أثارت حالة التصالح والمرونة التي يظهرها اللواء الليبي، خليفة
حفتر وقواته تجاه معارضيه في شرق البلاد ورد ممتلكاتهم ومطالبتهم بالعودة إليها؛ أسئلة حول هدف هذه التنازلات والمصالحة وعلاقتها بترشح حفتر أو أحد أبنائه لرئاسة
ليبيا.
وشهد الشرق الليبي عودة كثير من المهجرين المناوئين لحفتر ومشروعه ومنهم قيادات عسكرية على رأسها العقيد سعيد بوغليظة وهو نائب الآمر العسكري للشرق الليبي سابقا والذي كان مهجرا في تركيا لعدة سنوات وتم الاستيلاء على ممتلكاته هناك، لكنه عاد منذ أيام وسط استقبال عسكري وقبلي.
"رد الأملاك"
وقام "اللواء 106- مجحفل" الذي يترأسه خالد نجل حفتر بإخلاء 77 عقارا جرى الاستيلاء عليها من قبل قواتهم وتم تسليم بعضها لأصحابها من الأسر التي غادرت مدينة بنغازي، ومطالبة كل من له عقار استولى عليه عسكريون أو مدنيون بالعودة لاستلامه.
واجتمع آمر "اللواء 106 مجحفل"، خالد حفتر، ووكيل وزارة الداخلية وعدد من وكلاء النيابة العامة من أجل وضع خطة لإرجاع عقارات المواطنين والممتلكات المنهوبة "من الخارجين عن القانون" في الشرق الليبي.
وبعد فرار المعارضين والعسكريين من شرق البلاد الرافضين لمشروع حفتر وحروبه المتكررة استولى عسكريون على أملاكهم واتخذوا بعضها مقرا لتمركزات عسكرية وكتائب بعد نهب محتوياتها، لكن قوات حفتر قررت مؤخرا رد هذه الأملاك بل ودعوة المعارضين للعودة إليها دون التعرض لأحدهم بأي مضايقات أو اعتقال.
"سجن سيء السمعة"
وفي سياق متصل، أعلن وكيل وزارة الداخلية في بنغازي، فرج قعيم، وهو أحد المقربين من حفتر أن "الوزارة بدأت فعليا بهدم المبنى الرئيسي لسجن "الكويفية" بضواحي بنغازي، ويعد هذا السجن أكبر سجن جنائي في الشرق الليبي لوجود جناح خاص يتم فيه اعتقال كل معارضي أو حتى منتقدي حفتر وأبنائه ومشروعهم".
فهل بدأ حفتر مصالحة حقيقية مع خصومه ومعارضيه أم هي مغازلة ودعاية انتخابية لكسب دعمهم وأصواتهم؟
"طمأنة ودعاية"
من جهته، قال عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، أحمد همومة إن "حفتر بدأ يدرك أنه إذا أراد أن يكون رئيساً لليبيا من شرقها إلى غربها إلى جنوبها عليه أن يبعث برسالة طمأنة لخصومه وليس هنالك أفضل من ضمان عودة المهجرين وإعادة ممتلكاتهم وتعويض المتضررين منهم، وبهذه الطريقة يستطيع أن يجدد ثقة أهل برقة ويستدرج أصوات المهجرين ومن وقف معهم في محنتهم كرد للجميل الذي طوقهم به حفتر".
واستدرك في تصريحات لـ"عربي21" قائلا: "لكن يبقى شيء مهم وهو أن حفتر يدرك أن المنافسين السياسيين والمترشحين معه للرئاسة يمتلكون فرص نجاح أكبر منه وعلى رأسهم الدبيبة وسيف القذافي، وهذا ما يجعله لا يستعجل
الانتخابات الرئاسية خلال هذه الفترة إلى أن يتخلص من هؤلاء الخصوم"، وفق تقديراته.
وأضاف: "وفي حين استبعدت الهيئة الوطنية العليا للانتخابات كلا من سيف والدبيبة ستصبح فرصة فوز حفتر بمقعد رئاسة ليبيا سانحة عدا ذلك لا أمل له بالفوز"، كما رأى.
"صفحة جديدة"
في حين قالت الناشطة الليبية ونجلة العقيد "بوغليظة" العائد من تركيا لبنغازي، نادين الفارسي إن "القيادة العامة بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات حقيقية في التواصل مع المهجرين عبر المحامي العام وتم بالفعل إخلاء عدد من أملاك المهجرين التي تم الاستيلاء عليها أثناء حرب الكرامة وإرجاع عدد من بيوت المهجرين بشكل فعلي".
وأكدت في تصريحات خاصة لـ"عربي21": "من بين هذه الأملاك بيت عائلتي الذي تم إعادته منذ شهر كما عادت أسرتي وغيرها من الأسر المهجرة المعارضة وتم توفير الحماية لهم ولم تتعرض لأي مضايقات، وكانت الناس متعطشة لمثل هذه المبادرات"، حسب تعبيرها.
وتابعت: "أتوقع أنها خطوة للتجهيز للعملية الانتخابية، وأرى أن نجله صدام حفتر ينتهج استراتيجية مختلفة عن والده ويعمل بذكاء من أجل فتح صفحة جديدة مع المعارضين ومحاولة لإيجاد حلول لبعض المشاكل هناك، وهو يسير في خطة تصفير المشكلات مع الخصوم وهو أمر جيد يصب في صالحهم"، كما قالت.
"خطوة صحيحة تدعم الانتخابات"
المرشح البرلماني عن دائرة بنغازي والمهجر من الشرق الليبي، عبد المنعم الهوني رأى أن "ما يحدث الآن في شرق البلاد هو قرار في الاتجاه الصحيح؛ لكن لا بد أن تتبعه خطوات أخرى من تنفيذ وجبر الضرر، وبالنسبة لإعادة الأملاك المغتصبة فقد أخليت بالفعل عدة منازل وممتلكات تتبع مهجري بنغازي".
وأشار خلال تصريحات خص بها "عربي21" إلى أنه "أحد المتضررين والمهجرين وتم الاستيلاء على ممتلكاته هناك إلا أن النائب العام أصدر مؤخرا تعليماته بإخراج كل المغتصبين وأنه ينتظر تنفيذ الأمر واستلام منزله وممتلكاته المغتصبة منذ سنوات".
وتابع: "هذه المرونة من عودة بعض المهجرين من المعارضين وإعادة الأملاك وكذلك قرار هدم سجن الكويفية سيء السمعة هي خطوات لها ما بعدها في موضوع المصالحة الوطنية كوننا نفترض حسن النية لهذه التحركات، وكل ما سبق سيصب في مصلحة إجراء الانتخابات والاستقرار"، وفق تصريحاته.
"ضغوط دولية"
لكن أستاذ علم الاجتماع السياسي في ليبيا، رمضان بن طاهر رأى من جانبه أن "إجراء هذه المصالحة الآن قد يكون بسبب الضغوط الدولية والداخلية على حفتر للعمل على تحقيق الاستقرار والتقريب بين الأطراف في البلاد، وكذلك الرغبة في تحسين وإزالة الصورة السلبية التي ترتبط به".
وأضاف لـ"عربي21": "وقد يكون هذا التراجع في إطار الاستعداد للانتخابات والظهور بشكل المتصالح مع الجميع، وليس بالضرورة أن هذه القرارات تعكس تغييرًا جذريًا في سياسة حفتر، لكن يمكن أن يكون لهذه القرارات تأثير إيجابي على الوضع السياسي والأمني إذا تم تنفيذها بطريقة صحيحة وعادلة"، حسبما رأى.