قال السفير السابق لبريطانيا في
السعودية، جون جينكنز، إن "الغرب أحدث الفوضى في
سوريا"، مضيفا: "كنت في الأسبوع الأخير من آب/ أغسطس 2013 سفيرا في السعودية. وأصبح مسار الربيع العربي الذي تم الاحتفاء به عام 2011 دمويا وليس في سوريا وحدها".
وأشار جينكنز، في
مقال له، نشر في مجلة "سبكتاتور" البريطانية، للهجوم الكيماوي قبل أسبوع من ذلك الوقت على منطقة الغوطة الشرقية، قرب دمشق، والتي كانت تحت سيطرة المعارضة. وسمحت الحكومة السورية على مضض وبشكل متأخر لمفتشي الأمم المتحدة بدخول المنطقة المنكوبة. وتوصلوا إلى أن الغاز المستخدم بالهجوم الكيماوي هو السارين.
وأردف: "قتل المئات وجرح آخرون، الغالبية منهم من المدنيين، رجالا ونساء وأطفالا، كلهم كانوا عالقين في الحرب الوحشية بين النظام والمسلحين المتشددين بشكل متزايد. وزعم النظام وداعموه الروس أن المعارضة هي التي أطلقت الغاز السام، ولا أحد صدقهم".
وتابع جينكنز، في مقاله، "ربما أطلقت الصواريخ المحملة بالأسلحة الكيماوية من جبل قاسيون المطل على العاصمة، حيث القصر الرئاسي والمنشآت العسكرية الهامة. ويعرف الجميع أن نظام الأسد لديه ترسانة كيماوية، وبدأ باستخدامها في 2012، وربما استخدمها مرة في خان العسل بجنوب- غرب حلب. وكانت سوريا في حينه غير موقعة على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة الكيماوية التقليدية، لكن هجوم الغوطة لم يميز وغير متناسب لأي تهديد ولا علاقة له بأهداف عسكرية معروفة".
وأضاف: "لم تتخذ الإجراءات للحد من الضرر وضرب الإرهابيين، بل واستهداف المدنيين لأنهم كانوا في الطريق. وكذا إرسال رسالة للآخرين الذين وجدوا أنفسهم في نفس الموقف وما ينتظرهم. وكانت جريمة حرب على ما يبدو، مهما كانت وضعية سوريا في منظمة الحد من الأسلحة الكيماوية. وكانت المشكلة التي واجهت العواصم الغربية هي كيفية التعامل مع حرب أهلية فيها لاعبون كثر، وما يجب عمله".
وأكد جينكنز، أن "السياسة تشكلت بناء على عاملين محددين، مخاوف الولايات المتحدة من التدخلات العسكرية بعد تجاربها الفاشلة لتغيير الأنظمة في العراق وأفغانستان وتفكك ليبيا ورغبتها بغسل يديها من النزاعات بالشرق الأوسط. وكان باراك أوباما واضحا في سياسته الخارجية القائمة على التوجه نحو الشرق، حيث تواجه أمريكا تحديا كبيرا لهيمنتها من الصين" مشيرا إلى أنه "من جانب آخر دعا أوباما لاستبدال الرئيس بشار الأسد. ودعم عملية سياسية في جنيف شاركت فيها المعارضة السورية بهدف تغيير النظام. وأعلن في 2012 وبشكل واضح عن "خط أحمر" يتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية".
وقال: "بدأنا نرى مجموعة من الأسلحة الكيماوية تتحرك وتستخدم، وهذا سيغير حساباتي وسيغير معادلتي"، مبرزا أن "أوباما تلقى التشجيع من ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني في حينه الذي لم يفقد الشهية للتدخلات في
الشرق الأوسط رغم ما كان الكاتب يراه وغيره من الدبلوماسيين من عودة الديكتاتورية في كل المنطقة".
وتابع: "في الرياض حضرنا أنفسنا للغارات العسكرية على سوريا، وكذا فعل السعوديون وشركاؤهم في مجلس التعاون الخليجي في الدوحة وأبو ظبي، رغم أن النتائج التي ترغبها كل دولة في سوريا كانت مختلفة؛ ونظر كل طرف إلى التدخل الغربي كدائرة قصيرة لتحقيق الأهداف، دعم الإسلاميين أو الحد من النفوذ الإيراني في سوريا".
وأردف: "المشكلة أن كاميرون الذي أصر على تصويت البرلمان للموافقة على التدخل، أخطأ في حساباته البرلمانية ويبدو أنه ضلل للإعتقاد أن لديه الأصوات الكافية الداعمة له من نواب حزب العمال بالمقاعد الخلفية. وعندما بدا واضحا له أنه لا يملك الغالبية الداعمة للعمل العسكري خرج من اللعبة، وهو ما أعطى أوباما، الذي لم يكن جادا أبدا، العذر التام لوقف العمل العسكري" مؤكدا أنه "بالنسبة للواقعيين في السياسة الخارجية الذين يفكرون بالمصالح القومية بطريقة ضيقة، فإن هذا ليس مهما، فالحرب في سوريا التي كانت بوتيرة منخفضة لم تكن مهمة في ذلك الوقت وليست مهمة الآن".
وفي السياق نفسه، تابع السفير السابق لبريطانيا في السعودية، "يقولون إن التدقيق في كلام أوباما يعطي فكرة أنه لم يكرس نفسه أبدا للعمل العسكري. وزعموا أن الصفقة التي توصل إليها جون كيري مع سيرغي لافروف لتفكيك الترسانة الكيماوية السورية وتوقيع دمشق على ميثاق منظمة الحد من انتشار الأسلحة الكيماوية كان بحد ذاته نجاحا".
وتابع: "على أي حال، فالمعارضة السورية كانت مشتتة وتلك في المنفى لا أهمية لها، ولم يعتقد أحد أن فشل أمريكا بالتدخل يعني أنها لن تتأخر في الدفاع عن مصالحها في أماكن أخرى. وفي
بريطانيا اعتقد البعض أن كاميرون كان محظوظا لأنه نجا من حماقته وقدرات بريطانيا المتراجعة من خلال زملائه في البرلمان. إلا أننا نعيش في عالم مختلف، وما تعنيه التحليلات المدرسية الحذرة للكلمات والنقاش ضيق الأفق بالبرلمان مختلف عما يعتقده ويريده الناس، فالحذر عندهم هو غياب في الإرادة والغالبية في البرلمان تترك تداعيات أبعد من الحسابات المحلية".
وأوضح المتحدث نفسه، خلال
مقاله، أن "ما حدث هو أن أوباما قاد المنطقة للاعتقاد أن الضربة العسكرية هي ثمن استخدام الأسد للسلاح الكيماوي. والتراجع لم يكن قرارا غير عقلاني، لكنه وكاميرون لم يحضر الرأي العام له، ولهذا جاء التنازل بمثابة صدمة وترك نتائج خطيرة ودائمة".
إلى ذلك، يتذكر جينكينز، خلال
المقال نفسه، أنه "كان في جدة، ذلك الأسبوع، واعتقد مع صديق له يعمل في الأمم المتحدة أن الهجوم بات قريبا، وكذا مقر الأمم المتحدة في نيويورك التي كانت تريد إخراج مفتشيها من دمشق. وكذلك السعوديين الذين مشوا منتصف الطريق ووافقوا على الضربة. وظلوا حتى اللحظة الأخيرة ينتظرون مكالمة من كاميرون للملك تخبره بالتفاصيل، ولم تأت المكالمة. وعندما ظهرت الأخبار ألا شيء سيحدث فكل ما يتذكره الدبلوماسي وبشكل حي هو الغضب السعودي".
وأكد أنه "في النهاية لم تكن الضربة مصممة للإطاحة بالأسد بل واستهداف قواعده الجوية وتحييد دفاعاته لمنعه من استخدامها في حربه، وفي الأشهر التي تبعت القرار زاد النظام من استخدام البراميل المتفجرة. ورغم الصفقة الروسية- الأمريكية المشبوهة احتفظ النظام السوري بقدراته لاستخدام الكلور في عام 2017 السارين في خان شيخون".
وتابع: "بدأ قادة الخليج بالشك من قدرة الولايات المتحدة على حمايتهم أو معاملتهم باحترام. واعتقدوا أن أوباما كان واضحا في عدم موافقته لهم ومشاركة أمريكا كحكم في نزاعات المنطقة التي اتهم بعضهم أمريكا في إشعالها. وها هو يتخلى عما اعتقدوا أنها عملية مشتركة. وكانت لحظة فارقة بالنسبة لهم والبحث عن طرق لحماية رهاناتهم. ورأى أعداء الغرب في موسكو وطهران وبيجين فيها فرصة فانتهزوها".
وأردف: "كانت هناك لحظات أخرى أكدت لقادة الخليج عدم جدية أمريكا بالدفاع عنهم، مثل الهجمات على منشآت السعودية النفطية عام 2019 والصواريخ الحوثية على أبو ظبي عام 2022. وسمح لطهران بمواصلة اختطاف ناقلات النفط وبدون خوف من العقاب، وتم مكافأة طهران بجهود إحياء المعاهدة النووية الموقعة عام 2015، أما قادة الخليج فلم يحصلوا على حماية بل تم التعامل مع موافقتهم كأمر واقع. ولا شك أنهم بحثوا عن طرق لموازنة استراتيجية مع روسيا والصين، ولم يعودوا يرون أي ضرورة في التعامل مع المصالح الغربية عندما يتعلق الأمر بسوق النفط أو التعامل مع إيران والآن مع الأسد".
وكشف في
المقال نفسه، أن العديد من المراقبين يرون خطا مباشرا لما يفسره العرب والإيرانيون والإسرائيليون والروس وغيرهم الضعف الأمريكي مقارنة مع الدعم المتزايد للأسد من 2014 وما بعده ومن ثم التدخل العسكري الروسي في سوريا بطلب إيراني عام 2015. ويمكن النقاش، وربما فكرت، كما فعل الكاتب نفسه أن روسيا ربما كانت أقل نزعة للحرب في أفريقيا وفكرت مرتين قبل غزو أوكرانيا".
واستشهد بقول السفير الأمريكي السابق في دمشق، روبرت فورد، والمحلل المعروف، وسام داغر، في أن تقاعس الغرب كان سببا في تغذية عنف الإسلاميين، مردفا بالقول: "طبعا هناك أسباب بنيوية لتردد الولايات المتحدة للعب دور شرطي العالم، فقد أصبحت الدول الأخرى أكثر قوة، وتساوت تكنولوجيا الحرب الجديدة في ساحات المعركة. وعانى الجيش الأمريكي من حربين استمرت لعقدين في جنوب آسيا والشرق الأوسط. كما وتتراجع العولمة وتلقت اقتصادات الغرب ضربة قوية. وفوق كل هذا يمثل صعود الصين تحديا استثنائيا يستحق انتباه نخبة السياسة في واشنطن. لكن ثمن التدخل العسكري عام 2013 الذي تخيله الدبلوماسي مع البقية لم يكن مكلفا".
وتابع: "كان للتأكد من عدم قدرة الأسد على تعويض خسائره وكذلك دفعة جدية للتسوية السياسية. وهو ما كان يستدعي التشاور مع الناس الذين اعتقدوا أن الغرب صديقهم. وفوق كل هذا كانت هناك حاجة لطاقة سياسية، ففي غياب الغرب وجدت طهران وموسكو وبكين وغيرها فرصة. وحصل تغير في معدلات الحرارة بالشرق الأوسط وتفاخر من بوتين وخامنئي بشأن الغرب الذي لا يمكن الثقة به. ومع أن التضامن الغربي ساعد على إعادة التوازن لكن الدعم لكييف لا يزال هشا والناتو منقسم وهناك انتخابات في أمريكا العام المقبل. وعبر عن أمله بالتصرف بنفس العزم عندما يتعلق الأمر بتايوان".