عديدة
هي التحديات التي تواجه دولة
الاحتلال من داخلها، لم تتوقف عند الانقلاب القضائي، أو
تزايد المطالبين بالهجرة للخارج، فضلا عن ارتفاع معدلات رفض الخدمة العسكرية في صفوف
الجيش، حتى أضيف إليها تحدّ من نوع جديد يتمثل في تقسيم دولة الاحتلال ذاتها إلى دولة
علمانية ليبرالية وأخرى دينية محافظة، بزعم أنه "إذا بقي اليهود معاً، كل اليهود،
بكل توجهاتهم وأفكارهم، فإنهم سوف يهلكون جميعاً".
عومر
كوفتشيبيسكي مراسل صحيفة "
معاريف"، ذكر أن "الكثير من المسوغات تبرر تقسيم الدولة إلى عدة دويلات في ضوء ما واجهته "القبائل الإسرائيلية"
من صعوبات وخلافات داخلية، بما فيها المنافسات والحروب بين الأشقاء، وحتى تقسيم إسرائيل
ذاتها في قرون سابقة إلى مملكتين: يهوذا الجنوبية، وإسرائيل الشمالية. وقد مرّ 2951
سنة على هذا
الانقسام، ويبدو أن الشعب اليهودي لا يزال يجد صعوبة في الحفاظ على مجتمع
موحد. ولعل تصويت الكنيست الأخير أعاد إشعال النقاش حول تقسيم الدولة إلى جزأين منفصلين
على خلفية التوترات المتزايدة بين الكتل السياسية".
وأضاف
في تقرير ترجمته "عربي21" أنه "في حين تبدو هذه الفكرة بالنسبة لمعظم
الإسرائيليين بعيدة كل البعد عن الواقع، فإن هناك من هو مقتنع بأنه لا مفر من تقسيم
الأرض إلى "إسرائيل الجديدة" و"يهوذا"، إما من خلال التقسيم إلى
كانتونات أو فيدرالية، أو من خلال وسائل إبداعية أخرى، وأحد من يحاولون حاليًا الترويج
لخطة التقسيم هذه هو نيتسان عاميت من مستوطنة جفعاتيم، وهو مؤسس "حركة الانفصال"
التي صاغت خطة من خمس خطوات للانفصال بين اليهود بالتراضي".
وأشار
إلى أن "عاميت، وهو خريج المدرسة العسكرية الداخلية للقيادة، والضابط في المظليين،
وقد سبق له أن أسس منظمته بعد أن توصل إلى نتيجة مفادها أن "دولة إسرائيل تسير نحو
الهاوية"، وبقدر كبير من التفكير، وعقب مشاركتي في المجالات السياسية والاقتصادية
والأمنية لسنوات عديدة، فإننا في النهاية نرى ما يحدث اليوم في المجتمع الإسرائيلي،
مجتمع ممزق بالكامل، والحلّ يتم اقتراحه بالفصل إلى دولتين: واحدة ليبرالية تفصل بين
الدين والدولة، وأخرى ذات طبيعة أكثر محافظة دينية".
وكشف
قائلا إنه "بحسب خطة التقسيم التي اقترحتها الحركة، فإن "إسرائيل الجديدة"
تشمل مرتفعات الجولان والجليل الأعلى ومعظم مدن السهل الساحلي، بما في ذلك حيفا ونتانيا
وتل أبيب وريشون لتسيون، وسيكون مجموع سكانها 5.5 مليون نسمة، على أن تكون بقية البلاد
تحت سيطرة "دولة يهوذا"، حيث يعيش سكان القدس وبئر السبع وبني براك وأشدود
وبيتاح تكفا وعسقلان".
وأكد
أن "خطة تقسيم إسرائيل تتضمن خمس مراحل، أولها إقامة تحالف للمدن الليبرالية من
أجل توحيدها تحت مظلة واحدة، وإنشاء هيئة إدارية وتشريعية تلزم أعضاء المنظمة بسياسة
معينة؛ واعتراف الكنيست القانوني بسلطة البرلمان للتنظيم الليبرالي كهيئة تشريعية ثانوية، بإنشاء كانتونات إقليمية مع برلمان محلي وحكومة إقليمية واستقلال شبه كامل في جميع الأمور
المتعلقة بالسياسة الداخلية. وأخيراً الانقسام إلى دولتين، وفي النهاية سنصل إلى فصل
كامل، عندما تكون كل منطقة قادرة على تحديد الدولة التي تنتمي إليها".
وأوضح
أن "كل منطقة لها دستورها وقواعدها الخاصة، وبموجبها ستعيش الدولتان اليهوديتان
في سلام مع بعضهما مع تحالف دفاعي بينهما، وستفتح الحدود على غرار الحدود بين الولايات
المتحدة، بحيث تكون إسرائيل في هذه الحالة فيدرالية، وليست مركزية، لأن المركزية تخلق
انقسامات في المجتمع، وبالتالي فإنه في منطقة الجليل، حيث يوجد تركيز سكاني أعلى للفلسطينيين،
سينشأ نوع من الحكم الذاتي، وسيتم التعامل مع الجميع بموجب نفس الدستور".
وأشار
إلى أن "هناك أوجه قصور تحيط بخطة التقسيم هذه، أولها ضرورة الحصول على موافقة
الطرفين اليهوديين في هذا الشأن، فهناك العديد منهم لا يهتمون بحدوث هذا التقسيم، ويجدون
صعوبة معه، لكن ما يجب أن يكون واضحًا أننا اليهود إذا بقينا معًا فسنهلك، وفي النهاية
ستكون عملية تدريجية هنا.. صحيح أن اليهود لا يحبون التغييرات، ولكن في كثير من الأحيان
يجب قبولها، وعندما يحدث ذلك بشكل تدريجي يكون الأمر أكثر راحة. وبمجرد فصل الجانبين،
سيحدد كل طرف شكل نظامه القانوني، وأين يوجه موارده الاقتصادية".
وأكد
أنه "بالنسبة للكثافة السكانية في دولة "إسرائيل الجديدة"، فإن من المتوقع
أن يعيش السكان هناك أكثر من ولاية "يهودا" التي ستسيطر على مساحة أكبر،
وستكون هذه دولة كثيفة نسبيًا، لكن علينا تذكر أننا في الواقع الحالي نعيش بالفعل في
هذه الكثافة، ليس الأمر وكأننا ننقل فجأة الكثير من اليهود من النقب إلى تل أبيب، مع
العلم أن الكثافة ليست بالضرورة أمرًا سيئًا، فهناك دول أكثر كثافة من إسرائيل تتمتع
بمستوى معيشة أعلى مثل هولندا وسنغافورة على سبيل المثال، لأنه ستظل هناك مساحات
مفتوحة".
وكشف
أن "ردود الفعل التي تلقتها الحركة حول برنامجها التقسيمي لافتة، فهناك قفزة مجنونة
في عدد المتابعين لصفحاتنا على شبكات التواصل. معظم اليهود الذين سمعوا عن البرنامج
داعمون للغاية.. تلقيت مئات الرسائل من يهود يريدون التطوع والتبرع، ويخبروننا حقًا
أنهم انتظروا هذا الشيء، واتصل بنا عدد من قادة الرأي العام، مهتمون جدًا بالنموذج،
بما في ذلك كبار المسؤولين في الاقتصاد. ورغم أننا حركة موجودة منذ عدة أسابيع فقط،
لكن إذا نظرت إليها قبل شهر، كنت سترى أقل من ألف يهودي، لكننا بصدد بناء خطة عمل تشمل
المؤتمرات، وتجنيد النشطاء، ومناشدات لعامة الناس وصناع القرار".
يأتي
الكشف الإسرائيلي عن هذه الحركة السياسية الجديدة، ودولة الاحتلال تظهر أشدّ انقسامًا،
وأخفّ التصاقًا بمبادئها التأسيسية التي بدأت تجد طريقها إلى سلة المهملات. وأصبحت
توصف بالمزيد من الأوصاف والنعوت التي لا تبتعد في مجموعها عن الأكاذيب التي لا بد
من دفنها جميعًا في قبر واحد، لأنها وصلت بالفعل إلى حالة من الموت السريري، وسط فشل
الإسرائيليين في إدارة الصراع الإسرائيلي-الإسرائيلي.