رياضة عربية

هابطون وصاعدون بفعل فاعل.. ماذا يجري للأندية الشعبية في مصر؟

نادي أسوان ممثل صعيد مصر الوحيد في الدوري الممتاز هبط أيضا إلى الدرجة الأولى- موقعه الرسمي
تعاني الأندية الشعبية والجماهيرية في المحافظات المصرية، من تراجع كبير في نتائجها وذلك بفعل أزمات أغلبها مالية، ما دفع أكثرها إلى الهبوط من الدوري المصري إلى الدرجة الأدنى، رغم تحقيق بعضها سابقا بطولات محلية وقارية.

 ومع قرب انتهاء الدوري المصري لعام (2022-2023) والذي فاز به النادي الأهلي رسميا، فقد هبط نادي "أسوان"، ممثل صعيد مصر الوحيد في الدوري الممتاز لـ5 مرات، والذي تأسس عام 1930، وحمل في البداية لقب نادي "الباشوات".

وهبط نادي "المحلة" العريق في البطولة (أنشئ عام 1936)، ممثل الدلتا ومحافظة الغربية في الدوري المصري الذي فاز به موسم (1972-1973)، بجانب كأس الاتحاد المصري (1994)، ووصل إلى  نهائي دوري أبطال أفريقيا عام 1975.

ونجت بعض الأندية الشعبية من الهبوط، أهمها النادي "الإسماعيلي" صاحب الشعبية الكبيرة التي تأتي بعد الأهلي والزمالك والذي نجا بأعجوبة، ولكن النادي الذي تأسس عام 1924، وفاز بالدوري ثلاث مرات وبطولتين لكأس مصر، ووصل إلى دوري أبطال أفريقيا 10 مرات، وأول فريق مصري يفوز ببطولة قارية عام 1969، يظل مهددا بعدم دفع مستحقات لاعبيه وإدارييه.

تلك الحالة تنطبق على ثاني أكبر أندية مصر الشعبية وهو نادي الزمالك، حيث يواجه أزمة مالية كبيرة دفعته لبيع أفضل لاعبيه خلال الموسم، وعرض بعض أصوله للبيع بقيمة مليار و900 مليون جنيه، وفق بعض المواقع الرياضية المحلية. حتى النادي الأهلي الأعرق عربيا وأفريقيا وصاحب التاريخ والبطولات والذي يواصل حصد المحلية والقارية والعربية والدولية منها، فقد حققت ميزانيته خسارة مالية تهدد أنشطة النادي.

وبحسب ميزانية النادي الأهلي للعام المالي (2021-2022)، فقد واصل نشاط كرة القدم في النادي، خسائره التي ارتفعت إلى 217.5 مليون جنيه بإيرادات قيمتها 442.5 مليون جنيه، ومصروفات 660 مليون جنيه.

"دعوات لبيع مريب"
وإزاء أزمة الأندية الشعبية يطالب البعض بدخول مستثمرين مصريين وعرب لشراء تلك الأندية. وفي أيار/ مايو الماضي، قدم الإعلامي الرياضي المصري مهيب عبدالهادي، دعوة عبر فضائية "إم بي سي مصر"، طالب فيها بطرح الأندية المصرية الحكومية للبيع وخاصة النادي الأهلي، مقابل ملياري دولار.

ويتم تداول أنباء حول توجه رجل الأعمال الإماراتي صاحب الاستثمارات الواسعة في مصر خلف الحبتور، (74 عاما) لشراء الزمالك، وهو الأمر الذي أثار جدلا واسعا.




البعض أعلن عن مخاوفه الكبيرة على مستقبل النادي الشعبي المصري الثاني، معتبرا أن كل ما يحدث لنادي الزمالك مخطط له بعناية لبيعه قريبا لمستثمر إماراتي.


"منتشون منتعشون"
وعلى الجانب الآخر، تنتعش أندية غير شعبية ولا تمتلك أية جماهيرية أو حضور في الشارع الرياضي والكروي، مثل "طلائع الجيش" و"حرس الحدود" التابعين للجيش ونادي "الداخلية" التابع لوزارة الداخلية.

وهناك نادي "فيوتشر" الوافد الجديد للدوري المصري عام (2021-2022)، ورابع الدوري هذا العام، والمشارك في الكونفيدرالية الأفريقية والذي استحوذ على نادي "كوكاكولا" قبل عامين، ويظل لافتا أنه تابع لحزب "مستقبل وطن" الذراع السياسية لرئيس النظام عبدالفتاح السيسي.

كما أن هناك شركات البترول والأدوية والسيراميك والمقاولارت والبنوك التي تمتلك على التوالي أندية "إنبي، وفاركو، وسيراميكا كليوباترا، والمقاولون العرب، والبنك الأهلي".

بجانب أندية رجال الأعمال المصريين والعرب مثل "سيراميكا كليوباترا" المملوك لرجل الأعمال محمد أبوالعنين، و(زد) الصاعد للدوري الممتاز للمرة الثانية العام القادم، والتابع لعائلة ساويرس.

ونادي"بيراميدز"، ثاني الدوري العام والمشارك بالكونفيدرالية الأفريقية العام الماضي وببطولة أفريقيا العام الجديد، والذي اشتراه السعودي تركي آل الشيخ عام 2018، وهي جميعها أندية غير شعبية، منتعشة بالمال.

"منع الجماهير"
مراقبون ومحللون أكدوا لـ"عربي21"، أن أزمة الأندية الشعبية تفاقمت مع منع الجماهير من حضور المباريات في الاستادات، طوال السنوات الماضية ما حرم الأندية من دخل كبير ومن زخم النقل التليفزيوني والإعلانات خلال المباراة.

وفي تقديره لحجم الخسائر المترتبة على تراجع وهبوط الأندية الشعبية والجماهيرية في مصر، وعجزها عن توفير اللاعبين والإداريين، قال الكاتب الصحفي والناقد الرياضي، زغلول صيام، إنها "خسائر عظيمة بالطبع"، لافتا إلى الجانب المالي من الخسائر.

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "عصب كرة القدم هو الجمهور"، مشيرا لدور الجماهير في الدعم المالي للأندية "سواء عبر شراء تذاكر حضور المباريات، أو تحديد سعر الإعلانات في مباريات الفريق".

"التعامل الأمني"
ولا تسمح السلطات الأمنية إلا بحضور جماهيري باهت في بعض المباريات، وحضور جماهيري قليل جدا في المباريات القارية وتلك التي يكون منتخب مصر طرفا فيها. وكثيرا ما تقوم قوات الأمن المصرية بفرض الرقابة الأمنية على الجماهير في استادات كرة القدم المصرية، وكشفت العديد من مقاطع الفيديو اعتقال بعض الجماهير لمجرد هتاف أو حمل البعض علم دولة فلسطين.



ومنذ ثورة يناير 2011، ومشاركة روابط الأندية الجماهيرية بها، وخاصة "أولتراس أهلاوي"، و"ايت نايتس"، فإن هناك حالة من العداء بين النظام الأمني في مصر وتلك الروابط التي شارك بعضها ضد الانقلاب العسكري في مصر، ما دفع النظام إلى التخلص منها بحلها.

وقبل اتخاذ النظام المصري قرارات منع وتقييد للجماهير واعتقالهم من المدرجات، فإنه تم اتهامه بارتكاب مجازر بحق الجماهير، خاصة في "استاد بورسعيد" شباط/ فبراير 2012، واستاد "الدفاع الجوي"، في نفس الشهر من عام 2015.

"ملامح الأزمة والحل"
وفي رؤيته، لأزمة الأندية الشعبية في مصر، قال الحكم الدولي السابق والناقد الرياضي ناصر صادق، لـ"عربي21"، إن "الاحتراف قلب كرة القدم لسوق حر واستثمار لا يفرق بين نادي شعبي وآخر، لأنه يحتاج مبالغ ضخمة جدا".

وأضاف: "حدثت طفرة بدخول رؤساء شرفيين لبعض الأندية، وكانت أول صفقة قلبت الكرة المصرية للاعب عبدالله السعيد، حين اشتراه الأهلي بنحو 40 مليون جنيه، والآن تصل تعاقدات نادي بيراميدز إلى 100 مليون جنيه مع اللاعب الواحد".

ويرى أنها "صفقات لا يقدر عليها سوى الأندية التي تضخ فيها أموال كبيرة"، موضحا أن "المكاسب والأرباح لا تكفي أي ناد، لأن الحضور الجماهيري والبث التليفزيوني أهم الموارد، فالجمهور فتيل يشعل كرة القدم بالملعب وخارجه. المباريات دون جماهير صامتة مثل أفلام شاري شابلن تفقد كثيرا من الزخم".

صادق، أكد أن "الأندية الشعبية تخسر كلما زادت لغة الأموال في الكرة، حيث يتقلص دورها لأنها قائمة على تبرعات محبين ورئيس النادي ورجال الأعمال بجانب مبالغ من وزارة الرياضة".

ولفت إلى أن "هناك أندية جماهيرية تتبع شركات غير ناجحة مثل غزل المحلة و’المقاولون العرب‘، الذي تراجع بعدما حصل أول عام له بالدوري على البطولة وبطولة أفريقيا في ثمانينيات القرن الماضي بسبب حجم الإنفاق الكبير له حينها مثل بيراميدز الآن".

وقال إن "الكرة المصرية تخسر كثيرا من غياب الأندية الشعبية عن الملاعب في حالة وجود الجماهير، والأندية غير الجماهيرية هي المستفيدة من غياب الجماهير، مثل بيراميدز الأكثر إنفاقا بالدوري المصري، والذي صار الأكبر قيمة تسوقية بأفريقيا، بحسب موقع ترانسفير ماركت الألماني".

وتابع: "الأندية الشعبية والجماهيرية راحت في خبر كان، ولن تعود إلا بضخ مستثمرين أموالا أو شراء حصص منها"، موضحا أن "الضحية من لا يملك أموالا سواء كان ناديا شعبيا أو غير ذلك، لأن لغة الأرقام والدولارات تتكلم". وفي نهاية حديثه لفت صادي، إلى معاناة "نادي الزمالك، كفريق كبير، ومساعدات وزارة الرياضة لن تسعفه في الأزمة"، مبينا أنه "ضد دعم الوزارة للأندية الكبيرة"، داعيا إلى توجيه "تلك المبالغ للأندية الشعبية الصغيرة ومراكز الشباب التي تخدم القاعدة العريضة للرياضة".

"هواة أو منتفعون"
وفي رؤيته قال الرياضي المصري كابتن حكيم يحي، إن "هبوط بعض الأندية الشعبية للدرجة الثانية وعدم قدرتها على مجاراة أندية الشركات يرجع لأن الأندية الشعبية تدار من قبل بعض هواة أو منتفعين لم ولن يستطيعوا مجاراة أندية الاستثمار".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أخصائي الإصابات والتأهيل الرياضي‏ لدى ‏الاتحاد الدولي لكرة القدم، أن "أندية الشركات يُضخ لها الكثير من الأموال، وتستطيع استقطاب أفضل اللاعبين والكوادر الإدارية والفنية، والتي تدار بفكر إداري جيد، لأن أموالا بلا فكر إداري لا تعطي نجاحا".

وعن ما يثار حول بيع أندية شعبية لمستثمرين عرب ومصريين أكد أن "الأمر ببساطة ينحصر تحت الاستثمار، وهو مصطلح واسع فضفاض يحتمل أي مسمى أو رؤية، مثل بيع الأصول العامة للدولة، والتطوير والتطور".

وأضاف أن "تقوية بعض الأندية للحد من توغل وجبروت النادي الأهلي المستقوي بجمهوره وكسر هيمنته على البطولات المحلية والقارية، كون بعض قيادات الدولة الحالية ذات ميول وهوى زملكاوي". وفي نهاية حديثه يوافق الرياضي المصري على الرأي القائل بأن ما يجري للأندية الجماهيرية بفعل فاعل لتقليل الزخم الشعبي والحضور الجماهيري في ملاعب الكرة.

"وضع معوج"
هبوط الأندية الجماهيرية استفز الكثير من المتابعين بينهم الصحفي أسامة الألفي، والذي قال: "5 فرق كسرت احتكار الأهلي والزمالك لبطولة الدوري ونالوا البطولة وهي: الإسماعيلي، ’المقاولون‘، الترسانة، الأولمبي، وغزل المحلة، ولم يبق منهم بالدوري سوى الإسماعيلي و’المقاولون‘ ".



الكاتب الصحفي جمال سلطان، أشار إلى خطورة هبوط الأندية الشعبية، لافتا إلى أن "هناك الآن 23 محافظة مصرية من بين 27 محافظة، لا يوجد لها فريق يمثلها في الدوري الممتاز لكرة القدم".

وأضاف: "بقي في الدوري فريق وزارة الداخلية، وفريق وزارة الدفاع، وفريق المخابرات فيوتشر، وفريق شركة السيراميك، وفريق شركة الدخان، وفريق شركة البترول، وفريق شركة المقاولات، وفريق البنك الأهلي، وفريق تركي آل الشيخ، بيراميدز".

وتساءل: "من العاقل الذي يمكنه أن يستوعب ذلك الوضع المعوج والذي يكشف عن توجه مخطط لجعل كرة القدم لعبة غير جماهيرية"، من الذي من مصلحته إبعاد الجمهور عن مدرجات كرة القدم؟".



الكاتب الصحفي محمد السطوحي، أعلن دعمه للأندية الشعبية مثل المحلة وأسوان والإسماعيلي والاتحاد السكندري، وقال: "وأي أندية شعبية تعبر عن الناس وجماهير الكرة الحقيقية في مواجهة غيلان الشركات والأحزاب والمؤسسات".

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع