تعجز
الكلمات عن وصف معاناة عشرات الألوف من
المعتقلين وأُسرهم في سجون
مصر المختلفة
منذ الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2013..
تتحدث الأرقام عن ستين ألف معتقل سياسي في مصر، بينما
يدّعي البعض أن الرقم أعلى من ذلك بكثير، وترد الحكومة المصرية بأنه لا يوجد في
مصر معتقلون سياسيون من الأساس، وأن كل هؤلاء تم حبسهم بأوامر النيابة أو أحكام
قضائية في تهم محددة وثابته..
ولكن المؤكد الذي لا غموض فيه، هو أن هؤلاء المعتقلين
ليسوا مجرد أرقام يا سادة!
بل هم بشر.. لكل منهم قصة وحكاية، ومن خلفه أسرة وأهل
وأصدقاء، يعيشون المعاناة اليومية التي لا يظهر لها في الأفق أي نهاية!
تحدثت مع أحد الأصدقاء القريبين من السلطة حول هذا
الموضوع، فقال لي: يجب أن تعلم أنك أو غيرك بالنسبة لهذه السلطة مجرد رقم.. لا يقدم
ولا يؤخر..
وهذا هو الواضح فعلا، الحكومة تتعامل مع المعتقلين
بصفتهم مجرد أرقام!
والأدهى والأمرّ أن بعض منظمات
حقوق الإنسان المحلية
والدولية، هي أيضا بدأت تتعامل مع ملف المعتقلين في مصر بصفته ملفا رقميا أو إحصائيا. ويتعالى الجدل حول حقيقة الأرقام المعلنة من هذه الجهة أو تلك المنظمة، بينما قصص
المعاناة وأصوات الآهات تصم الآذان هنا وهناك.. فهذه فتاة صغيرة ماتت في أثناء
محاولة زيارة والدها المعتقل منذ سنوات، وتلك شابة في ريعان شبابها تركت خطيبها
المسجّى في غياهب السجون بعد يأسها من استحالة إتمام زواجها، وهذا شيخ كبير طاعن
في السن حضَرته الوفاة دون أن يتمكن ابنه من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه، أو
المشاركة في مواراته التراب وتلقّي العزاء.
كفاية يا مصر، فالمعتلقون ليسوا مجرد أرقام!
نحن نعلم والجميع يعلمون حقيقة ما يحدث في السجون
المصرية للمعتقلين من الإخفاء القسري، إلى التعذيب المادي والمعنوي، إلى تلفيق
التهم والتدوير المستمر في حالات الحبس الاحتياطي دونما أحكام قضائية، وحتى هؤلاء
المحكومون لم تتم محاكمتهم في ظروف طبيعية، بل تمت كلها كمحاكمات شكلية يحيطها
العوار القانوني من كل جانب، والأحكام معدة بصورة مسبقة.
لقد رأينا تنفيذ أحكام الإعدام الجماعية، والإهمال
الطبي في السجون، حتى يخرج السجين في النهاية مجرد جثة هامدة، يتم تسليمها للأهل
للدفن ليلا في جنح الظلام.
كفاية يا مصر..
صرخة عالية تخرج من قلوب يملؤها الغضب وتطلب الخلاص.
كفاية يا مصر..
صرخة مكتومة تخرج من قلوب يعتصرها الألم والحزن ولم
تعد تحتمل أكثر مما تحملت.
كفاية يا مصر.. تهمس بها أفواه مكممة مرتعدة خوفا من
مجرد الهمس.
أرجوكم.. ارحمونا.. وأفرجوا عن المعتقلين، وكفاية لحد
كده.