تناولت
صحيفة "
لوموند" الفرنسية الوضع اللاإنساني الذي يعاني منه
المهاجرون من
جنوب الصحراء الذين طردتهم السلطات
التونسية ليواجهوا مصيرًا مجهولًا في صحراء تونس.
واستعرضت
الصحيفة، في تقرير ترجمته "عربي21"، قصص هؤلاء المهاجرين ومعاناتهم وحالة
اليأس التي يعيشونها ومن بينهم مهاجر من سيراليون يدعى صموئيل (اسم مستعار) يبلغ من
العمر 25 سنة لم يستوعب بعد سبب طرده وعائلته من قبل السلطات التونسية: "لماذا
ألقوا بنا أنا وزوجتي وعدة مئات من المهاجرين في هذه المنطقة العسكرية المتاخمة للحدود
الليبية والبحر الأبيض المتوسط، في الخامس من تموز/ يوليو، دون ماء أو طعام؟ لماذا
تركونا في الصحراء؟ لماذا رحّلونا؟ لماذا ضربنا الحرس الوطني؟ لماذا أتلفوا جواز سفري؟
لماذا لا يمكنهم استخدام الطائرات لترحيلنا؟ إنهم يريدون قتلنا".
روى
هذا المهاجر، جالسًا على شرفة أحد المقاهي في مدنين جنوب شرق تونس، الجحيم الذي مرّ
به. وقد أصرّ هذا الشاب على إظهار الندوب على جسده، إذ كانت ساقه مغطاةً بالكدمات نتيجة
تعرّضه للضرب بهراوة من قبل أحد أفراد قوات الأمن التونسية، وكانت الخدوش منتشرة على
ذراعيه وجذعه نتيجة الأسلاك الشائكة التي كان عليه المرور عبرها لجلب مياه الشرب من
الأراضي الليبية بعد أن عجز عن الحصول عليها على هذا الجانب من الحدود، هذا إلى جانب
الخدوش الأخرى على باقي جسده جراء النوم على الأرض لعدة ليال.
أما
زوجته مرياما، البالغة من العمر 18 سنة، فتخفي ألمًا من نوع آخر: "لقد عانينا
كثيرا هناك. كنت حاملا وفقدت الجنين بسبب نقص الماء والطعام. ضربني الحرس الوطني أنا
وأخواتي وأولادي". ورغم الصدمات التي تعرض لها الزوجان، إلا أن نجاتهما كانت معجزة،
بينما لم يستطع آخرون إنقاذ أنفسهم من هذا الجحيم. ففي 19 تموز/ يوليو عثر حرس الحدود
الليبيون على جثتين هامدتين لسيدة مهاجرة وابنتها، نشر صورتهما الصحفي أحمد خليفة على "تويتر".
اكتشافات
مروعة
أشارت
الصحيفة إلى أن صورة ضحايا هذا الجحيم وسياسة الهجرة في تونس بدعم من الاتحاد الأوروبي
تشهد على حجم الأزمة الإنسانية على الحدود التونسية. وفي الأيام الأخيرة، استمرت الاكتشافات
المروعة، إذ عُثر على ما لا يقل عن خمس جثث أخرى في طقس تتجاوز فيه درجات الحرارة الـ40 درجة مئوية، لتتحول الصحراء تدريجيًا إلى مقبرة جماعية. ومنذ الرابع من تموز/ يوليو،
شنّت السلطات التونسية حملات واسعة النطاق لاعتقال وترحيل المهاجرين من مدينة صفاقس
إلى الدول المجاورة. ولكن ألقي بهم في مناطق صحراوية دون ماء أو طعام.
نقلت
الصحيفة عن سليمان، وهو شاب يبلغ من العمر 30 سنة، من نيجيريا: "لم يكن لدينا
طعام أو ماء. لم نتمكن من الذهاب إلى ليبيا. لم يكن هناك طعام وكنا جائعين للغاية!
كنا نصرخ طلبا للمساعدة لكن التونسيين كانوا يرموننا بالغاز المسيل للدموع". وقال
مهاجر آخر من غامبيا يدعى الحاجي، يبلغ من العمر 24 سنة: "لقد أخذ الشرطة والحرس
الوطني أموالنا وهواتفنا. لم يرغبوا في أن نسجل مقاطع فيديو ونشاركها، لكن البعض تمكن
من الاحتفاظ بهواتفهم وفيديوهاتهم".
يتم
إيواء هؤلاء المهاجرين الآن في مبنى المنظمة الدولية للهجرة أو في دار الشباب. ويفترش
آخرون الأرض في مخيم قريب، بينما لا يزال آخرون أوقفتهم السلطات في مستودع بالمنطقة
الصناعية في ضواحي المدينة يعيشون ظروفا يرثى لها.
تطرقت
الصحيفة إلى قصة مرياما التي تحدثت عن محنة لا نهاية لها قائلة: "الأيام القليلة
الماضية لم تكن سهلة على الإطلاق. أريد فقط أن أعود الآن إلى صفاقس". لقد تغير
كل شيء بالنسبة لها ولزوجها في هذه المدينة، التي تعد ثاني أكبر مدينة في البلاد، والتي
ابتليت بالتوترات الشديدة بين السكان المحليين والمهاجرين من جنوب الصحراء.
تمزيق
جوازات السفر
بعد
تعرضهما لهجوم عنيف في شقتهما من قبل مجموعة من التونسيين مساء الرابع من تموز/يوليو،
ذهب صموئيل ومرياما إلى مستشفى الحبيب بورقيبة حيث اتصلت بهما الشرطة التي قالت إنها
تريد نقلهما إلى بر الأمان، لكنها في الواقع قامت باعتقالهما وترحيلهما. يتذكر صموئيل
ما حدث قائلا: "في الصباح، وضعونا مع 100 شخص في حافلة متجهة إلى الحدود التونسية
الليبية. كان هناك حوالي خمس حافلات في ذلك اليوم، وحوالي 600 أو 700 شخص".
حاول
الزوجان جاهدين إبراز جوازي سفرهما لإثبات أن وضعهما قانوني. وعند وصولهما بالطائرة
من غينيا في أوائل حزيران/ يونيو، دخلا تونس بشكل قانوني دون الحاجة إلى تأشيرة. لكن
هذه الاعتبارات لا تهم قوات الأمن التي "مزّقت" جوازات السفر. ويحمل صموئيل
في يده ما تبقى من وثائق. وبحركة من إبهامه، كان يتنقل بين أوراق فارغة بسيطة من جوازه،
إذ يبدو أن صفحة هويته وهوية ختم الدخول في تونس قد تمزقت، وبالتالي، فلم يعد بإمكانه
إثبات هويته. وقال غاضبا: "جواز سفري مختوم لكن الحرس الوطني أتلفه. إنها جريمة!".
ووفقا
للمنظمة الدولية لمناهضة التعذيب، كان بين الذين تم اعتقالهم ثم ترحيلهم العشرات من
المهاجرين النظاميين. وعلى حد قول المديرة القانونية للمنظمة هيلين ليجي: "لقد
تلقينا صورا لجوازات السفر التي عادت قبل أقل من ثلاثة أشهر إلى الأراضي التونسية،
بالطائرة، وبالتالي فإنها لا تزال تحمل تأشيرة سارية المفعول. كان هناك أطفال وبالغون يحملون
بطاقة طالب اللجوء، وآخرون كانوا لاجئين". بالنسبة لها، فإن هذا يدل على أن الاعتقالات
تمت "على أساس التمييز العنصري وفي إطار انتهاك جميع الضمانات الإجرائية، دون
أي إخطار كتابي أو شفوي بأسباب الاعتقال".
منذ
بداية الأزمة، دعت المنظمة لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة إلى حث تونس
على تقديم المساعدة للمهاجرين. ومن جهتها، نددت منظمة هيومن رايتس ووتش "بالانتهاكات
الجسيمة" التي ارتكبتها مختلف أجهزة الأمن التونسية "ضد المهاجرين واللاجئين
وطالبي اللجوء الأفارقة". لكن السلطات ترفض أي اتهام. وفي الثامن من تموز/ يوليو،
وصف الرئيس قيس سعيّد المعلومات المقدمة حول معاملة مواطني جنوب الصحراء بأنها
"أكاذيب". وأكد أن "قوات الأمن التونسية قد وفرت الحماية لمن جاء إلى
تونس ويريد الاستقرار فيها على عكس ما يُقال".
وأشارت
الصحيفة إلى أن الرئيس التونسي كان ضيف الشرف في روما في المؤتمر الدولي للتنمية والهجرة
الذي نظمته رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني يوم الأحد 23 تموز/ يوليو. وعلى
بعد كيلومترات قليلة، تساءل البابا فرانسيس عن مصير هؤلاء الرجال والنساء والأطفال:
"أناشد على وجه الخصوص رؤساء الدول والحكومات الأوروبية والأفريقية أن يساعدوا
هؤلاء الإخوة والأخوات بشكل عاجل".