ملفات وتقارير

3 أحداث مثيرة للجدل.. ماذا يجري في كواليس العلاقات المصرية الإسرائيلية؟

أثار مقتل جنود إسرائيليين على يد جندي مصري الكثير من التساؤلات- جيتي
ثلاثة أحداث مثيرة للجدل وقعت خلال الأيام الماضية على الساحة المصرية الإسرائيلية، تدفع للتساؤل حول ما بينها من ارتباط، وبشأن ما يجري في الكواليس ويتم إعداده من خطط، بعد فشل ما أثير قبل سنوات عما أطلق عليه إعلاميا "صفقة القرن".

الأحداث الثلاثة جاءت خلال 3 أيام، يتحدث أحدها عن بند في اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، يسمح للأخيرة بضم سيناء، وتعيد الثانية الحديث عن "غزة الكبرى"، وضم أراض مصرية للقطاع، فيما كان الحادث الثالث مثيرا بقتل جندي مصري لثلاثة مجندين إسرائيليين على الحدود.

ومنذ طرح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في العام 2017، ما يسمى "صفقة القرن"، أو "خطة ترامب للسلام" لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، والتي من بنودها منح مصر أراض من سيناء للفلسطينيين يتخوف المصريون من أي مؤامرات أو صفقات تأتي على حساب الأراضي المصرية.

"سليمان خاطر جديد"

والسبت، أعلن الجانب الإسرائيلي عن 3 قتلى بين جنوده برصاص مسلح تبين أنه عسكري مصري، وذلك على الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة قرب منفذ العوجة.

وجاءت الرواية الرسمية المصرية لتربط ما جرى بحادثة تهريب مخدرات، حيث قالت إن الجندي المصري الذي استشهد لاحقا، أطلق النار في إطار عملية تبادل نار مع مهربين للمخدرات.

لكن جيش الاحتلال بدا غير مقتنع بالرواية، وما زال يتحدث عن عملية خطيرة مدبرة، ويبحث في خلفياتها.

وقال قائد لواء الجنوب بالجيش الإسرائيلي اليعازر توليدانو، مساء السبت، إن الجندي المصري اخترق الحدود الإسرائيلية، واشتبك 3 مرات مع الجنود، وفي الاشتباك الأول قتل جنديا ومجندة، ثم قتل جنديا ثالثا، وفي المرة الثالثة ارتقى المنفذ.

وبرغم إعلان أسماء قتلى الجيش الإسرائيلي، وهم "الرقيب أوهاد دهان 20 سنة، والرقيبة ليا بن نون 19 سنة"، ما زالت الواقعة يحيطها الغموض، بشأن ملابساتها وتفاصيلها ودوافعها، وحول هوية الجندي المصري، الذي لا يُعرف حتى كتابة هذه السطور اسمه وشكله، ولا من أي محافظة مصرية، ولا مصير جثمانه، وفق بعض النشطاء.

"اجتياح سيناء"

الأمر الثاني، المثير للجدل، كان خروج الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين، الجمعة الماضية، للحديث عبر فضائية "روسيا اليوم" عن أن أي إلغاء مصري لاتفاقية "كامب ديفيد"، الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1978، يعني أنه من حق إسرائيل استعادة الأراضي التي احتلتها في سيناء عام 1967.

وزعم كوهين، المثير للجدل بتغريداته بين المتابعين العرب، أن أول بند من اتفاقية "كامب ديفد" برعاية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر هو أن "أي إلغاء للاتفاقية من الجانب المصري يحق لإسرائيل عليه استخدام الحق العسكري لضم كافة الأراضي التي سيطر الجيش الإسرائيلي... ".


وادعى أن "هذا يعني أن تدخل إسرائيل وتضم كامل شبه جزيرة سيناء وشرم الشيخ، ونحلي بالسويس والإسماعيلية غرب القناة... ".


"غزة الكبرى"

والخميس الماضي، خرجت افتتاحية صحيفة "يديعوت أحرنوت"، العبرية متحدثة عما دعته بدولة "غزة الكبرى"، مشيرة إلى خطة تسعى إليها تل أبيب، تتولى فيها مصر مسؤولية إدارة حكم القطاع، بعد ضم أراضي من شمال سيناء لغزة الكبرى.

وبحسب الصحيفة، "تهدف الخطة لتحويل غزة لمنتجع سياحي ضخم تستفيد منه مصر اقتصاديا، بالإضافة إلى مساحة القطاع بأراضي من مدينة العريش المصرية بشبه جزيرة سيناء"، ملمحة إلى مشروعات بساحل بحيرة "البردويل" بشمال سيناء، كمشروع عالمي مالي، ومركز للتجارة الحرة والترفيه.

ولفتت إلى ضرورة تسريع هذا الحل بسبب ما قالت إنه "الدافع السياسي"، الذي وصفته بـ"الضروري"، مضيفة أنه "تحت الضغط والأمل في السلام، قد ترغب مصر حتى في زيادة مساحة قطاع غزة على حساب أراضي سيناء وهو توسع يمكن أن يصل إلى أطراف مدينة العريش".

افتتاحية الصحيفة العبرية، أثارت مخاوف الكثير من المصريين، فيما اعتبرها بعض النشطاء وبينهم الإعلامي حسام الغمري، "خطيرة" خاصة وأن الحديث تطرق لمنطقة في سيناء حتى العريش، وهو ما يأتي في الوقت تتزايد عمليات هدم السلطات المصرية لمنازل أهالي مدينة العريش.

مزاعم إيدي كوهين باجتياح سيناء، وافتتاحية الصحفية العبرية عن غزة الكبرى، ثم إطلاق جندي مصري النار على جنود إسرائيليين وقتلهم على الحدود، دفعت بعض النشطاء مع تتابع تلك الأحداث للحديث عن "صفقة"، بضم جزء من سيناء لقطاع غزة.

"أحداث كاشفة"

وحول رؤيته، ومدى وجود رابط بين الأحداث الثلاثة، يرى السياسي المصري والإعلامي المعارض ورئيس رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج الدكتور حمزة زوبع في حديثه لـ"عربي21"، أن "موضوع غزة وسيناء قديم".

وأضاف: "حاولت السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، اتهام الرئيس الراحل محمد مرسي (2012- 2013)، بأنه عرض على الفلسطينيين توسيع جغرافية غزة بمنحهم جزءا من سيناء؛ وهو ما لم يحدث".

وأكد أن ما أثارته افتتاحية الصحيفة الإسرائيلية، يأتي في إطار "مشيئة الله تعالى بأن يدافع عن الرئيس الشهيد في قبره ويعلم العالم بأسره أن المشروع المطروح صهيوني مصري بالتعاون مع سلطة الانقلاب أو بموافقة منها بالطبع إن تم".

وفي رؤيته لموضوع "قتل الجنود الصهاينة"، قال زوبع: "يبدو لي الأمر أعقد مما يتصور الجميع؛ فبعد قرابة 4 عقود من السلام والتطبيع البارد والساخن، لا يزال المصريون يحتفظون بذاكرة حديدية ترفض وجود الكيان المحتل في المنطقة".

وأوضح أنه "لو نظرت إلى عمر الجندي المصري الشهيد، لأدركت أن كل محاولات غسيل الأدمغة خصوصا في العشرية الأخيرة منذ 2013، هي محاولات يائسة في مواجهة شعب عظيم يكره إسرائيل وكل من يساعدها، ومستعد للموت دون مراعاة لأي اعتبارات".

أما تصريحات إيدي كوهين، فيعتقد السياسي والإعلامي المصري أن "هذا أمر متوقع جدا، والرسالة واضحة، وهي أن أي مساس بالجنرال الحاكم في مصر (عبدالفتاح السيسي) تعني احتلال سيناء".

وختم بالقول: "والحقيقة أن الجيش المصري لن يستطيع فعل الكثير إذا حدث الاجتياح (وفق حديث كوهين)؛ لأن سيناء منزوعة السلاح، وتستطيع إسرائيل إعادة احتلالها ولن يردعها إلا الشعب المصري، الذي سيحول سيناء ساحة جهاد شعبي لن تتحمله إسرائيل كثيرا".

"لا ارتباط بينها"

من جانبه، يرى الباحث المصري في الشؤون الأمنية، أحمد مولانا، أنه لا يوجد ارتباط بين ما أثاره الصحفي إيدي كوهين، وما نشرته افتتاحية الصحيفة العبرية، وبين قصة قتل الجندي المصري للجنود الإسرائيليين، لأن الحادث "وقع بمنطقة حدودية مع الكيان المحتل بعيدا عن قطاع غزة".

وبدأ حديثه، لـ"عربي21"، عن حديث إيدي كوهين"، مؤكدا أنه "يعتمد على البروباجاندا والشو الإعلامي"، معتقدا أنه "لا يعبر عن توجهات وسياسات إسرائيلية بقدر حرصه على كسب الأضواء، وبالتالي، فإن كلامه عن إعادة احتلال إسرائيل لسيناء أعتبره مجرد شو".

وبشأن واقعة الجندي المصري، أوضح أنه "إلى الآن التفاصيل حول هوية الجندي المصري ودوافعه غير واضحة؛ ولكن السياق الخاص بالحادث وفكرة قتل جنديين في سيارة عسكرية ثم الانتظار فترة من الوقت ومهاجمة القوة التي أتت للبحث عنهما لها دلالة".

مولانا أضاف: "تدل على أن الحادث ليس كما تقول مصر، إن الجندي اشتبه عليه أن القتيلين مهربا مخدرات، وذلك برغم وجود سيارة عسكرية إسرائيلية وزي عسكري إسرائيلي، ولذا فيبدو أن الهجوم كان مخططا من الجندي المصري على الإسرائيليين".

ولفت إلى أن "الدوافع وطبيعتها ستظهر مع مرور الوقت، مع اتضاح هوية الجندي، ولكن واضح أن السياق سياسي أمني وليس سياقا جنائيا".

وعما أثارته افتتاحية "يديعوت أحرونوت"، من فكرة ضم أراض من شمال سيناء لغزة الكبرى، قال الباحث المصري: "هناك حديث يثار حول أن يكون هناك منطقة صناعية ومدينة سكنية ومشروعات ترفيهية تحت إدارة مصرية".

واستدرك: "ولكن أن تعطي مصر أراض من سيناء لغزة؛ ظني أن هذا مستبعد، ولكن أن يكون هناك متنفس أو ظهير لغزة في سيناء مع تسهيلات لدخول الفلسطينيين هذا الكلام طُرح".

وألمح إلى أن "أمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين المحتلة زياد النخالة، تحدث فيه منذ فترة في حوار تلفزيوني، وألمح إلى وجود توجه مصري نحو هذا الأمر وإنشاء هذه المدينة؛ بهدف امتصاص حالة الاحتقان بغزة، وتقليل نسب البطالة، ويكون هناك متنفس لأهل غزة".


"هذا هو الرابط"

ومن جانبه، قال الباحث الفلسطيني في الشؤون الإسرائيلية صلاح الدين العواودة: "إذا كان هناك رابط بين الأحداث الثلاثة، فهي أن هذا جندي مصري، ومصر جارة فلسطين، وبالتالي فالمسألة مترابطة جغرافيا وشعوريا، والشعور القومي والوطني والعداء للكيان الصهيوني عند هذا الجندي لا يختلف عنه لدى أي فلسطيني".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف الباحث بمركز "رؤية للتنمية السياسية" بإسطنبول: "من الناحية السياسية، لا أعتقد بوجود رابط، فقط هذا الجندي تربى على كره الكيان الصهيوني، وقرر القيام بواجبه الوطني والقومي والديني تجاه الاحتلال؛ حتى تظهر معلومات حول العملية الفردية التي خطط لها جيدا".

وعن فكرة إعطاء وطن للفلسطينيين في سيناء، يرى أنها "متكررة، وهناك مقال بشأنها كل عدة أشهر، ومنذ (انتفاضة الأقصى) حتى اليوم، هناك العديد من الأفكار منها طرح بجزيرة (باندورا) بالقطب الشمالي".

ولفت إلى أن "اليسار الصهيوني يطرح حلولا يراها خارج الصندوق وتتفق على إعطاء دولة للفلسطينيين على حساب الدول العربية، والمكان المغري هو سيناء، وبدعوى ممارسة حق العودة بشبه الجزيرة المصرية، بدلا من يافا وعكا وحيفا".

وقال: "تاريخيا يحسن الصهاينة استغلال الفرص، ويرون أن مصر تمر بأزمة اقتصادية، وعلى وشك الإفلاس بسبب الديون، ويمكن شراء سيناء، وإعطاء مصر دورا معنويا، تماما كما عرضوا على السلطان عبدالحميد تسليمهم فلسطين مقابل تسديد ديون الدولة العثمانية".

وأكد أن الفكرة "طرحت على حكومة يائير لابيد، واليوم على حكومة بنيامين نتنياهو، وكل مسارات التطبيع من اتفاقيات (إبراهام) وقبلها (كامب ديفيد)، ومشروع (روجرز)، في ستينيات القرن الماضي، كلها كانت لحل القضية على حساب العرب، والتآمر مع قادة لديهم أزمات، لذا فالمشاريع ستبقى ولا ييأس الصهاينة".