توقعت مجلة "
ناشيونال إنترست" الأمريكية
أن يستمر القتال في
السودان ويتسبب في مزيد من الفوضى خارج الحدود، وبشكل خاص في
مصر.
وأضافت في تقرير أن
آلاف الفارين من تلك الحرب زحفوا باتجاه مصر، لكنها "ليست الملاذ الآمن المثالي، فهي تعاني حاليًا
من أزمة اقتصادية ونقص حاد في الغذاء وانخفاض قيمة عملتها، الجنيه المصري".
ووفق التقرير فإن مصر
ستواجه تحديات اقتصادية وأمنية جراء توقع فرار مئات الآلاف من السودانيين إلى
حدودها، وهي التي تعاني أصلا من أوضاع اقتصادية صعبة.
ويذهب التقرير إلى أن القتال في السودان قد "عرّض الأمة
المصرية لخطر الانهيار، حيث لا يستبعد أن تعرف مصر نفس الأحداث بسبب وضعها الاقتصادي
الهش".
وفي ما يأتي نص التقرير
الذي ترجمته "عربي21":
اندلعت
الاشتباكات في السودان في 15 نيسان/ أبريل الماضي، بين القوات المسلحة السودانية وقوات
الدعم السريع في العاصمة الخرطوم وفي منطقة دارفور. وبعد شهر تقريبًا؛ قُتل حوالي
500 شخص وأصيب الآلاف من المدنيين. وقد سعى الطرفان معًا للإطاحة برئيس الوزراء المدني
في تشرين الأول/أكتوبر 2012، ولكن مع توقف المفاوضات حول توزيع السلطة، أدى ذلك إلى
زيادة التوترات التي تصاعدت إلى حد الصراع المسلح الذي نشهده اليوم. ومن المحتمل أن
يمتد هذا القتال ويتسبب في مزيد من الفوضى خارج الحدود، وبشكل خاص في مصر، الجارة من
الشمال.
في الشهر
الماضي؛ أشارت التقديرات إلى أن أكثر من 90,000 لاجئ سوداني غادروا إلى مصر، ومن
المحتمل أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير، حيث ينتظر الآلاف على الحدود
بدون مأوى ولا مياه شرب ولا طعام لعبور الحدود. ومع ذلك؛ فإن مصر نفسها ليست الملاذ
الآمن المثالي، فهي تعاني حاليًا من أزمة اقتصادية ونقص حاد في الغذاء وانخفاض قيمة
عملتها، الجنيه المصري.
أزمة
السودان
الجهود
الدولية مستمرة لوقف الصراع في السودان؛ حيث تستضيف السعودية محادثات بين الطرفين المتقاتلين،
بالاشتراك مع الولايات المتحدة، ومن المقرر أن تستمر المحادثات طوال شهر أيار/ مايو.
وفي غضون ذلك؛ يستمر القتال، ورغم اقتراح عدة هدنات من الطرفين منذ بدء الصراع، فإنه لم
يتم تنفيذ أي منها، واتهم كل طرف الآخر بعدم الالتزام بشروط الهدنة، ما يشير إلى أن
احتمالية نجاح المفاوضات ضئيلة جدًا حتى الآن.
وعلى
هذا النحو؛ يستمر الصراع في السودان، ما أدى إلى نزوح أكثر من 900 ألف شخص داخليًا،
إلى جانب عبور ما يقدر بنحو 120 ألفًا الحدود إلى البلدان المجاورة مثل جمهورية أفريقيا
الوسطى وليبيا وإثيوبيا وتشاد ومصر. ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد بشكل كبير في الأسابيع
المقبلة، حيث يقدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن ما يصل إلى 800 ألف شخص
قد يعبرون حدودًا مختلفة في الأشهر الستة المقبلة.
وبينما
يتدافع اللاجئون للخروج من الخرطوم والمناطق السودانية المجاورة، فإن الغالبية يفرون
إلى مصر على وجه الخصوص، لأن السياسات تجاه اللاجئين في بلدان شمال أفريقيا الأخرى،
مثل ليبيا وتونس، تجعلهم غير مرغوب فيهم. وعلى الرغم من أن تشاد تقبل الآن أعدادًا
صغيرة من اللاجئين، إلا أنها أغلقت حدودها في الأصل بسبب الضغوط الداخلية، ولم تترك
سوى الحدود الجنوبية الغربية كمنفذ وحيد للاجئين الفارين من العنف.
الأزمة
لها تداعيات على مصر
يعد
هذا الوضع تحولًا كبيرًا، حيث كان السودان حتى اندلاع الصراع شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا
لمصر، حيث تقترب عائدات التجارة بينهما من مليار دولار سنويًا. كما وضعت مصر خططًا استراتيجية للاستثمار الزراعي في السودان تم تعليقها بسبب الصراع.
وباعتبارها
بوابة شمال أفريقيا للدول الغربية؛ فإن مصر تعد شريكًا تجاريًا وسياسيًا رئيسيًا مع العديد
من الدول في المنطقة، حيث بلغ إجمالي التجارة الثنائية للولايات المتحدة مع مصر
9.1 مليار دولار في 2021، بينما تجاوزت تجارة الاتحاد الأوروبي 37 مليار يورو في
2022.
وبالإضافة
إلى القيمة الاقتصادية لمصر بالنسبة للغرب، فإنها تلعب أيضًا دورًا استراتيجيًّا في
جامعة الدول العربية، حيث إنها تساعد في توفير الدعم الإقليمي والسلام والاستقرار. وتشتهر
البلاد أيضًا بمواردها الطبيعية الهائلة، بما في ذلك البترول والغاز الطبيعي والفوسفات
وخام الحديد، وهي موارد ازداد الاهتمام بها منذ الحرب في أوكرانيا التي عطّلت إمدادات
الطاقة.
ومع
ذلك؛ فإن مصر نفسها في وضع اقتصادي غير مستقر، حيث تواجه تضخمًا قياسيًا. وفي محادثة
مع إحدى الصحف اليابانية، أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن قلقه من أن يؤدي
تدفق اللاجئين من السودان إلى زيادة العبء الاقتصادي على مصر. علاوة على ذلك، فإن هناك
مخاوف أمنية أيضًا: فمع تجمع الآلاف على الحدود الجنوبية الغربية بين البلدين، فإن
فرص الإرهاب وتهريب البشر والمخدرات وأنشطة التهريب تشهد أعلى مستوياتها على الإطلاق.
ومن
المعلوم أن المنطقة الحدودية بين البلدين لها تاريخ من العنف، حيث تستخدم الجماعات
المتطرفة مثل داعش والقاعدة المنطقة لتنفيذ أنشطة غير مشروعة، لذلك فإن ارتفاع عدد
اللاجئين يزيد من احتمال عبور الجماعات المتطرفة إلى مصر.
منع
المزيد من عدم الاستقرار
القتال
في السودان قد يعرّض الأمة المصرية لخطر الانهيار، حيث لا يستبعد أن تعرف نفس الأحداث
بسبب وضعها الاقتصادي الهش بالفعل، لذلك فإنه يؤخذ على محمل الجد احتمال زيادة زعزعة
الاستقرار والنزاع في جميع أنحاء المنطقة، كما أنه يجب على المجتمع الدولي مساعدة مصر في
التكفل بهؤلاء اللاجئين.
فمع
وجود عشرات الآلاف من المقاتلين والداعمين الأجانب والموارد لكلا طرفي الصراع السوداني، فإن من الصعب تحديد متى ستنتهي هذه الحرب وكم عدد النازحين نتيجة لذلك. وإذا لم تسر محادثات
السلام في المملكة العربية السعودية بشكل جيد، فمن المحتمل أن يعرف هذا الصراع مصير
الصراعات الأخرى التي دمرت مناطق بأكملها، مثل لبنان وسوريا. ومساعدة مصر في التخفيف
من أزمة اللاجئين هي إحدى الخطوات التي يمكن للغرب اتخاذها لمنع حدوث ذلك.
وفي
هذا السياق؛ كانت الأمم المتحدة قد تعهدت بتقديم 445 مليون دولار لتخفيف الأزمة، سيتم
إرسالها إلى البلدان التي تستقبل اللاجئين في جميع أنحاء المنطقة. وينبغي على الولايات
المتحدة، بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي، تقديم مساعدة مباشرة لمصر لضمان حصول المصريين
واللاجئين الذين يعبرون الحدود على مصادر غذائية آمنة. كما أنه يجب تقديم مساعدات خارجية
إضافية للعمل على استقرار الاقتصاد المصري واستقرار الجنيه.
ومع
استمرار الصراع، فإن من الضروري أن يتخذ الغرب إجراءً. وفي غضون ذلك، يستمر الاقتصاد المصري
في التدهور والتعرض للضغوط الخارجية، بما في ذلك الصراع في السودان على وجه الخصوص،
ويمكن أن يكون له آثار مزعزعة للاستقرار على بقية المنطقة، مع عواقب قد تؤثر في النهاية
على كل من الولايات المتحدة وأوروبا بشكل مباشر.
إن إشراك
واشنطن لكل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في محادثات المملكة العربية
السعودية في الأسابيع المقبلة، ينبغي أن يصاحبه تشجيع المصالحة وإيجاد حل أكثر ديمومة
ونجاحًا. وبخلاف ذلك؛ فإنه سيتعيّن على جميع المعنيين مواجهة عواقب الفشل: أزمة لاجئين متزايدة،
وضغوطا إضافية على الاقتصاد المصري قد تدفعه إلى حافة الهاوية، وزعزعة الاستقرار الإقليمي.