، ناريندرا مودي، أن الممر التجاري الجديد الذي أعلن عنه على هامش قمة مجموعة دول العشرين في العاصمة الهندية سيشكل أساسا التجارة العالمية لمئات السنين القادمة.
والشهر المنصرم، وصف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خلال الإعلان عن الممر الذي عرف باسمه لاحقا، المشروع الاقتصادي العابر للقارات بأنه "تاريخي"، حيث من المخطط له أن يضم استثمارات في السفن والسكك الحديدية، ويربط الهند بأنحاء أوروبا، عبر الإمارات والسعودية والأردن والاحتلال الإسرائيلي.
ويرى خبراء أن "
ممر بايدن" أو الممر الهندي الأوروبي يأتي في إطار التحدي الأمريكي لنفوذ
الصين، صاحبة مبادرة "
الحزام والطريق"، التي يصادف هذا العام مرور عقد من الزمان على إطلاقها.
إلى ذلك، نشرت شبكة "
بي بي سي" البريطانية تقريرا أشارت فيه إلى أن كثيرين ينظرون إلى مشروع الممر على أنه رد أمريكي على مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهو مشروع عالمي لبناء بنية تحتية تربط الصين بجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى وروسيا وأوروبا.
ورأى رئيس تحرير مجلة فورين بوليسي، رافي أغاروال، أن المشروع على الرغم من أنه مفيد للمنطقة، فإنه ينبئ بالسياسة الخارجية الأمريكية، "التي تشمل ببساطة أي شيء من شأنه تعزيز المصالح الأمريكية في مواجهة الصين"، بحسب "بي بي سي".
ومن جهته، ذكر مؤلف كتاب "الترابط الجغرافي" أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستفيد من الناحية المادية من مشاركتها في المشروع الذي أعلنت عنه في العاصمة الهندية نيودلهي مطلع أيلول/سبتمبر الماضي.. في إشارة إلى أن المشاركة الأمريكية ضمن المشروع الهندي الأوروبي تأتي في إطار سعي واشنطن للحد من نفوذ بكين على الساحة العالمية.
هل يستطيع منافسة المبادرة الصينية؟
وعن إمكانية مقارنة الممر الهندي بمبادرة "الحزام والطريق" الصينية، أشار التقرير إلى أن الطموحات الكبرى للمشروع تضاءلت بشكل كبير، حيث تباطأ الإقراض للمشاريع مع تباطؤ الاقتصاد في الصين.
وأضاف أن دولا مثل إيطاليا أعربت عن رغبتها في الانسحاب، في وقت تشعر فيه دول أخرى مثل سريلانكا وزامبيا بأنها أصبحت عالقة في فخ الديون، وغير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالقروض.
وكان المشروع الصيني واجه انتقادات عديدة منها أن "من أهدافه الأساسية اكتساب النفوذ الاستراتيجي من خلال المشاركة في التنمية، وافتقاره إلى الرقابة المالية السليمة".
لكن بالرغم من جميع العقبات، فقد استطاع الصينيون بحسب تقرير "بي بي سي" تحقيق قدر مذهل منه.
وبحسب خانا، فإن مشروع الممر الهندي الأوروبي لا يرقى حتى إلى أن يكون "منافسا" للمبادرة الصينية، حيث رأى في حديثه مع "بي بي سي" أنه "لا يغير قواعد اللعبة على نطاق مبادرة الحزام والطريق. إنه إعلان جيد، لكن لا تنظر إلى المقترحات وتبالغ بالقول إنه لا يمكن للعالم أن يعيش بدونه".
وشدد التقرير على أن وثيقة مذكرة التفاهم الخاصة بالممر الهندي الأوروبي قليلة التفاصيل، موضحا أنه حتى الآن كل ما فعلته الدول المشاركة هو رسم خريطة جغرافية محتملة للممر، لكن من المتوقع وضع خطة عمل خلال الـ60 يوما القادمة.
يقول خانا: "أود أن أرى تحديدا للوكالات الحكومية الرئيسية التي ستتولى مسؤولية الاستثمارات، ورأس المال الذي ستخصصه كل حكومة، والأطر الزمنية".
ويضيف أنه ستكون هناك حاجة أيضا إلى إنشاء هيكل جمركي وتجاري جديد لتنسيق الأعمال الورقية، وضرب لذلك مثلا بخط السكك الحديدية العابر لآسيا عبر كازاخستان الذي يمر عبر 30 دولة، قائلا إن "هذا العبور سلس. إذ لا تحتاج إلى تصريح إلا في بداية الرحلة وفي نهايتها. وهذا لا يوجد في الممر الهندي".
وبعيدا عن ذلك، يرى خبراء أن هناك تعقيدات جيوسياسية واضحة لإدارة العلاقات بين الدول الشريكة مثل الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي والمملكة والسعودية، التي غالبا لا تتفق مع بعضها بعضا، ما يشير إلى احتمالية أن يفشل التعاون التكتيكي من هذا النوع في وقت قصير.
"قناة السويس في مرمى الممر الهندي"
ومن المقرر أن ينافس الممر الهندي الأوروبي قناة السويس، وهي الممر المائي المستخدم لنقل البضائع بين مومباي وأوروبا.
و"بقدر ما يعمل الممر الهندي على تحسين علاقاتنا مع الإمارات والسعودية، فإنه سيضر بالعلاقات مع مصر"، كما يقول الخبير الاقتصادي، سواميناثان أيار.
وكان رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، قال في معرض حديثه عن مشروع الممر الجديد إنه يمر بأكثر من دولة، ومن بينها الإمارات والسعودية وصولا إلى الكيان الإسرائيلي، وجزء منه بحري وآخر سكة حديد، وهذا يجعله ملتزما بحمولة محددة".
وأضاف: "القطار لن يستطيع نقل حاويات ضخمة مثلما هي الحال بالسفن العابرة من قناة السويس، وأخطار انتقال الحمولة من المركب إلى السكك الحديدية مرتفعة والتكلفة عالية وهناك تعطيل، لذلك فإنه لن يكون بديلا لقناة السويس".
في السياق ذاته، رأى أيار أن هذا الممر "قد يكون منطقيا من الناحية السياسية، لكنه يتعارض مع جميع مبادئ اقتصاديات النقل"، لا سيما أن النقل عن طريق البحر عبر قناة السويس أرخص وأسرع وأقل تعقيدا إلى حد كبير.
لكن طموحات الممر الهندي الأوروبي بحسب التقرير تتجاوز النطاق الضيق للتجارة والاقتصاد لتشمل كل شيء بدءا من شبكات الكهرباء وحتى الأمن السيبراني - بناء على المحادثات التي أجريت في المنتديات الأمنية، كما يشير نافديب بوري، سفير الهند السابق إلى الإمارات في مقال صحفي.