قال
الكاتبان عمران ملا، وبيتر أوبورن، إن القومية
الهندوسية وبلدان شبه القارة الأخرى نحو تأكيد هوياتها التاريخية
الهندية يمكن
أن تدفع من خلال فرض رؤيتها الضيقة للهوية القومية على البلاد.
وفي مقالهما على موقع "
ميدل إيست
آي" البريطاني، تابع الكاتبان بأنه إذا نجح القوميون الهندوس، في الهند في
تحقيق هدفهم وتمكنوا من تغيير اسم البلد إلى
بهارات، فإن من شأن ذلك أن يفتح الباب
على مصراعيه أمام إمكانية أن تسعى البلدان الأخرى في شبه القارة الهندية نحو تأكيد
هويتها الهندية التاريخية.
وتابعا بأنه "بمجرد أن تفقد الصفة
الهندية مغزاها السياسي، فمن الممكن جداً أن تكتسب مغزى ثقافياً وحضارياً. ومن
المؤكد على الأغلب أن يقود ذلك العالم نحو إطلاق اسم الهند على شبه القارة ككل بكل
مكوناتها".
وجاء في المقال أن هنالك تاريخا عميقا
وراء رغبة رئيس الوزراء الهندي في تغيير اسم البلاد، وهذا يعني مسح النفوذ البريطاني
والحكم الإسلامي، وكلاهما يعتبرهما القوميون الهندوس، الذين يمسكون بزمام السلطة
الآن، عهوداً قهرية.
ويعني تغيير الاسم إن تم أيضاً
محاربة النخبة القومية العلمانية القديمة في الهند، والتي كانت هي المؤسس للبلد،
وحكمته بدون انقطاع تقريباً عبر حزب المؤتمر حتى عام 2014.
وتاليا
المقال كاملا:
تستضيف الهند نهاية هذا الأسبوع قمة
مجموعة العشرين التي يشارك فيها عدد من الزعماء من مختلف أنحاء العالم – ويوم
الثلاثاء وجهت الحكومة بحسب الأصول دعوة رسمية إليهم لحضور مأدبة عشاء باسم الدولة.
إلا أن الدعوة لم تتضمن إشارة إلى
الهند، وبدلاً من ذلك ذُكر أن اسم الدولة المضيفة هو بهارات، وهي لفظة سنسكريتية
تعود جذورها إلى الكتب الهندوسية المقدسة القديمة.
لم يكن ذلك خطأ كتابياً.
بعد مرور خمسة وسبعين سنة على
الاستقلال، تستعد الهند في عهد ناريندرا
مودي لتغيير اسم البلد، وقد يتم الإجراء
خلال أسابيع من الآن.
يعتقد كثيرون أن جلسة خاصة سوف يعقدها
البرلمان في وقت لاحق من شهر سبتمبر (أيلول) قد تشهد قيام سياسيين من الحزب الحاكم
– والذي لا عجب أن يكون اسمه حزب بهاراتيا جاناتا – بتقديم اقتراح بإطلاق اسم
بهارات بشكل رسمي على البلد.
وكان هارناث سينغ ياداف، عضو البرلمان
عن حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة مودي، قد صرح بأن "البلد بأسره يطالب بأنه
يتوجب علينا استخدام كلمة بهارات بدلاً من الهند. فكلمة الهند لفظة مسيئة أطلقها
علينا البريطانيون بينما كلمة بهارات هي رمز ثقافتنا".
كما أنه صدر عن سوشيل مودي، وهو عضو سياسي
بارز من أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا، تصريح مشابه، حيث قال مدافعاً عن استخدام لفظة
بهارات في دعوة العشاء التي وجهت إلى زعماء مجموعة العشرين: "إن اسم الهند
كلمة أطلقها البريطانيون".
التحرر من الاستعمار
ثمة تاريخ عميق من وراء هذا التطور
المذهل. فحكومة رئيس الوزراء مودي، والتي تحكم الهند منذ عام 2014، لم تفتأ تتخذ
سلسلة من الإجراءات التي ترى فيها انعتاقاً من الاستعمار.
وهذا يعني مسح النفوذ البريطاني والحكم
الإسلامي، وكلاهما يعتبرهما القوميون الهندوس، الذين يمسكون بزمام السلطة الآن،
عهوداً قهرية.
كما أن ذلك يعني أيضاً محاربة النخبة القومية
العلمانية القديمة في الهند، والتي كانت هي المؤسس للبلد، وحكمته بدون انقطاع
تقريباً عبر حزب المؤتمر حتى عام 2014.
وهي النخبة التي يعتبر جواهر لال نهرو،
أول رئيس وزراء هندي، وصاحب الشخصية الآسرة، نموذجاً لها، والتي طالما رأى فيها
القوميون الهندوس نخبة متغربة لا تعبر عن الشعب الذي كانت تحكمه.
ولذلك، فإنه يعتبر تفكيك الهوية التي تكونت
للجمهورية الهندية عندما رحل البريطانيون عن الهند في عام 1947، أمراً مركزياً ضمن
رؤية القوميين الهندوس للبلاد.
يأتي تغيير الاسم في دعوة العشاء
الموجهة إلى زعماء مجموعة العشرين بينما تستعد الهند لما يرى البعض أنها ستكون أهم
انتخابات عامة تجرى في تاريخ البلد – حيث ستحسم تلك المنافسة على أصوات الجماهير
ما إذا كانت الهند ستحافظ على تقاليدها التعددية التي تكرست في الماضي القريب أم إنها سوف تستمر في السير ضمن النهج الذي خطه لها مودي من توجه قومي عرقي يعرف باسم
الهندوتفا.
يعتبر تغيير الاسم من جهة رداً سريعاً
على ما تم مؤخراً من تشكيل تحالف من 28 حزباً معارضاً، استعداداً لخوض الانتخابات
العامة القادمة، تحت اسم "الهند".
إلا أن استخدام لفظة بهارات
السنسكريتية ينضوي على أكثر بكثير من مجرد الاستعداد لخوض الانتخابات، إذ يتعلق
الأمر بالنسبة للقوميين الهندوس بروح البلد.
آخاند بهارات
يرى جيه ساي ديباك، أبرز المفكرين
القوميين الهندوس في الهند المعاصرة، أن الهندوس الهنود تعرضت عقولهم للتشويه على
يد الحكم الإسلامي والحكم البريطاني لدرجة أنهم فقدوا أي استيعاب لمعني بهارات،
والذي يرى فيه مفهوماً هندياً عتيقاً. ولا عجب إذ ذاك أن يكون شديد الحماس لإجراء
تغيير الاسم.
يستمد ديباك الإلهام من أفكار فيناياك
سفركار، الذي طور، قبل ما يقرب من قرن من الزمن، أول رؤية واضحة للقومية الهندوسية
كما نعرفها اليوم، والتي يعبر عنها بلفظة هندوتفا.
وهي الفكرة التي تتمركز حول الصراع مع
المسلمين، والذين يعتبرهم سفركار أجانب ودخلاء. وكان قد كتب عن إمبراطور قديم يسمى
بهارات كانت إمبراطوريته "تحتضن القارة بأسرها من الإنديز إلى البحر، وكان
يسعى إلى تحويلها إلى أمة قائمة بذاتها".
أفضى ذلك في السنوات الأخيرة إلى أن
تصبح فكرة آخاند (غير مقسم) بهارات حلماً توسعياً شائعاً بين السياسيين والمنظرين
المنتمين إلى التيار القومي الهندوسي. وهي تمثل بالنسبة لهم كياناً سياسياً غير
مقسم يضم الهند والباكستان وبنغلادش وأفغانستان والنيبال وميانمار – يقودها ويدير
شؤونها مجتمعة انطلاقاً من دلهي حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة مودي.
في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام،
أثار وزير الشؤون البرلمانية في الهند عاصفة دبلوماسية عندما نشر في تغريدة له
خريطة ضمت تلك الأماكن في العهود القديمة وعلقت داخل البرلمان الهندي الجديد وكتبت
تحتها عبارة "العزيمة واضحة: إنها آخاند بهارات".
سارعت وزارة الخارجية الباكستانية
مباشرة إلى التنديد بما قالت إنها "ذهنية تحريفية وتوسعية"، بل إن حكومة بنغلادش حتى، المعروفة عموماً بتأييدها للهند، عبرت عن قلقها.
لم تزل آخاند بهارات مجرد خيال جامح.
الهند كمنشأة
حتى هذه اللحظة، يسعى القوميون الهندوس
إلى تأسيس أمة هندوسية (هندو راشترا) ضمن حدود الهند التي رسمت في عام 1947. وهي
فكرة تهدد الأقليات التي تعيش داخل الهند، ولكنها في هذه المرحلة لا تشكل تهديداً
للبلدان المجاورة.
والآن، وكرد فعل على الإشاعات التي
تقول إن الهند سوف تتبنى اسم بهارات، وردت في تقارير وسائل الإعلام في الباكستان
اقتراحات بأن البلد بإمكانه بناء على ذلك انتزاع اسم الهند وإطلاقه على نفسه.
لا يزيد الأمر حتى الآن عن كون ذلك شائعة، ولكنه يذكر بلا ريب بالخلاف الذي أثير حول اسم الهند عندما انتهى الحكم
البريطاني وتشكلت كل من الهند والباكستان كدولتين منفصلتين.
حينها عبر محمد علي جناح، المحامي
والسياسي الذي ترأس رابطة مسلمي الهند قاطبة وأسس الباكستان، عن حنقه لأن البلد
الجار الأكبر هو الذي سوف يطلق عليه اسم الهند.
كان يعتقد بأن الباكستان جزء من الهند،
ذلك الكيان الضخم الذي طالما اعتبر حضارة متماسكة على مدى قرون. كان جناح يرى في
الهند منشأة أعظم شأناً وأكبر حجماً من البلدين اللذين ولدا من رحمها.
واقترح إطلاق اسم بهارات أو هندوستان
على ما بات اليوم يعرف بالهند، بما يشير إلى انتمائها إلى كيان أضخم وأرحب يسمى
الهند.
بدلاً من ذلك، اعتبرت جمهورية الهند
نفسها، من خلال اتخاذها لهذا الاسم، الوريث الطبيعي للهند البريطانية، بينما تعتبر
الباكستان كياناً شاذاً.
لم يوافق جناح على ذلك بتاتاً. ورفض
بعد الانفصال التخلي عن انتسابه للصفة الهندية، بل وافترض إلى حين بأنه سوف يكون
بإمكانه الاحتفاظ بقصره في بومبي والتنقل بسهولة ويسر بين البلدين. هكذا كان الوضع
قبل أن ينشب الصراع على كشمير، فحتى ذلك الحين كان كثير من السياسيين في الباكستان
والهند على حد سواء يظنون أن التقسيم مؤقت، وكانوا يأملون في أن يلتئم الصدع ويلتم
الشمل ثانية في نهاية المطاف.
ترى المؤرخة عائشة جلال أن "جناح
لم يتخل يوماً عن استراتيجية إعادة توحيد الهند في نهاية المطاف باعتبار أن ما
تشكل هو الباكستان وهندوستان." من غير المحتمل أن يتم إثبات أو دحض هذه
النظرية، ولكن ما هو مؤكد دون أدنى شك أن جناح، وحتى وفاته، كان يصر على الاحتفاظ
باسم الهند كوصف جامع لكل أرجاء شبه القارة.
التحرر من أغلال عام 1947
من المفارقة أنه فيما لو نجح القوميون
الهندوس في الهند في تحقيق هدفهم وتمكنوا من تغيير اسم البلد إلى بهارات، فإن من
شأن ذلك أن يفتح الباب على مصراعيه أمام إمكانية أن تسعى البلدان الأخرى في شبه
القارة الهندية نحو تأكيد هويتها الهندية التاريخية.
بمجرد أن تفقد الصفة الهندية مغزاها
السياسي، فمن الممكن جداً أن تكتسب مغزى ثقافياً وحضارياً. ومن المؤكد على الأغلب
أن يقود ذلك العالم نحو إطلاق اسم الهند على شبه القارة ككل بكل مكوناتها.
سوف يكون التحول الدلالي والنفسي
هائلاً بدون أدنى شك. يمكنك أن تتحدث عن الموسيقى التي تؤلف في الباكستان بأنها
موسيقى هندية، ويمكنك أن تصف الأردو بأنه لغة هندية – كما كان جناح ونهرو كلاهما
على يقين من ذلك. ويمكنك أن تتحدث عن وجود هنود في دلهي وفي دكا وفي لاهور.
ولذلك ليس مستغرباً أن يكون أشد الناس
معارضة لفكرة تغيير اسم الهند هم أولئك الذين يتمسكون بالمفهوم النهروي الأصلي
للأمة الهندية.
ومن الأمثلة على ذلك السياسي والكاتب
شاشي طارور، المنتسب لحزب المؤتمر، والذي صرح يوم الثلاثاء بأن اسم الهند
"ماركة قيمتها لا تقدر بثمن" وحث الحكومة على عدم "التخلي عن حقنا
في الاسم الذي يفوح منه عبق تاريخنا".
يعتقد طارور بأن بلاده من خلال تبني
اسم بهارات، تتخلى عن حقها الحصري في الهوية الهندية التي اكتسبتها منذ
لحظة التقسيم. وهو في ما ذهب إليه محق.
فمن خلال فرض رؤيتها الضيقة للهوية
القومية على البلاد، يمكن أن تحرر القومية الهندوسية أخيراً فكرة الهند من أغلال
عام 1947.