لم
يهزم الزعم التركي رجب طيب
أردوغان في انتخابات خاضها على مدار 29 عاما، والتي
بدأها بفوزه في انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول عام 1994 وصولا إلى حسمه السباق
الرئاسي في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لعام 2023.
ووصفت
وكالة الصحافة الفرنسية الرئيس أردوغان بأنه "الزعيم الذي لا يقهر"،
وذلك عشية الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لعام 2023 التي حسمها لصالحه
بنسبة 52.10 بالمئة من الأصوات، بينما بلغت نسبة منافسه ومرشح "الطاولة
السداسية" كمال كليتشدار أوغلو 47.90 بالمئة، بعد فرز 99.8 بالمئة من صناديق
الاقتراع.
الحياة
السياسية
بدأ
نشاط أردوغان السياسي في سن مبكرة (18 عاما) بعد انضمامه عام 1972 إلى حزب
"السلامة الوطنية" بزعامة معلمه نجم الدين أربكان، حيث تولى خلال دراسته
بكلية العلوم الاقتصادية والتجارية بجامعة مرمرة دورا بارزا في المنظمة الطلابية
للاتحاد الوطني للطلبة الأتراك والمنظمات الشبابية، وانتخب في عام 1976 رئيسا
للمنظمة الشبابية للحزب في منطقة بايوغلو بإسطنبول، قبل أن يصبح رئيسا للمنظمة
الشبابية في المدينة، لكن مع فرض السلطات التركية حظرا على الحزب عام 1980، فقد عمل
أردوغان مستشارا وإداريا رفيعا في القطاع الخاص.
وانخرط
أردوغان بقوة في الحياة السياسية بعد أن رفض والده دخوله إلى عالم الاحتراف بكرة
القدم، وشارك في تأسيس حزب "الرفاه" مع معلمه أربكان عام 1983، ليصبح
بعدها رئيس فرع "باي أوغلو" في إسطنبول عام 1984، ثم رئيسا للحزب في
مدينة إسطنبول، وعضوا في اللجنة الإدارية للقرارات المركزية للحزب عام 1985.
وبعد
أن لمع نجم أردوغان في الساحة السياسية التركية، فقد رشحه حزب "الرفاه" عندما
كان عمره 30 عاما لعضوية البرلمان في انتخابات 1987 لكن الحظ لم يحالفه مرتين
على التوالي (1991)، بيد أنه تمكن من الفوز برئاسة بلدية إسطنبول عام 1994، والتي
مهدت له الطريق لتولي سدة الحكم في البلاد لأكثر من عشرين سنة تواليا.
وخلال
توليه رئاسة بلدية إسطنبول فإن أردوغان نجح في تحقيق إنجازات زادت من رصيد شعبيته في
عموم تركيا، لكنه عزل من منصبه عام 1998 بتهمة التحريض على الكراهية الدينية، وحكم
عليه بالسجن بالإضافة إلى منعه من الترشح للانتخابات العامة والعمل في الوظائف
الحكومية إثر إلقائه القصيدة الشهيرة:
(مساجدنا
ثكناتنا
قبابنا
خوذاتنا
مآذننا
حرابنا
والمؤمنون
جنودنا
هذا
هو الجيش المقدس
الذي
يحرس ديننا)
وحظرت
السلطات التركية في العام ذاته حزب "الرفاه" بتهمة انتهاك علمانية
الدستور، ليؤسس بعدها أربكان حزب الفضيلة الذي انضم إليه أردوغان، لكن حظر الحزب
عام 2001، دفع أردوغان ورفاقه وعلى رأسهم عبد الله غول إلى تأسيس حزب
"
العدالة والتنمية" الذي لا يزال في سدة الحكم منذ الانتخابات
البرلمانية لعام 2002.
قيادة
تركيا
اكتسح
حزب "العدالة والتنمية" الذي أسسه أردوغان مع رفاقه وعلى رأسهم عبدالله
غول، أغلبية مقاعد البرلمان التركية في انتخابات عام 2002، التي أجريت في ظل أزمة
اقتصادية خانقة ترافقت مع الانهيار المالي في تركيا.
وحصد
الحزب المشكل حديثا 363 مقعدا من أصل 550، بعد فوزه بنسبة 34 بالمئة من الأصوات،
فيما حصل حزب الشعب الجمهوري على 178 مقعدا وتسعة مقاعد للمستقلين، وذلك لأن أيا من
الأحزاب الأخرى لم تتمكن من تجاوز العتبة الانتخابية (10 بالمئة).
وألغت
حكومة "العدالة والتنمية" الحظر السياسي المفروض على أردوغان بسبب
إلقائه قصيدة اتهم فيها بالتحريض على التعصب العنصري عام 1998، وأجرت انتخابات
فرعية في ولاية سيرت انتقدتها المعارضة بشدة، لكنها مكنت أردوغان من الصعود إلى
سدة الحكم في آذار/ مارس 2003، بعد تنازل رفيقه عبد الله غول عن منصب رئيس
الوزراء.
وتمكن
أردوغان من زيادة شعبية "العدالة والتنمية" بعد تحقيق حكومته جملة من
الإنجازات، الأمر الذي انعكس على صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية لعام
2007، حيث حافظ الحزب على أغلبيته البرلمانية وانفرد للمرة الثانية في مهمة تشكيل
الحكومة، بعد أن ارتفعت نسبة أصواته إلى 48.8 بالمئة ليشغل 342 مقعدا برلمانيا من
أصل 550.
وبعد
مضي 10 سنوات على حكم أردوغان لتركيا، جدد الشعب التركي منحه الثقة في الانتخابات
البرلمانية لعام 2011، حيث فاز بأغلبية البرلمان (49.9 بالمئة) بواقع 326 مقعدا، ولكن رغم حصد الأغلبية فقد تراجعت نسبة العدالة والتنمية، وهو ما انعكس على انتخابات
عام 2015، والتي سجلت أول تعثر للعدالة والتنمية منذ تأسيسه.
الانقلاب
والنظام الرئاسي
استقال
أردوغان من حزب "العدالة والتنمية" في آب/ أغسطس 2014 بعد أكثر من 12
عاما قاد فيها تركيا في منصب رئيس الوزراء، وذلك بعد نجاحه في أول انتخابات تشهدها
البلاد لمنصب رئيس الجمهورية، بعد حصوله على نسبة 51.79 بالمئة من أصوات الناخبين،
بينما حصل أكمل الدين إحسان أوغلو على نسبة 38.44 بالمئة، وصلاح الدين ديمرطاش على
9.76 بالمئة.
ورغم
أن منصب رئيس الجمهورية كان "شرفياً" لحظة المحاولة الانقلابية الفاشلة
التي نفذتها منظمة "فتح الله غولن" وفق السلطات التركية في 15 تموز/
يوليو 2016، إلا أن شعبية أردوغان أحبطت المحاولة بعد أن دعا الشعب التركي إلى مواجهة
مخططات الانقلابين بالنزول إلى الشوارع.
وسيطر
الانقلابيون على القناة الفضائية الرسمية، وأعلنوا إسقاط نظام الرئيس رجب طيب
أردوغان، وتشكيل هيئة لاستلام السلطة ووضع دستور جديد للبلاد، لكن الاستجابة
الشعبية لنداء أردوغان غيرت مسار الأحداث، بعض وصول أفواج بشرية إلى مطار أتاتورك
في إسطنبول، وإغلاق المداخل الرئيسية للولاية أمام جنود الانقلاب، ليخرج بعدها
أردوغان ويعلن فشل المحاولة ويتعهد بمحاكمة الانقلابين.
تولي
أردوغان لمنصب رئيس الجمهورية، كانت الخطوة الأولى للزعيم التركي في الانتقال إلى
نظام الحكم الرئاسي بدلا من البرلماني، حيث أقر الدستور التركي هذا الانتقال بعد
إجراء استفتاء شعبي، حظي أردوغان بموجبه على موافقة 51.4 من المشاركين بعد تحالفه
مع زعيم حزب "الحركة القومية" دولت باهتشلي، عام 2017.
العودة
إلى العدالة والتنمية
مهد
الاستفتاء الشعبي للانتقال إلى النظام الرئاسي، الطريق أمام أردوغان للعودة إلى
رئاسة حزب العدالة والتنمية بعد 979 يوما من الاستقالة، وذلك بعد أن رشحه 1370
مندوبا في المؤتمر الاستثنائي الثالث للحزب في أيار/ مايو 2017، ليتسلم الرئاسة من
رئيس الوزراء حينها بن علي يلدريم.
وخاض
أردوغان أول انتخابات رئاسية بعد الانتقال للنظام الرئاسي في 24 حزيران/ يونيو
2018، أمام خمسة منافسين كان أبرزهم محرم إنجه مرشح حزب "الشعب
الجمهوري" حينها، لكن أردوغان حسم النتيجة لصالحه بعد حصوله على 52.6 بالمئة
من أصوات الناخبين.
وفي
الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية لعام 2023 التي أجريت في 14 أيار/ مايو، لم
ينجح أردوغان في حسم الانتخابات الرئاسية، بعد حصوله على نسبة 49.50 بالمئة من
أصوات الناخبين، لتتجه الانتخابات إلى جولة ثانية يتنافس فيها مع مرشح "تحالف
الأمة" كليتشدار أوغلو الذي حصل على ثاني أعلى نسبة تصويت بمعدل 44.89
بالمئة.
ومع
تجديد فوز أردوغان على أكبر تحالف للمعارضة في تاريخ تركيا، فإنه سيكون الزعيم التركي
رئيسا للجمهورية حتى عام 2028.
ولم
يعرف أردوغان أي خسارة في جميع الانتخابات التي خاضها (12 استحقاقا انتخابيا مع
حزب العدالة والتنمية تشمل البرلمان والرئاسة والبلديات و3 استفتاءات شعبية، بدءا
من رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، وصولا إلى نجاحه بالفوز برئاسة الجمهورية التركية
لولاية ثالثة).