قال نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق، الدكتور جواد العناني، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إن حفل زفاف ولي العهد الأردني، الأمير الحسين بن عبد الله، كان بمثابة "تجهيز له
من أجل حكم البلاد، وحتى تتعرف عليه الأجيال الصاعدة"، منوها إلى أنه بات
مؤهلا لحكم الأردن في المستقبل.
وأشار العناني
إلى أنه "من المبكر جدا الحديث في موضوع انتقال المُلك بالأردن، وهناك شائعات
كثيرة، والسبب فيها أن
الملك عبد الله معني بأن يشارك ابنه، ويدربه على
الحكم، لذا فإننا نجد مَن يقول إن جلالة الملك يفكر في تسليم ابنه الإدارة -كما حصل مثلا في دولة
قطر أو غيرها- لكني لا أعتقد حدوث ذلك في الأردن".
وقال نائب
رئيس الوزراء الأردني الأسبق، إن "الأمر
الطبيعي في بلادنا هو استمرار الملك ملكا حتى نهاية عمره، ونأمل أن يكون الملك
عبدالله إن شاء الله صاحب عمر طويل، وأن يتسلم ابنه الإدارة والأمور هادئة".
والأمير الحسين
(29 عاما) هو ولي عهد الأردن منذ تموز/ يوليو 2009، وهو الوريث الشرعي لعرش
المملكة، وفقا لما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 28 في الدستور.
وحول التجربة
الإصلاحية الراهنة في الأردن، أكد أن تلك التجربة "أخذت طريقها للتطبيق؛ فقد
كانت هناك عدة محاولات سابقة في عهد الملك عبدالله الثاني، وكثير منها بقي في إطار
التنظير، بينما الآن يحدث العكس. ولا مانع من تصويب المسيرة إذا اكتشفنا أن هناك
أخطاء، أما المسيرة فيجب أن تستمر".
وهاجم مشروع القانون
الإسرائيلي الذي يهدف إلى تقسيم المسجد
الأقصى وإنهاء الوصاية الأردنية عليه،
قائلا: "هذا القانون مُخالف لكل الأعراف الدولية، والحكومة الحالية في
إسرائيل حكومة متطرفة، وتخالف كل القوانين والأعراف الدولية. لذا، فقرارها قرار
مذموم، ومدحور بإذن الله، ولا نقبل به على الإطلاق".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
بعض وسائل الإعلام الدولية قالت إن زفاف ولي العهد الأردني
لم يكن زواجا ملكيا عاديا، وكان تقديما للملك القادم إلى الشعب.. فهل استهدف زفاف
الأمير حسين تقديم الملك الجديد للأردن؟
كثرت الشائعات حول هذا الموضوع؛ ففرح الأمير أو ولي العهد أو الملك
القادم.. عادة ما يداعب خيال الناس بكثير من القصص حول العالم، لكن فرح الأمير
الحسين بن عبد الله الثاني تفاعل معه الأردنيون بشكل كبير، وفرحوا معه وبه، والسبب
في ذلك أنه كان زفافا أردنيا أصيلا، فكان أردنيا في احتفالاته، وأغانيه، وإخراجه،
وبمشاركة بعض الفنانين العرب، لذلك فقد شعر الناس بأن هذا الأمير منهم.
والرسالة الثانية موجّهة للأجيال القادمة التي سيحكمها الأمير الحسين
متى ما تولى زمام الحكم بعد عمر طويل لوالده، فلذلك كان الحفل تجهيزا له للمستقبل،
وحتى تتعرف عليه الأجيال الصاعدة.
هل الأمير حسين يمارس أدوارا ملكية بشكل متزايد؟
لا، وإنما تُنمى قدراته، ويُعطى الفرص باستمرار، فكان أولا يحضر مع
جلالة الملك في معظم الاجتماعات المهمة، والاجتماعات الأساسية حتى يكون مستوعبا
لما يجري وما يدور، كما أنه يُكلف ببعض الملفات، كالتعامل مع الشباب على سبيل المثال،
ومتابعة ما يجري في العقبة، لأن العقبة هي ميناء الأردن الوحيد.
كما أنه يتابع أداء دور الشباب وتمكينهم وتحفيزهم حتى يصبحوا رجال أعمال
بدلا من "باحثين عن وظائف" وهكذا، فهي مهمة أساسية، وهو مضطلع بهذا
الدور في الوقت الحالي.
وما تقييمكم لأداء الأمير الحسين؟
شرفت بلقائه مرتين، ووجدت فيه شابا جادا، ليس مشدود الأعصاب، ويتحدث
بطلاقة، ومستمع من الطراز الأول، وصبور، وواعٍ، ومدرك لما يجري حوله، وأعتقد أنه
يتمتع بالقدرة والذكاء والإمكانيات المطلوبة ليدير شؤون البلاد في المستقبل إن شاء
الله.
كيف تنظر لمستقبل الأردن في مرحلة ما بعد الملك عبد الله
الثاني ابن الحسين؟ وهل سيحدث انتقال سلس للسلطة؟
أعتقد أن الأمور الآن واضحة جدا؛ فبموجب نص الدستور الأردني المتعلق
بالإرث، فإن الملك سينتقل فورا وبدون إشكالية إلى الابن الأكبر، والابن الأكبر في
هذه الحالة هو سمو الأمير الحسين، كما أن الدستور الأردني قد أعطى فرصة للأخ -أخو
الملك- أن يكون ملكا في حال تعذر أن يكون الابن الأكبر.
ونلاحظ هنا أن النظام الملكي في الأردن هو نظام رأسي، ينتقل من الأب
إلى الابن، وهذا ما درجنا عليه منذ تأسيس الإمارة؛ فالمؤسس هو الملك عبدالله
الأول، ثم انتقل الحكم إلى ابنه طلال، ومن بعده إلى الحسين، ومن الحسين إلى عبد الله
الثاني، ومن عبد الله الثاني سينتقل إلى الحسين الثاني.
متى سيحدث انتقال المُلك برأيكم؟
من المبكر جدا الحديث في هذا الموضوع، وهناك شائعات كثيرة، والسبب
فيها أن جلالة الملك معني بأن يشارك ابنه، ويدربه على الحكم، لذا نجد مَن يقول إن
جلالة الملك يفكر في تسليم ابنه الإدارة كما حصل مثلا في دولة قطر أو غيرها، ولا
أعتقد حدوث ذلك في الأردن.
فالأمر الطبيعي هو استمرار الملك ملكا حتى نهاية عمره، ونأمل أن يكون
الملك عبدالله إن شاء الله صاحب عمر طويل، وأن يتسلم ابنه الإدارة والأمور هادئة.
هل قضية الأمير حمزة طُويت تماما أم
لا؟
الأمير حمزة أدرك تماما أن هناك دستورا يحكم البلاد، والدستور ينص على
أن الملك هو مَن يختار ولي عرشه، لذلك فإنه عندما انتقلت ولاية العهد منه إلى سمو
الأمير الحسين فقد انتهى الأمر، وهذا قرار الملك ويجب أن نحترمه، وهذا ما تعودنا
عليه في الأردن.
ما تقييمكم لبرنامج الأردن الاقتصادي المدعوم من قِبل صندوق
النقد الدولي؟
هو ليس مدعوما، وإنما نتيجة تفاوض؛ وصندوق النقد الدولي لا يفرض على
أحد شيئا، ولكن الأردن، والدول بشكل عام إذا أرادت أن يكون لها تقييم ائتماني جيد،
وقادرة على تلبية حاجاتها المالية سواء من صندوق النقد أو من غيره من المؤسسات
الدولية أو العربية.. فلا تستطيع الحصول على قروض ميسرة، وقروض تنموية إذا لم يصدر
صندوق النقد الدولي تقريرا يقول فيه بأن السلوك النقدي، والسلوك المالي للأردن
يسير في الاتجاه الصحيح، وأنه قادر على سداد الديون.
لماذا تُحجِم السعودية والإمارات عن مساعدة الأردن حتى
يتجاوز ضائقته المالية؟
أعتقد لأنهم أمام طلبات مماثلة من كثير من دول الوطن العربي، وربما
ينظرون للأردن فيرون أن وضعه أفضل من أوضاع كثير من الدول العربية الأخرى، فيقولون
نبدأ بالأضعف، ثم إذا بدت هناك إعادة إعمار في سوريا، والعراق، وصار هناك اتفاق
على ذلك فهذا أمر منافس، كذلك الحال في السودان، اليمن، ليبيا، والكثير من الدول
العربية، وكذلك الوضع الاقتصادي داخل جمهورية مصر العربية بحاجة إلى دعم مالي؛ حتى
تخرج مصر من ضائقتها النقدية، لذا نجد الطلب المتزايد على الأرصدة العربية المتاحة.
وهناك أيضا الدول الخليجية التي تحاول تنويع اقتصادها بدلا من
الاعتماد على سلعة واحدة وهي النفط والغاز، لذلك فإن كلا لديه ما يكفيه.
هل الأردن بحاجة ماسة إلى ثورة إدارية واسعة في كل
القطاعات؟
نعم، نحن بحاجة إلى التغيير، ولا أحب استعمال كلمة «ثورة» لأنها فقدت
معناها في العالم العربي؛ فدائما ما يُقال: ثورة في التعليم، ثورة في الصحة، ثورة
في المواصلات، ثورة في كل شيء، لكن في النهاية لا نقبل التغيير، فكيف يكون هنالك
ثورة ولا نقبل التغيير، وكأن هناك "قوى شد عكسي" تمانع التغيير؛ لأنها
متنعمة في الوقت الحاضر ومتميزة.
من الضروري جدا أن نطوّر أداءنا، وأن نرفع من فاعلية الجهاز الإداري
للدولة، وهو أمر يصر عليه قائد البلاد الملك عبدالله الثاني، ويطالب الحكومات بأن
تدخل في برامج حقيقية للإصلاح.
اليوم الحكومات كبيرة جدا وكلفتها عالية على اقتصاديات الدول، لذا فلا
بد أن تثبت تلك الحكومات أن ما تأخذه من أموال وتنفقه سيذهب في الاتجاه الصحيح؛
لأن معظم هذه الأموال تأتي من دافعي الضرائب، وليس من المساعدات، فالمساعدات لا تُشكّل
على حد أقصى أكثر من 15% من مجموع الدخل القومي، والباقي إما قروض سيدفعها
المواطنون في نهاية المطاف، أو أنها ضرائب ورسوم وغيرها، فلذلك يجب أن يساءل
المسؤول عما يفعل بهذه الأموال للتأكد من إنفاقها في الاتجاه الصحيح.
إلى أي مدى تم تطبيق مضمون الأوراق
الملكية السبعة؟ وهل هناك رغبة جادة في تحقيق الإصلاح؟
الأوراق الملكية السبع ترجمت نفسها إلى ثلاثة برامج:
البرنامج الأول: هو برنامج الإصلاح الإداري الذي ذكرته قبل قليل.
البرنامج الثاني: هو برنامج التحديث الاقتصادي، وزيادة انتاجية
الاقتصاد الأردني وتنويعه، والتحول إلى "النوع" بدلا من "الكم".
البرنامج الثالث: هو الإصلاح السياسي، ويهدف لخلق مواطن فاعل، هذا
المواطن الفاعل يفرز نوابا فاعلين، والنواب الفاعلون يكونون وزراء فاعلين.
وفي حال إذا ما نجحت الأحزاب في الاستفادة من الفرص الجديدة في
التعديلات الدستورية، ومن قانون الأحزاب الجديد الذي يمكنها من الوصول لسدة الحكم
والولاية العامة؛ فإذا حدث هذا فسنكون قد وضعنا أنفسنا على مسار يعكس رغبة الشعب
الأردني في بناء الاقتصاد الذي يريد، وبناء النظام السياسي وإدارة شؤون البلاد عبر
السياسة وعبر الإدارة بفاعلية وإنتاجية.
الأوراق منحت الفرصة، والآن بدأنا في مرحلة التطبيق، وسمحنا بتكوين
أحزاب جديدة، ونأمل من هذه الأحزاب أن تكون أردنية الهوى واللون، والتركيز على
القضايا الأردنية، ولم يعد لدينا أحزاب أيديولوجية كما كان في السابق.
وما زالت أمامنا تحديات في مجال التكنولوجيا العالمية، وفي مجالات
كثيرة جدا نحن نعلمها، لكن الفرص الآن أصبحت متاحة أكثر بفضل التعددية القطبية
التي يعيشها العالم، ولنر كيف نستطيع الاستفادة منها.
كيف تقيّمون التجارب الإصلاحية التي حدثت سابقا في الأردن؟
وهل التجربة الراهنة تختلف عن التجارب السابقة؟
الأهم الآن هي التجربة الحالية التي أخذت طريقها للتطبيق، فقد كانت
هناك عدة محاولات سابقة في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، وكثير منها بقي في
إطار التنظير، الآن يحدث العكس، فالحكومة الآن مطالبة بأن تبرر تقاعسها إذا
تقاعست، وأن تشرح كيف تسير على هذا النهج، وسواء بقيت هذه الحكومة أم تغيرت؛ فعلى
الحكومة التي تأتي بعدها مسؤولية متابعة الموضوع، وأن تبدأ من حيث انتهت الحكومة
التي قبلها.
لا مانع من تصويب المسيرة إذا اكتشفنا أن هناك أخطاء، أما المسيرة
فيجب أن تستمر.
هناك
مشروع قانون إسرائيلي يهدف إلى تقسيم المسجد الأقصى وإنهاء الوصاية الأردنية
عليه.. كيف ترى هذا القانون المقترح؟
هذا
القانون مُخالف لكل الأعراف الدولية؛ فإسرائيل دولة محتلة، وقانونها الذي مررته
عام 1980 بضم القدس إلى الكيان الإسرائيلي ليس مشروعا ولا مقبولا، ومعظم الدول لم
تعترف بذلك حتى الآن، وهذا لا يغير رأينا على الإطلاق، بأن الحكومة الحالية في
إسرائيل حكومة متطرفة، وتخالف كل القوانين والأعراف الدولية. لذا، فقرارها قرار
مذموم، ومدحور بإذن الله، ولا نقبل به على الإطلاق.
إلى أي مدى يمارس الأردن بالفعل وصايته على المقدسات الإسلامية في
فلسطين؟
كل
المؤسسات التابعة للمسجد الأقصى هي مؤسسات وقف إسلامي، والوقف الإسلامي في مدينة
القدس تحت الوصاية الأردنية؛ فالأردنيون هم المسؤولون عن كل الأعمال المتعلقة
بالمسجد الأقصى، كالحراسة، والشيوخ، والخطباء، والمؤذنين، وكل العاملين في المسجد
الأقصى وساحاته، وعن عمارة المسجد الأقصى؛ فعندما أُحرق المسجد الأقصى عام 1969،
وتهدم منبر صلاح الدين، قام الأردن بإعادة بنائه، وإعادة تركيب منبر جديد مشابه له
بعد العودة للصور، والوثائق الموجودة.
الأردن
يمارس هذا الدور، لكن في ظل الاحتلال، وما نراه كل يوم من ممارسات هؤلاء
المتطرفين، ودخولهم باحات المسجد الأقصى، والآن يريدون تقسيمه زمانا ومكانا، وهذا
ما رفضته الدبلوماسية الأردنية رفضا كاملا.
هل قضية فلسطين لم تعد أساسية بالنسبة للعالم العربي
والإسلامي؟ وهل الاستبداد العربي هو الحليف الآخر لإسرائيل؟
هناك عدم قبول، وعدم رضا عن بعض الدول العربية التي قامت بالتطبيع مع
إسرائيل بدون مبرر؛ فلم يكن لها أراضٍ محتلة، فهي تطالب بأراضيها سواء بالطرق
السلمية أو الحربية، ولم يكن هناك أي داع على الإطلاق.
وأعتقد أن هذه الأنظمة جعلت الحكومة المتطرفة بقيادة «نتنياهو» تشعر
بأنها تستطيع اختراق العالم العربي، وأن تؤسس علاقات معه دون أن تدفع شيئا
بالمقابل، وأن تحافظ على الأرض، وتحافظ على العلاقات بتأييد من الحكومة الأمريكية،
وهذا أمر مرفوض بالطبع.
وهذا الأمر أضعف وضع القضية الفلسطينية بكل أسف، وجعلنا نبدو كعرب
منقسمين حول هذا الموضوع، الذي يُشكّل حجر الزاوية في معظم ما يعاني منه الوطن
العربي في الوقت الحالي.
الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله
قال إن الأنظمة الملكية العربية أثبتت أنها أفضل حالا وأكثر استقرارا من الجمهوريات
العربية، التي كاد أن يتحول النظام فيها إلى وراثي.. إلى أي مدى تتفق معه؟
الشواهد تقول ذلك، فإن وضعنا إحصائية سكانية سنرى مثلا دول الخليج
-وهي دول ملكية– مستقرة، والأردن مستقر، أما الدول التي كانت ملكية، وتحوّلت إلى
النظام الجمهوري فلم تتمتع كلها بتجارب ناجحة، بعضها نجح لفترة معينة، وبعضها
واجهت مشاكل، لذا فبعض المؤرخين يقولون: إن العرب أقرب إلى قبول مفهوم توارث الحكم
أكثر ممن يطالبون بالأنظمة الجمهورية.
ولا نغفل هنا ذكر دور الولايات المتحدة، فقد بدأت تقوى شوكتها بعد
الحرب العالمية الثانية، وصارت تسعى للسيطرة لتأخذ مكان دول القوى الاستعمار
السابقة (فرنسا والمملكة المتحدة)؛ فالمملكة المتحدة كانت من أنصار النظم الملكية؛
لأنها هي نفسها نظام ملكي دستوري، إذن فالتجارب أثبتت حتى الآن أن هذا صحيح.
هناك تقارير دولية نشرت ما وصفتها بـ"مذكرات سرية
مصدرها وزارة الخارجية البريطانية" تكشف عن سيطرة المخابرات البريطانية على
الإعلام الأردني من خلال هياكل الإعلام والاتصالات.. ما صحة ذلك؟
غير صحيح قطعا، ولو قلت سيطرة أمريكية لكانت أوقع، لكن هذا ليس صحيحا.
الأردن بها أحزاب يسارية، وأخرى يمينية، وكلها تعمل في الإعلام، ولها وسائلها
الإعلامية، وإنما الإعلام البريطاني كان يعمل فيه بعض الأردنيين، مثل وسائل
الإعلام الموجّهة للعالم العربي، مثل «بي بي سي»، وإذاعة لندن وغيرها، وكانت تنافس
المؤسسات العربية، أما القول بأنهم متغلغلون داخل مؤسساتنا فليس هناك دليل يكشف
ذلك.
لكن هناك علاقة تاريخية بين الأردن والمملكة المتحدة، وتظهر في
المناسبات، فلما توفيت الملكة إليزابيث الثانية كان الأردن حاضرا لمراسم الجنازة،
كذلك لما نُصّب الأمير تشارلز كان الأردن حاضرا في حفل التتويج، وعندما تزوج
الأمير الحسين حضر عقد الزواج ولي عهد بريطانيا الأمير ويليام وزوجته، فبين
البلدين علاقات رسمية، وعلاقات تاريخية، لكن القول بأنهم يسيطرون على الإعلام
فلا أعتقد ذلك.
كيف تنظر إلى أزمة اللاجئين السوريين في الأردن؟
الأزمة ليست للأردن فقط، بل تشمل دولا أخرى مثل لبنان ومصر، والحقيقة
أن لها جوانب إيجابية، وجوانب سلبية؛ فمن الجوانب السلبية أنها رفعت عدد سكان
الأردن بنسبة عالية جدا، ووضعت ضغوطا على البنى التحتية، وعلى الموارد الشحيحة
كالمياه والطاقة وغيرها، وأصبح هناك نوع من الاكتظاظ السكاني في بعض الأماكن
القريبة من الحدود السورية.
وقد اضطر الأردن لبناء مدارس جديدة، ومراكز صحية جديدة؛ لأننا ننظر
إلى الشعب السوري باعتباره جارا عربيا، وتجمعنا به علاقات تاريخية مهمة جدا، وهناك
صلة قرابة، وصلات ود بين الشعبين على الحدود الأردنية السورية في منطقة حوران
وغيرها.
نحن لسنا في ضيق من إخوتنا السوريين، لكن نريد لهم العودة إلى ديارهم
معززين مكرمين، وأن تكون عودة سوريا إلى الجامعة العربية فرصة لكي يتفاهم الزعماء
العرب مع القيادة السورية بضرورة توفير المناخ المناسب الذي يسمح لهؤلاء بالعودة
إلى ديارهم، وحياتهم، وهذا حقهم الأساسي.
هل فشلت المبادرة الأردنية في إعادة
اللاجئين السوريين، والتي كانت ترتكز على وجود تفاهمات مع نظام الأسد تضمن سلامة
اللاجئين؟
هناك إحصائية صدرت مؤخرا تقول بأن 97% من اللاجئين السوريين في الوقت
الحاضر لا يرغبون في العودة إلى سوريا، ليس لأنهم لا يحبون بلدهم، ولكن لاعتقادهم
بأنهم أتوا من "مناطق ساخنة" في جنوب سوريا، وما زالت تتعرض للاعتداءات،
وبها مشاكل متعلقة بعمليات التهريب، وعمليات إرهابية عبر الحدود، ومن هنا كان
شعورهم بأنهم لم يصلوا بعد إلى مرحلة الطمأنينة، والعودة في جو هادئ، لذا فهم يقولون:
نبقى في الأردن حتى تهدأ الأمور، ونتمكن من العودة.
هل تتوقع انقطاع الدعم الدولي عن آلاف اللاجئين السوريين في
الأردن، كما ألمح البعض سابقا؟ وما خطورة ذلك إن حدث؟
لقد أصبح هناك ما يسمى «إجهاد المساعدات» نظرا لكثرة اللاجئين في
العالم، ووفقا لآخر إحصائية فقد بلغ عدد اللاجئين في العالم 110 ملايين نسمة تابعين للمفوضية السامية للاجئين،
وهي التي تتولى شؤون اللاجئين السوريين، وقدرتها على جمع الأموال باتت أقل.
والآن يعقد مؤتمر في بلجيكا من أجل توفير المناخ المناسب لعودة
اللاجئين السوريين، ودعمهم في المهجر، لأن من مصلحة أوروبا أن تحد من استمرار هجرة
السوريين إليها، لكن من الواضح وجود تحوّل وإجهاد من قِبل الداعمين.
ونحن في الأردن نشكو من تراجع مصادر الدعم، ما يضع أعباء إضافية على
الموازنة الأردنية، وعلى الخزينة الأردنية.
كيف تنظر إلى اتفاقية المياه مقابل الطاقة مع الاحتلال؟
هناك مَن يبدي تحفظاته تجاه هذا الأمر، ويقول: "علينا ألا نضع
البيض في سلة واحدة"، وأن إسرائيل لا تؤتمن، لكن إذا تحدثنا من النواحي
الاقتصادية البحتة فهي اتفاقية "مفيدة" من حيث الكلفة، ونحن في الأردن
لدينا طاقة شمسية فعالة، ونستطيع أن نرسلها لإسرائيل لتستخدمها بالتكنولوجيا
الحديثة التي لديها في تحلية المياه وتزويد الأردن بها.
الأردن من أفقر دول العالم في موارد المياه، لذا نبحث باستمرار عن
حلول، والآن بدأنا في تحلية مياه البحر الأحمر، لكن مسألة ضخ المياه من البحر عند
ميناء العقبة، ثم صعود ما يسمى رأس النقب يجعل تكلفة التحلية عالية جدا.
لكن هل الأردن استعاد كامل حقوقه المائية من إسرائيل؟
بحسب الاتفاق الذي جرى في معاهدة السلام فالإجابة: "نعم".
ما صحة ما يردده بعض الأردنيين عن أن هناك خبراء إسرائيليين
يشاركون في حفر آبار عميقة من أجل التنقيب عن المياه الجوفية؟
لم أسمع بهذا من قبل.
أيهم أفضل من وجهة نظرك.. السياسات الخارجية للأردن أم
الداخلية؟
أرى أن السياسة الخارجية فعالة أكثر؛ فالأردن قادر على الحديث مع أي
دولة في العالم، وعلاقتنا مع كثير من الدول تقوم على الاحترام المتبادل.
نحن دولة صغيرة مفتوحة، ويجب أن نعرف حجمنا ونعرف قدراتنا، والآن
جلالة الملك ووزارة الدبلوماسية الأردنية يعملان باستمرار من أجل المحافظة على
علاقات متوازنة مع الجميع، وقد يتسبب ذلك في إشكاليات أو يفرض علينا ضغوطا، لكننا في
نهاية الأمر نصر على موقفنا.
وإذا حدث نزاع بين أي دولتين عربيتين فنحن لا نسارع بالوقوف مع أحد
الأطراف، وإنما نطالب بالإصلاح وبالمصالحة العربية، فليس لنا مصلحة كعرب ولا
مسلمين ولا جيران.. أن نبدو أمام العالم مختلفين، فقد أصبحنا في عالم باتت فيه
المصالح الشخصية للدول في المقام الأول.
ولا ننكر أهمية القواعد الخلقية، وضرورة التمسك بها، والدفاع عن حقوق
الضعفاء، وحقوق المظلومين في العالم، وهذا ما يفعله الأردن باستمرار، لكن في الوقت
نفسه نستطيع أن نتحدث مع أي طرف.
فكرة التفاوض مع الآخرين ليست مرفوضة، بل بالعكس عليك أن تعرف كيف تفاوض
أعداءك قبل أن تفاوض أصدقاءك، لذا فنحن منفتحون على العالم، ونخاطب من نريد، وجلالة
الملك يستطيع في أي وقت أن يرفع سماعة هاتفه ويتحدث مع زعيم أي دولة في العالم،
وأعتقد أن هذا نجاح كبير في الدبلوماسية الأردنية.