كانت "تسنيم الشربيني" خطيبة الطالب
المصري بكلية الهندسة والمحكوم بالإعدام في القضية (1 عسكرية) "مروان
صدقي"، تحلم أن يرى خطيبها النور ويعود لحياته الطبيعية ويتمم زواجه منها بعد
7 سنوات من الظلم خلف الأسوار سادها الصبر انتظارا للأمل.
ولم يكد يخرج للنور تقرير حقوقي عن مروان،
أعدته "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، ومقرها لندن، ينسف تماما أركان
قضيته التي اعتقل عليها منذ عام 2016، حتى قامت قوات الأمن المصرية باعتقالها،
أثناء زيارتها له بمركز بدر للإصلاح والتأهيل "سجن بدر 1"، سيئ السمعة.
وتحولت الفتاة المدافعة عن حق خطيبها في
الحياة، إلى معتقلة هي أشد حاجة إلى دفاع خطيبها مروان عنها، ودفاع والدها المعتقل
أيضا على ذمة قضية "كتائب حلوان" ولتنضم إلى قائمة طويلة من المصريات في
معتقلات النظام، بسبب رفضها لإعدام خطيبها في القضية المعروفة بـ"شقة الهرم".
واعتقلت قوات الأمن المصرية الشابة تسنيم سامح
الشربيني، يوم 28 آذار/ مارس الماضي، خلال زيارتها لخطيبها مروان صدقي، بسجن بدر،
وقامت بإخفائها قسريا لنحو أسبوع، لتظهر أمام نيابة أمن الدولة العليا يوم 4
نيسان/ أبريل الجاري، والتي قررت حبسها 15 يوما في سجن النساء بالقناطر، بحسب
منظمات حقوقية مصرية.
"إهداء إلى تسنيم"
وتناول تقرير الشبكة، الصادر الثلاثاء الماضي، تحت
عنوان "العدالة الغائبة"، القضية التي شهدت دورا سلبيا للإعلام المصري
وخاصة من الإعلامي الراحل وائل الإبراشي، ورصد نقاطا هامة تكشف أن مروان لا علاقة
له بالقضية التي أدين فيها.
وحاولت الشبكة الإجابة على التساؤل: "هل
كان الحكم بإعدام مروان صدقي عادلا؟"، مشيرة إلى أن "محكمة شرق القاهرة
العسكرية"، أصدرت في 26 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أحكاما بالإعدام على 5
متهمين في القضية (1 عسكرية لسنة 2021 جنايات شرق القاهرة العسكرية) باتهامات
بتصنيع المواد المتفجرة والانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون.
وألمحت إلى أنه "كان أحد الذين صدر بحقهم
حكم حضوري بالإعدام هو الطالب بكلية الهندسة مروان صدقي، والبالغ من العمر حينها
(24 عاما)".
وأكدت أنها في تقريرها تمكنت من كشف زيف القضية
من خلال رصد تحقيقات النيابة وأوراق القضية وشهادة الشهود من رجال الأمن، الذين
حضروا واقعة الانفجار الذي حدث بـ"شقة الهرم"، كونها الشهادات الوحيدة
التي اعتمدت عليها النيابة والمحكمة العسكرية في اتهامها وحكمها.
وبين تقرير الشبكة، أن شهادات الشهود جاءت متناقضة تماما مع ما أدلى
به رئيس مباحث "قسم الهرم" المقدم محمد أمين، في مداخلة متلفزة مع
الإعلامي الراحل وائل الإبراشي، بعد الحادثة مباشرة، كما أوردها أيضا في تحقيقات
النيابة العامة، والتي نسف بها ما جاء في أمر الإحالة وتحقيقات النيابة العسكرية.
وأوضحت الشبكة، أن "النيابة العسكرية
اعتمدت على تلك الشهادات كمصدر أساسي ووحيد في توجيه الاتهامات إلى مروان"،
مشيرة إلى أن "اعترافاته تمت تحت وطأة التعذيب، والتي أنكرها أمام النيابة
والمحكمة العسكرية التي حكمت عليه بالإعدام".
وأكدت أن ملابسات اعتقال مروان جاءت
تعسفيا وقبيل واقعة التفجير بـ3 أيام، تعرض بعدها للإخفاء القسري لانتزاع
الاعترافات مع التعذيب الشديد، والذي بقيت آثاره حتى الآن.
"قهر شديد"
وقال الحقوقي المصري والمدير التنفيذي للشبكة
المصرية لحقوق الإنسان أحمد العطار: "أشعر بقهر شديد، وتمنينا أن يخرج هذا
التقرير للنور، ولم تكن خطيبة مروان، قد تعرضت لنفس مصيره".
وأكد لـ"عربي21"، أن "التقرير
الذي يوثق براءة خطيبها يعد تتويجا لصبرها على محنتها ووقوفها إلى جانبه، كنموذج
رائع لآلاف المصريات المعتقل أزواجهن"، معربا عن أمنيته بخروج مروان وخطيبته
من المعتقل والزواج بعد حرمان 7 سنوات.
وعن سبب اعتقال تسنيم، لم يستطع العطار الربط
بين دعمها لخطيبها وبين اعتقالها.
"نعمة وباقر"
إلا أنه وفي مأساة مشابهة لمصرية أخرى كان وقوف
نعمة هشام، زوجة المحامي الحقوقي والمدير التنفيذي لمركز عدالة للحقوق والحريات
المحبوس محمد الباقر، معه ودعمها إياه والمطالبة بخروجه للنور، سببا في اعتقالها،
لنحو 12 ساعة.
وفجر الاثنين الماضي اعتقلت قوات الأمن
المصرية، نعمة هشام، من منزلها بمنطقة المعادي بالقاهرة، وصادرت هاتفها المحمول
واصطحبتها لجهة غير معلومة، ليجري الإفراج عنها لاحقا مساء ذات اليوم، بعدما ضجت
وسائل التواصل الاجتماعي بالخبر.
ووفق مراقبين، فإنه وبرغم أن نعمة هشام، في
منزلها الآن، إلا أنها ستظل وأسرتها مهددة لو أبدت تعاطفا مع زوجها أو طالبت
بإطلاق سراحه، كون اعتقالها جاء على خلفية نشرها تدوينة عبر "فيسبوك"،
عن زيارة زوجها وكشفها تعرضه لإصابة بفمه ويده نتيجة اعتداء أمني عليهم، 11 نيسان/
أبريل الجاري.
"فاطمة ومحمد"
وعلى طريقة تسنيم، ونعمة، نموذج آخر من الصبر
والثبات رصدته "عربي21"، لفتاة مصرية ريفية تزوجت في عمر الزهور، ليمكث
معها زوجها فقط 3 أشهر، ليتم اعتقاله من بيته بحجة كتابة كلمات معارضة للنظام على
حوائط بيوت قريته.
(محمد. ن)، تزوج من (فاطمة. ع)، بعد الانقلاب العسكري الذي ضرب ربوع
مصر منتصف العام 2013، وأطاح بأول تجربة ديمقراطية حديثة في مصر، كان محمد أحد
المشاركين في الاقتراع بها حيث كان مؤيدا للرئيس الراحل محمد مرسي.
يقول أحد المقربين من عائلة محمد وفاطمة،
لـ"عربي21": "لم يمهل قادة الانقلاب والد فاطمة طويلا حتى اعتقلته
ليبقى في محبسه نحو 10 سنوات ليموت نتيجة الإهمال الطبي بالعديد من الأمراض
المزمنة، العام الماضي".
وأوضح، أنه "بمجرد اعتقال والدها وعلى
الرغم من صغر سنها في الصف الأول الثانوي حرصت أسرتها على تزويج فاطمة من الشاب الذي تقدم لخطبتها، وكان هو محمد، ليتم ذلك عام
2016".
وبين المصدر، أن "محمد كان رافضا
للانقلاب، وراح يعبر عن رأيه بالكتابة على جدران وحوائط قريته، ليلا، بينما فاطمة
في انتظار عودته، لكنه بعد عودته في إحدى الليالي ونتيجة وشاية داهمت قوات الأمن
منزله واعتقلته بعد تحطيم كل محتويات شقة فاطمة العروس الجديدة".
"وكانت فاطمة حاملا بطفل محمد الذي تمت محاكمته وإصدار الحكم عليه بالسجن 15 عاما، قضى منها 7
سنوات، وبات ابنه اليوم في الصف الثاني الإبتدائي، ولم ير والده، إلا من خلف
الأسلاك الشائكة".
ورغم أن مأساة وفاة والدها في المعتقل،
واستمرار حبس زوجها دون أمل باد في خروج قريب له، اجتمعت على فاطمة، إلا أن المصدر
المقرب من عائلتها يتعجب من قدرتها على التحمل، قائلا: "لم تنطق، ويتعجب
المقربون منها ومن صبرها".
"إيمان وأحمد"
ودائما ما تروي إيمان محروس، زوجة الكاتب
الصحفي المعتقل أحمد سبيع، عن حجم معاناتها في زيارته ومعاناتها في الحياة، إلى
جانب معاناة زوجها، الذي اعتقل مرتين.
وأفرج عنه في الأولى (من 2013 وحتى 2017،)
وما زال محبوسا منذ اعتقاله الثاني 28 شباط/ فبراير 2020، من محيط مسجد الحمد
بالتجمع الخامس.
ومن بين ما كتبته محروس: "مع دخول المناسبات اللي يكون طابعها
اللمّة والوصل أنا بكون ميتة من جوايا، بضحك وأنا السكاكين مقطعاني، لكن صعب يحس
بيك حد طالما اللي شايفاه عنينا غير المحجوب عنها".
وأضافت: "تفتكروا قرابة الـ1300 يوم (مدة
الحبس الأول)، وتلاهم إلى الآن 1141 يوم (من مدة الحبس الثاني) ممكن يكونوا عملوا
إيه جوة قلوبنا ونفسيتنا"، متسائلة: "تفتكروا العمر بقي فاضل فيه كام
1000 يوم؟".
وختمت: "أنا محتاجة وجود أحمد، أكتر من أي
وقت سابق، ادعوا له كثيرا، وادعوا لي، وادعوا لأولادي اللي عايشين مفتقدين
أبوهم"، مشيرة لسؤال ابنتها سيرين، عن أبيها وقولها: "هل بابا عايش أم
ميت؟".
"يتعجب السجان"
المدير التنفيذي للتنسيقية المصرية للحقوق
والحريات هبة حسن، أعربت في حديثها لـ"عربي21"، عن أسفها من أنه
"في السنوات الأخيرة أصبح هناك الكثير مثل حالة تسنيم، ومروان".
وأكدت أن "نماذج مثل هذه التضحية صارت
متكررة في الكثير من الأسر المصرية، فما بين زوجة تتحمل مسؤولية بيتها وأولادها،
بل وقد تتحمل معهم مسؤولية والدي الزوج أو أحدهما بعد اعتقاله".
وذلك "بالإضافة إلى سنوات من الجري خلف
زوجها المعتقل من سجن لآخر، تحمل زيارة قد يسمح السجان بدخولها أو يعيدها بها
ممنوعة".
"وبين أخرى لم يمهلها الظلم لإتمام
زواجها، فظلت بعد عقد القران زوجة لم تكتمل فرحتها، تنتظر الزوج المعتقل وتحلم كأي
فتاة بيوم زفافها؛ ومع ذلك لا تتراجع عن دعم زوجها والوقوف وراءه مضحية بفرحة
كآلاف الفتيات من أقرانها".
وأضافت: "هناك أخريات، تزوجن بالفعل
شهورا؛ ليُعتقل زوجها ولم يكمل شهرا في زواجه ويغيب خلف الأسوار أكثر من 8 سنوات
ظلما، وتظل الزوجة العروس تتعقبه وتنتظر دقائق الزيارة المعدودة لتراه ويذكران معا
أحلامهما المؤجلة".
وختمت حسن، بالقول: "والحقيقة أن مثل هذه الحالات لم تعد
استثناء، بل تكررت لدرجة أنه حتى هؤلاء المراقبون لزيارات الزوجات بل والمخطوبات
يتعجبون من هذا الإصرار، والاستمرارية والحرص على دعم الأزواج برغم طول سنوات
الظلم والاعتقال".