قال دنيس روس، مستشار الرئيس الأمريكي السابق باراك
أوباما، إن دخول
السعودية عالم
الغولف، يفوق الأبعاد الرياضية، ويتعداها إلى مسائل
استراتيجية تتعلق بمستقبل البلاد.
وأوضح في مقال له بموقع
معهد واشنطن، أن الصفقة السعودية
الرياضية البارزة، تحمل في طياتها تداعيات أوسع على عملية التطبيع مع إسرائيل،
والانتشار النووي، والحداثة في السعودية.
وشكلت الأخبار عن موافقة "رابطة لاعبي الغولف
المحترفين" في الولايات المتحدة وبطولة "دي بي ورلد" في أوروبا
ورابطة "ليف غولف" على الاندماج والدخول في مشروع تجاري كبير مع
"صندوق الاستثمارات العامة" السعودي، صدمة في عالم الرياضة بحسب روس.
وقال إن الأمر لا يتعلق بـ "الغسل الرياضي"،
كما يسارع بعض النقاد في الاتهام، بل بتصوير السعوديين على المسرح العالمي كرواد
في الرياضة، وصحيح أن هذه الخطوة قد تؤثر في صورة السعودية دوليا، لكن الأمر
يتجاوز مسألة الصورة إلى حد بعيد.
ولفت إلى أن السعودية تروج رياضة الغولف في إطار نهج
أكبر يهدف إلى جعلها وجهة سياحية، فالسياحة هي إحدى ركائز برنامج التحول الوطني،
المعروف أيضا بـ"رؤية السعودية 2030"، وهي خطة مصممة لتنويع الاقتصاد وتحديثه
والحد من اعتماده على البتروكيماويات، ويعد التعدين والطاقة النووية المدنية
وتطوير مصادر الطاقة المتجددة جزءا من اقتصاد يفترض أن يكون مختلفا تماما ورياديا
وموجها رقميا أيضا، ويكمن الهدف من ذلك في تحديث الدولة وجعل القطاع الخاص محركا
للاقتصاد وليس الحكومة.
وقال إنه من اللافت
بشكل خاص اعتماد السعودية على السياحة لتصبح مستقبلا محركا من محركات هذا الاقتصاد
الجديد، وتعكس هذه الخطوة أحد أهم التغييرات التي تشهدها المملكة، في الماضي، وشكلت
السياحة وكل ما من شأنه إضفاء تأثيرات أجنبية على المملكة تهديدا بنظر النظام
الملكي السعودي والمؤسسة الدينية التي ارتبط بها.
وتابع: "لكن هذا الزمن ولى فاليوم، تروج المملكة
الموسيقى، التي كانت تعتبرها رذيلة أو ملذة قد تلهي المرء عن الصلاة، من خلال
الحفلات الموسيقية التي تجذب مئات الآلاف من الأشخاص من داخل المملكة وخارجها، ومع
ازدهار دور السينما وتنظيم سباقات الفورمولا 1 وبطولات الغولف الاحترافية وبناء
المنتزهات الترفيهية، أصبح الترفيه جزءا من السعودية الجديدة، وكذلك الاختلاط
الاجتماعي بين الشبان والشابات، وهي ظاهرة غير مألوفة على الإطلاق لكل من زار
البلاد في الماضي".
ولا تقتصر المسألة على السماح للمرأة بالقيادة فحسب، بل
تتخطاها بأشواط، فقد أُلغيت قوانين الولاية على المرأة التي كانت تمنعها من السفر
بمفردها، وامتلاك حساب مصرفي خاص بها، وتأسيس شركة تجارية، وامتلاك العقارات،
والطلاق، إذ يتعذر تحديث الاقتصاد إذا أُقصيت المرأة منه.
وهذا هو بيت القصيد. شهدت المملكة العربية السعودية على
مدى السنوات الماضية ثورة اجتماعية واقتصادية. فقد استحوذ قتل الصحافي جمال
خاشقجي، الذي كان عملًا شائنًا لا أخلاقيًا ينم عن أقصى درجات الغباء، على انتباه
الجزء الأكبر من المؤسسة السياسية الأمريكية، وأثر في نظرتها للمملكة وولي العهد.
فقد أسرت الجريمة بطبيعة الحال انتباه المؤسسة، ولكنها حالت أيضًا دون التفكير في
نطاق التغيير الذي تشهده المملكة العربية السعودية وتداعياته إلا من قبل قلة قليلة
أذنت لنفسها بذلك.
وقال روس: إن "ولي العهد السعودي لا يقود هذه
التغييرات لاسترضائنا أو استرضاء أي طرف آخر، بل إدراكا منه أن السعودية تحتاج إلى
تنويع اقتصادها الذي يعتمد على مورد سينضب مع مرور الوقت. فهو ليس ديمقراطيا، لكنه
ووزراءه يقودون ثورة اجتماعية واقتصادية من القمة إلى القاعدة، ويحظى التحرر الاجتماعي
بتأييد شعبي بين السكان، علما أن الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا يشكلون 67 في
المئة من السكان".
ولفت
إلى أن ابن سلمان، فهم أن الوهابية، "هي
نسخة أصولية متشددة وغير متسامحة من الإسلام، ولم يعد بإمكانها تشكيل مصدر الشرعية
إذا ما أريد تحديث المملكة، ولا يمكن للوهابية أن تحدد المملكة من الداخل أو أن
تكون صادر المملكة الرئيسي إلى الخارج. فجعل القومية والتحديث، وليس الوهابية،
مصدر الهوية والشرعية في المملكة حاليا".
وقال
روس، إن هذه الخطوة كان لها تداعيات واضحة، فالسعودية اليوم، تدحض الأيديولوجيا،
التي ارتكز عليها تنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة، والمسؤولون عن الجزء الأكبر من
"الإرهاب"، ولم تعد تمولها، لكنه أشار إلى أن السعوديين أصبحوا أكثر
حزما، ونقل عن مسؤول سعودي قوله، إن "زمن تقديم الخدمات للولايات المتحدة
ولى، فحين تطلبون منا خدمة نطلب مقابلها خدمة".
وأشار إلى أن السعوديين سيعملون بما
يخدم مصالحهم. فهم لن يغيّروا علاقتهم مع الصين، وهي أكبر شريك تجاري لهم،
لإرضائنا. ولكنهم يدركون أيضًا أنهم إذا واجهوا تهديدات حقيقية، فالصين لن تنقذهم،
فهم ما زالوا يعتقدون أن الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على إنقاذهم.
ويسمح لنا ذلك بتحديد مجالات معينة، مثل شبكات الهاتف
المحمول اللاسلكية العالية السرعة، قد يهدد فيها التعاون بين السعودية والصين
أمننا وقدرتنا على مساعدة السعودية.
وعلى صعيد التطبيع مع الاحتلال، قال روس، إن
الولايات المتحدة، تتوسط بذلك، وإذا رأى ابن سلمان أن التطبيع سيخدم مصالحه،
فسيقدم عليه، مقابل ثمن على الأمريكيين دفعه في المقام الأول، ليس الإسرائيليين،
ويتعلق بالتزام أمريكي رسمي تجاه أمن السعودية، والوصول إلى أسلحتنا الأكثر تطورا،
وشراكة أمريكية في الصناعة النووية السعودية، لتكون المملكة مورد وقود للمفاعلات
النووية.
وشدد
على أن التطبيع السعودي مع الاحتلال، سيغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط وخارجه،
وسيدفع دولا عربية سنية أخرى إلى إقامة علاقات تطبيع، ويشجع دولا مثل إندونيسيا
وماليزيا للتطبيع، وهو ما لن يحل القضية الفلسطينية، لكن السعوديين سيرغبون في
إجراءات إسرائيلية تجاه الفلسطينيين، تهدف إلى الحفاظ على إمكانية إقامة الدولتين.
وقال إنه يمكن تحديد الشراكة النووية التي يسعى إليها
محمد بن سلمان، على نحو يرسخ الوجود الأمريكي في البنية التحتية النووية ويوفر
ضمانات لمنع أي انحراف تجاه أغراض غير مدنية أو عسكرية.
وأوضح أنه في حال شهدت صناعة النووي في السعودية شراكة
مع الولايات المتحدة، فستعالج مخاوف السعودية بشأن الحاجة لضمانات أمنية أمريكية،
ورغم ذلك فالسعوديون سيطورون هذه الصناعة معنا أو بدوننا، والصينيون يتمنون أن
يأخذوا مكاننا، ولن يعيروا اهتماما للضمانات المصممة من أجل عدم تحول البرنامج
المدني إلى عسكري.