مدونات

قراءة من واقع الحياة

التوحش والبقاء للأقوى، والأكثر عنفا وسادية هو الذي يسود ويهيمن.
في قراءة تحليلية عميقة لطبيعة الحياة حاليا يظهر ويطفو على سطحها اتجاه يتبناه أفراد وكيانات بشرية يهدفون من خلاله إلى إضعاف الحس الديني وبالذات لدى أتباع الدين الإسلامي، باتباع العديد من الوسائل والأساليب التي باتت تتداخل في هيكل الحياة الأساسي لأي إنسان مسلم، ومن ذلك التدخل في قوانين العائلة المسلمة، ومحاولات حرق المصحف الشريف، وشتم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ومنع ارتداء الحجاب في أي نشاط حياتي تقوم به المرأة المسلمة المحجبة، والتضييق بشتى الطرق على كل من يتبع الإسلام كدين.

تستمر هذه المساعي الهدامة لكنها باتت من حيث معدلاتها في زيادة ملحوظة منذ صعود المعسكر اليميني المتشدد لسدة الحكم في عدة دول وبلاد أوروبية، يضاف إليها معسكر اليمين الصهيوني الإسرائيلي، كلها تتحد في حلقة واحدة: العداء الكبير للإسلام.. عداء له أسباب كلها عند الاطلاع عليها مادية من صياغة البشر أنفسهم.

أتباع تلك المعسكرات المتشددة لا تفسير ولا منطق عقلانيا لها، كلها مسوغات تهدف إلى الإقصاء للآخر، وهو هنا الإنسان العربي والمسلم تحديدا. فئات بشرية تعمل على إعادة هيكلة الطبيعة الحياتية حسب أهدافها وميولها وعقولها الخَرِبة؟ المصيبة هنا لا تكمن بمثل هؤلاء الأتباع والمؤيدين لكنها تكبر ويتعاظم أثرها عندما يؤيدها ويدعمها بعض أفراد الأمة العربية والإسلامية يصبحون مريدين لها ومن المروجين لبرامجها ومبادئ خططها. حتى المسجد الأقصى الشريف كقبلة الإسلام الأولى ومعه فريضة الحج كركن إسلامي أساسي من الإسلام النبيل، أضيف إلى حلقة الكلام والنقاش والأخذ والرد.

تلك القوى الشريرة تضرب اليوم في صلب الأمور والمبادئ العربية والإسلامية في جذورها الثابتة. الهدف بيّن واضح هو لزرع الفتنة والتشكيك ومسح عقول الأجيال الناشئة، استخدموا نفس الأسلوب أول ظهور الهواتف النقالة والإنترنت كأدوات فاعلة غيّروا من خلالها كل الفكر وكل طريق الجيل العربي. هل أجيال اليوم العربية تشبه أمثالها من الشباب من نفس الجيل الذي كان قبل 30 أو 40 سنة من حيث الطبيعة والإحساس والشعور والميل والانتماء والهمة والعزيمة؟ للأسف الإجابة بالنفي، جيل اليوم استهلاكي بدرجة كبيرة وجيل الأمس كان يزرع وينتج ويفكر ويحب العلم والمعرفة. جيل اليوم تفكيره مادي بحت لا جذور قديمة لعقليته ولا لتفكيره، أغلبه ولد عند بداية التكنولوجيا الحديثة إنترنت وهواتف نقالة وشاشات عرض وتلفزة عملاقة مع مؤثرات صوتية رهيبة والقادم مذهل أكثر مع الذكاء الاصطناعي القادم.

كل هذا وغيره حتى التغيرات في قوانين الأسرة العربية وبنية التفكير للجيل العربي الصاعد له هدف واحد، هو إقصاء هذا الجيل عن دينه الإسلامي النبيل وعن مبادئه السمحة، عن جذره العربي الذي أنجز وصنع في الماضي تميزا وإبداعا لمس العالم كله والبشرية فيه ولا زالت آثاره الطيبة إلى اليوم يستفاد منها في شتى أنواع المعارف والعلوم الحياتية. أما جيل اليوم ليل نهار يخطط له ويعمل على هدمه وهو يجري للأسف دون تحليل أو توقف للتمحيص وللبيان. يأخذ كل صرعات الحياة ومستجداتها الحالية، وأتباع تلك المعسكرات يجتمعون وينسقون، هدفهم واحد ضد الإسلام النبيل وإن اختلفت دولهم وأجناسهم ومناطقهم هدفهم واحد والمستهدف واحد الإسلام النبيل بالكلية. إنه يهذب النفس البشرية ويقومها ويخفف وهج ماديتها وروحها المادية اللاهثة إلى الحياة بلا توقف أبدا.

الإسلام النبيل يروض النفس البشرية لكن تلك الفئات البشرية الهدامة ترفض الترويض، تتمرد وترى نفسها صانعة الكون وسيدته. ياه حتى خلق الكون نسوا من خلقه وأوجده، غطرسة شديدة وسادية هي بمعناها الصحيح. فيها ذلك التمرد الشديد القاسي على نظام الحياة، فيها تحد لله سبحانه خالق الكون كله صاحب الأمر فيه. هو التحليل نفسه الحياة تتجه إلى ضعف التدين مقابل العلمانية والمادية وإلغاء الدين. تفكير عقل بشري هو من يقود الحياة ويقرر مصيرها بالكلية وبالإجمال. ما هذا؟ أين علماء الشريعة والدين الإسلامي؟ أين صوتهم حجتهم بالعقل والمنطق؟ أين دورهم؟

اليوم مسار الحياة الحالي وواقعها يستدعي ويلح بطلبهم كفئات إنسانية تصلح الخلل الحاصل وتعدل الاعوجاج الكبير. دوركم اليوم يا علماء الدين الإسلامي، طبيعة الإسلام بنيانه يضعف في النفوس وتقوى مقابله نواميس الحياة المادية. متى سوف تتحركون ويظهر أثركم أيها العلماء العارفون بالدين الإسلامي، اختلط الحابل بالنابل اليوم. فئات بشرية ومنها العربي والمسلم تقول تفتح الحوارات والنقاشات عن أركان الإسلام نفسه ومبادئه الأساسية دون اختصاص ولا علم ولا معرفة منهم. كيف ذلك والجيل القادم من شباب صغار العروبة يسمع ويخزن في ذاكرته؟ عند كبره كيف سيكون الحال وما هي النتيجة؟ مرشده ودليله متكلم ومتحدث عادي، وضعيف العروبة والدين، ويهتم للظهور للبروز وللمادة فقط.

الندوات والمحاضرات والنقاشات اليوم كلها عن هذا الصراع القائم موضوعا وقصة، هذا هو ولا شيء آخر أهم. وصل الموضوع إلى أساس الدين إلى حرب علنية على الإسلام النبيل الصمت سيد الموقف إلا بعض الردود والشجب والاستنكار. استنكار ماذا؟ يريدون فريضة الحج أونلاين بالإنترنت؟ يشككون بقبلة الإسلام الأولى خدمة للصهيونية العالمية صاحبة الهيكل الوهمي. الوضع اليوم لم يعد سهلا ولا بسيطا هي حرب فكرية على الشريعة الإسلامية بالدرجة الأولى؟ أين أهلها وحماتها والمختصون فيها؟ دوركم اليوم ولا وقت للتأجيل أبدا، البداية منكم للتصحيح لإنقاذ الأجيال والنشء القادم وإلا فبوصلة الحياة هي ضعف التدين وقوة العلمانية والمادية، وبالتالي نظريات بشرية مثل نظريات هيرتزل والكل يعرف أهدافها ومسارها واتجاهاتها.

علماء الشريعة الإسلامية والعارفون بها.. اليوم ملعب الحياة لكم ظهوركم مطلب أساسي والوقت ينفد بسرعة والسرعة لا ترحم أبدا. قادم الزمن والسنين اللاحقة ستظهر النتيجة وشكل الحياة صورتها قوة التدين في النفس أو أن نهج الحياة المادي هو الأقوى. الإجابة تبقى مفتوحة ويعود السؤال الرئيس وكثير غيره من الأسئلة. كيف سيكون شكل الحياة إن ضعف الإسلام النبيل وضعف تطبيق مبادئه وشعاراته معانيها ودلائلها على الحياة نفسها.

حياة الغابة معتمة، هي قوة تلتهم الضعف، لا عطف ولا شعور نبيلا، لا تمهّل ولا تروّي، إذن التوحش والبقاء للأقوى، والأكثر عنفا وسادية هو الذي يسود ويهيمن.. ضاع العقل، انتقل الإنسان من الإنسانية إلى مصطلح مخلوق فقط، على الأرجح هذا ما ستؤول إليه الأمور وتفرزه تلك المساعي الهدّامة. خطبة حجة الوداع للرسول الأمين الصادق رسول الهداية للحياة محمد صلى الله عليه وسلم واضحة مثل وضوح الشمس ولا يناقَش أبدا بوضوحها، حيث قوله الكريم: "يا أيها الناس؛ إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً، كتاب الله، وسنة نبيه".

حديث صادق بيّن واضح مئة في المئة، فإما الجهد والتعب للاقتراب من أمر الله تعالى وإرادته للحياة وتصوره لها، كما وضح القرآن الكريم وقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بالخير للأرض وللمخلوق وللإنسان إعمارا وبناء طيبا وعملا صالحا حسب القدرة والإمكانية، وإما ما يحدث هذا الوقت وهذا الزمن من الاعوجاج والانحراف الكبير نحو غير العقل وإلغاء الصواب والمنطق، ومحاولة تسييد الحكم البشري للحياة وتثبيته حاكما لها.

هل تقبل الحياة وطبيعتها ذلك؟ يبقى البشر مخلوقات ذات إمكانات محدودة وإن ظنت العكس في ذلك. وعنه قصص كثيرة، من فرعون الذي تحدى الله سبحانه، حتى شارون زعيم إسرائيل الحديث. لمن كانت الغلبة ولمن كانت الكلمة في نهاية الرواية وقصة كل واحد منهما؟

ستبقى هي الأسئلة طالما جانب البشر العقل ومقدار الصحة والصواب.