الدولة الفلسطينية كانت ولم تزل وهما، تمت تربيته في دفيئات عدة،
لأهداف معينة، ولم تزل تستعمل على نحو ما استمرارا لاستثمار المصطلح
و"تشغيلا" له، الدولة الفلسطينية لن تقوم، على الأقل في المدى المنظور،
ليس لأن
الاحتلال الصهيوني لا يريد هذا الخيار فقط، بل لأن هناك اتفاقا غير مكتوب
بين جميع الأطراف لعدم قيامها، والدليل ببساط شديدة، حين كان بالإمكان قيامها بعد
إعلان قيام الكيان الصهيوني لم تقم، علما بأنه كان بالإمكان قيامها على الأراضي
التي بقيت من فلسطين، ممن لم يحتلها اليهود، ولكنها لم تقم، فإن كان بالإمكان قيامها
على أرض فلسطينية لم تحتل، فكيف من الممكن قيامها مع عدم وجود أرض فلسطينية
"محررة" فعلا، ومع عدم وجود أصلا أي إرادة لتحريرها؟ بل مع وجود إرادة
وفعل على الأرض لدعم التهويد وحمايته وتمويله؟
الدولة الفلسطينية لن تقوم، على الأقل في المدى المنظور، ليس لأن الاحتلال الصهيوني لا يريد هذا الخيار فقط، بل لأن هناك اتفاقا غير مكتوب بين جميع الأطراف لعدم قيامها،
وهم الدولة الفلسطينية، الذي عاشت عليه الملايين من مشتتي أرضها
والمنتشرين في الآفاق، تتبعه أوهام أخرى، ليس الاعتراف بها بأقل إيلاما وصدمة، ومن
هذه الأوهام: وهم العودة، والتعويض، أعلم أنه من الصعب الاعتراف بأن حلم العودة،
هو وهم، ولكن هذه هي الحقيقة، وقد قصد أن لا يموت لا وهم الدولة الفلسطينية ولا
وهم العودة، لأنه ببساطة تمت عملية ممنهجة لتوظيفهما بشكل فظ، كي يبقى الفلسطيني
متعلقا بأمل لا يمكن تحقيقه ولكن يجب أن يظل "حيا" كي يعيش فيه ولا
ينتبه لا للواقع الذي يعيشه، ولا للحقوق المفروض أن يحصل عليها حيث هو، بمعنى آخر،
مطلوب من الفلسطيني أن لا يكون "مواطنا" في بلد اللجوء أينما كان، كي لا
يتحول إلى "وطن بديل!" وفي المقابل، يجب أن يبقى متعلقا بوهم حق العودة
والدولة الموعودة، التي يعمل الجميع بلا استثناء على منع قيامها، أو تحقيق عودة
لمكان تقريبا لم يعد موجودا إلا في مخيال العقل الجمعي الفلسطيني!
وكي يبقى مشروع الدولة والعودة محض أحلام وأوهام، مطلوب أن لا تعيش
أو تموت، تمت سلسلة عمليات فظة لتجريف المقاومة وتجريمها، سواء في الداخل
الفلسطيني أو في الشتات، فجرت قوننة التجريم في جل البلاد العربية، وألحقت ببند
"الإرهاب" وأحد أشهر ضحايا هذه "القوننة" المخيفة الصحفي الأردني
عبد الرحمن فرحانة، المعتقل في سجون آل سعود هو وعدد من المواطنين الأردنيين
والفلسطينيين، بتهمة دعم المقاومة، وهو عمل كان في وقت ما مشروعا عبر صناديق تجمع
المال بشكل علني لإرساله إلى فلسطين، وشيئا فشيئا تحول هذا العمل إلى فعل
"جرمي" يعاقب عليه القانون، وشأن عبد الرحمن كثيرون، اعتقلوا أو لوحقوا
بسبب مقاومة "التطبيع" أو الانتماء إلى "كيانات" تحمل أهدافا
غير متسقة مع نهج مقاومة المقاومة، أما إذا كانت هذه الكيانات مؤيدة لوهم الدولة
والعودة، فمرحبا بها، بل من المحبذ المطلوب أن ترفع عقيرتها مؤيدة لهذا الوهم ومحافظة
على إبقائه حيا في الخطاب الإعلامي!
المتضررون العرب من المقاومة الفلسطينية هم أشد محاربة لها ممن
تستهدفهم هذه المقاومة، هذه حقيقة قد تبدو صادمة للبعض، ولكن على الأرض العربية
والفلسطينية أيضا، هناك حقائق صادمة تجرم من يحمل السلاح ضد الاحتلال، فلسطينيا
وعربيا، فسلطة رام الله اليوم تسخر من تسميها قوى "الأمن الوطني"
لمحاربة المقاومين، ومنعهم من حمل السلاح في وجه المحتل، بذريعة حماية المشروع
الوطني الفلسطيني(!) وذريعة أشد إضحاكا تقول: لا سلاح إلا سلاح السلطة الوطنية،
وهو سلاح يختفي حين يشتد وطيس اعتداء الاحتلال على أبناء الشعب الفلسطيني، ولا
يشهر إلا في وجه المقاومين أو المحتجين، عبد القادر دحدح الذي قتله "الأمن
الوطني" الفلسطيني منذ أيام في مخيم طولكرم ليس إلا مثلا مكثفا لما نقول، أما
في البلاد العربية، فالمحاكم العسكرية والخاصة جاهزة لإسناد تهم
"الإرهاب" لكل من يحاول أن يحول وهم الدولة الفلسطينية أو وهم العودة
إلى واقع!
على الفلسطيني خصوصا والعربي عموما أن يصحو من تلك الأوهام، فلا
ينتظر "غودو" العربي الرسمي الذي لن يأتي، والأهم أن يكف عن حلم الدولة
والعودة، إن كان ينتظر تحقيقهما ممن صنع وهمهما، أما من سيتهمنا بمحاولة بث اليأس بين
الناس، و"التسليم" بالهزيمة، فنقول له أن بداية طريق الاستيقاظ من الوهم
أن تعرف أنه وهم صنعوه كي تعيش فيه ولا تلتفت إلى واقعك وسنين عمرك التي يأكلها
الانتظار، فلا أنت عشت "هنا" ولا "هناك" مطلوب منك يا أيها
الواهم أن تنتبه إلى الكف عن العيش في النفق الذي قيل لك أن في نهايته نور، فلا
نور إلا ذاك الذي تضيئه المقاومة وسواه مخدر وجعجعة إعلام!