بعد
عشر سنوات على الانقلاب العسكري الذي نفذه وزير الدفاع آنذاك، عبد الفتاح السيسي،
على أول رئيس
مصري منتخب الدكتور محمد مرسي، لا يجد
الشباب المصري بدا سوى
المخاطرة وركوب زوارق الموت للهجرة هربا من الأوضاع الاقتصادية القاسية.
وبحسب
تقرير لوكالة "فرانس برس" فإن الشباب المصري يجد نفسه بين أزمة اقتصادية
حادة وآفاق مستقبلية قاتمة، ليختار عدد متزايد منهم طريق
الهجرة غير النظامية إلى أوروبا
مخاطرين بحياتهم في عرض البحر المتوسط.
في وقت
سابق من الشهر الحالي، غرق العشرات كانوا على متن قارب صيد قبالة سواحل اليونان.
ففي 13-14 حزيران/ يونيو، غرق زورق صيد قديم ينقل عددا كبيرا من المهاجرين أبحر من ليبيا
فقضى فيه 82 شخصا على الأقل وفقد المئات، في واحد من أكبر حوادث غرق مراكب الهجرة إلى
أوروبا.
وقال
والد أحد المصريين الذين كانوا على متن القارب لوكالة "فرانس برس": "آخر مرة تحدثت فيها مع ابني كانت مساء السابع من حزيران/ يونيو، حينها قال لي
إنهم سيبحرون" بعد يومين.
وتابع
الرجل الذي طلب عدم ذكر اسمه: "أنا لا أعرف سوى أنه كان على متن قارب متجه إلى
إيطاليا كما يفعل العديد من أصدقائه في القرية"، في إشارة إلى نجله البالغ من
العمر 14 عاما.
وقال
بأسى: "لم نتوصل إلى شيء حتى الآن، ولم يتواصل أحد معنا منذ 15 يوما".
وكانت
المنظمة غير الحكومية منصة اللاجئين في مصر أشارت إلى أن من بين المفقودين في غرق المركب،
13 مفقودا من قرية النعامنة هذه في محافظة الشرقية في دلتا النيل، جميعهم من الذكور
وتتراوح أعمارهم بين 13 و35 عاما بينهم تسعة أطفال دون سن الثامنة عشرة.
وتفيد
السلطات بأن 43 مصريا نجوا من غرق المركب. إلا أن المنصة تلقت عشرات المكالمات من عائلات
الضحايا بشأن أي معلومات حولهم.
وقال
نور خليل المدير التنفيذي للمنصة إن أكثر من 40 عائلة من قريتين بمحافظة الشرقية طلبت
المساعدة.
وأنقذ
أكثر من 100 من ركاب القارب من مياه البحر، بحسب بيانات الأمم المتحدة التي أشارت إلى
أن المركب كان مكتظا بـ400 إلى 750 راكبًا بينهم أطفال ونساء.
وأوضح
خليل: "ليست لدينا أرقام محددة للمصريين الذين كانوا على متن القارب والسلطات
لم تكشف عن عدد المصريين المفقودين".
وكان
الإعلامي المصري البارز عمرو أديب قال عبر برنامجه على فضائية "إم بي سي مصر"،
إن 200 مصري تقريبا كانوا على متن الزورق.
لكن
حتى الآن لا يزال الأب يجهل مصير نجله.
وقال:
"كل ما فعلته هو الذهاب إلى (جمعية) الهلال الأحمر وقدمت لهم بياناته وأجريت تحليل
الحمض النووي لتقديم العينة لوزارة الخارجية".
هجرة
الأطفال
وأكدت
الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) في تقرير صدر في 16 حزيران/
يونيو أنه "منذ بداية العام الحالي وحتى الآن، لا يزال وسط البحر المتوسط هو الطريق
الأكثر نشاطًا إلى الاتحاد الأوروبي".
وأشارت
إلى أن "أكثر من 50 ألف عملية رصد (لمهاجرين غير نظاميين) أبلغت عنها سلطات وطنية".
إلا
أن بعض الراغبين بالهجرة ينجحون في الوصول إلى وجهتهم.
العام
الماضي مثّل المصريون واحدا من كل خمسة مهاجرين وافدين إلى إيطاليا بهذه الطريقة، بحسب
بيانات وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء، والتي أوضحت أن ثلث من وصلوا إلى إيطاليا في عام
2022 من أطفال بمفردهم أو منفصلين عن ذويهم، كانوا مصريين.
وأرجعت
الوكالة أسباب بحث المصريين عن الهجرة إلى "العوامل الاقتصادية والبحث عن عمل"،
خصوصا في ظل أزمة اقتصادية تعاني منها مصر بسبب نقص النقد الأجنبي وارتفاع معدل التضخم.
كذلك
لفتت إلى أن "من المحتمل أيضا أن يكون وضع حقوق الإنسان في البلاد عاملا مؤثرا
للعديد من المهاجرين المصريين الراغبين في السفر إلى الاتحاد الأوروبي"، مشيرة
إلى قلق المنظمات الحقوقية "بشأن القيود المفروضة على حرية التعبير، وسوء أوضاع
السجون، وحالات الاختفاء القسري".
في المقابل
تؤكد مصر أنها تقف في الصفوف الأمامية لمكافحة الهجرة غير النظامية إلى الشواطئ الأوروبية،
لكنها تحتاج إلى التمويل للاستمرار في القيام بهذه المهمة.
وكان
الرئيس الفرنسي إيمانويل وصف مصر بأنها أحد "أهم شركائها (فرنسا) الإقليميين"،
مثمنا دورها "في إرساء دعائم الاستقرار في الشرق الأوسط ومنطقة البحر المتوسط
والقارة الأفريقية، وجهودها في مكافحة الهجرة غير الشرعية"، بحسب بيان للرئاسة
المصرية بشأن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى باريس في وقت سابق من هذا
الشهر.
وأطلقت
مصر استراتيجية 2016- 2026 لـ"تجفيف منابع الهجرة غير الشرعية"، بحسب هيئة
الاستعلامات المصرية.
ومنذ
العام 2016 لم يبحر أي مركب على متنه مهاجرون غير نظاميين من السواحل المصرية.
في آب/
أغسطس 2022، أعلنت المفوضية الأوروبية عن تمويل قدره 80 مليون يورو لمصر من أجل
"إدارة الحدود"، خصوصا عمليات "البحث والإنقاذ ومراقبة الحدود البرية
والبحرية".
'عسكرة
الحدود ليست حلا"
ورأى
خليل أن "عسكرة الحدود ليست حلا"، مشيرا إلى أن ما يحدث الآن هو "انتقال
المعضلة (إلى مكان آخر)، المصريون الآن يعبرون إلى ليبيا"، لبدء رحلتهم من الساحل
الليبي.
وكانت
بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أعربت في 12 حزيران/ يونيو عبر بيان عن "قلقها
إزاء الاعتقال التعسفي الجماعي للمهاجرين وطالبي اللجوء، حيث اعتقلت السلطات الليبية
آلاف الرجال والنساء والأطفال من الشوارع ومن منازلهم أو في أعقاب مداهمات لما يزعم أنها مخيمات ومستودعات للمُتاجرين بالبشر".
في هذا
الصدد أشار خليل إلى تشديد "العقوبات المفروضة على المهربين وما يمتلكه خفر السواحل
من أسلحة"، وعدم تمكن المراقبين الحقوقيين من الوصول إلى هذه المناطق.
ورأى
أن رحلات الهجرة ستستمر "ما دام الجيل الجديد غير قادر على التعبير عن رأيه أو
فتح آفاق اقتصادية في مصر".