نشرت صحيفة "
لوموند" الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء على
انتشار موانئ
الإمارات على طول البحر الأحمر والمحيط الهندي بفضل الشركتين "موانئ
دبي العالمية" و"موانئ أبوظبي" العملاقين، لتكون بمنزلة نقطة
انطلاق لمصالحها الاقتصادية والأمنية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"؛ إن
"موانئ دبي العالمية" تواصل توسعها جنوبا نحو كينيا، بعد عبور جزء من
البحر الأحمر ومضيق باب المندب من مصر إلى الصومال، مشيرة إلى أنها توشك على توقيع
اتفاقية لتطوير منطقة دونغو كوندو الصناعية بالقرب من ميناء مومباسا مقابل 300
مليون دولار.
وذكرت الصحيفة أن الشركة الإماراتية عملت لسنوات، لتطأ قدمها كينيا،
موضحة أن "موانئ دبي العالمية" تفاوضت مع إدارة الرئيس الكيني السابق
أوهورو كينياتا للحصول على أربعة موانئ (مومباسا ولامو وكيسومو، بالإضافة إلى
ميناء نيفاشا الجاف)، قبل أن يملي رئيس الدولة الجديد وليام روتو، شروطه.
وأشارت الصحيفة إلى أن دخول شركة "موانئ دبي العالمية" المرتقب
إلى السوق الكينية، سيسمح للإمارات بتعزيز قبضتها على الموانئ والطرق التجارية في
المنطقة.
وأضافت: "على نهج الصين على طول "طرق الحرير
الجديدة"، تنسج أبوظبي طريقا شرق
أفريقيا من مصر إلى موزمبيق".
وباستثناء جيبوتي، حيث تواجه معارضة سلطات البلاد، وإريتريا التي
انسحبت منها مؤخرا، تمتد موانئ الإمارات على الساحل الشرقي للقارة بالكامل، بفضل
ذراعيها المائيين "موانئ دبي العالمية" و"موانئ أبوظبي".
قوة عسكرية وتجارية
أوضحت الصحيفة أن التأسيس الإماراتي في المنطقة بدأ سنة 2006 في
جيبوتي.
وأكد سيباستيان بوسوا، مؤلف كتاب "دولة الإمارات"، أن
الإمارات ترى نفسها على أنها مدينة فينيسيا (البندقية) جديدة، وقوة ثقافية وتجارية
تحولت إلى الخارج، أو إسبرطة جديدة، وهي إمارة تركز بشدة على 'القوة الصارمة
العسكرية".
يعتبر مضيق باب المندب رابع أكثر مضيق ازدحاما في العالم، وهو
يستأثر بـ 40 بالمئة من التجارة البحرية العالمية، وأكثر من 6 ملايين برميل من
النفط الخام تمر عبره يوميّا، وتأمينه أمر حيوي لقوة تصديرية مثل أبوظبي.
وحسب الصحيفة، تم النظر إلى وجود الإمارات في القرن الأفريقي لأول
مرة في ضوء الصراعات داخل الخليج.
وأكد جان لوب سمعان، الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أن
العسكرة القوية للقرن الأفريقي مرتبطة بشكل أساسي بالحرب في اليمن، حيث كانت
الإمارات تبحث عن قواعد على طول الساحل، لتكون بمنزلة دعم لوجستي للعمليات
العسكرية، وبذلك مكنت قاعدة عصب في إريتريا البحرية الإماراتية من فرض حصارها على
اليمن وإطلاق طائراتها بدون طيار.
ونقلت الصحيفة عن سيباستيان بوسوا، أنه "خدمة لطموحاته؛ يجمع
محمد بن زايد، أمير أبو ظبي ورئيس الإمارات، بين القوة العسكرية والقوة
التجارية".
وفي القرن الأفريقي، تعمل "موانئ دبي العالمية" كداعم
للمجمع العسكري الصناعي الإماراتي، سواء في بربرة أو بوساسو (الصومال)، وهما
مرفآن مهمان لشركة "موانئ دبي العالمية"، حيث أبرمت اتفاقيات للتعاون
وتحديث القواعد العسكرية وتمويل القوات البحرية المحلية لمكافحة القرصنة في خليج
عدن.
لكن الهدنة في اليمن وإنهاء الحصار المفروض على قطر يمثلان انسحابا
تدريجيا للجيش الإماراتي. حيال هذا الأمر، قال جان لوب سمعان: "نعود الآن إلى
الضرورة الاقتصادية في استراتيجية موانئ دبي العالمية. ومن مظاهر ذلك الاهتمام
الإماراتي بمومباسا - أكبر ميناء في شرق أفريقيا - حيث يعتبر هذا المركز اللوجستي
الرئيسي في القارة، بوابةً للعديد من أسواق أفريقيا الوسطى: رواندا، جمهورية
الكونغو الديمقراطية، جنوب السودان، أوغندا، وهي منطقة غنية بالمعادن والأتربة
النادرة التي تسعى أبوظبي للحصول عليها".
استثمارات على جميع الأصعدة
حسب سيباستيان بوسوا، فإن محمد بن زايد يستعد لحقبة ما بعد النفط، ويتبع استراتيجية التنويع من خلال استثمارات شاملة، مشيرا بشكل خاص إلى اهتمام
الإمارات المستمر بالأمن الغذائي؛ حيث تستورد أبوظبي 85 بالمئة من احتياجاتها
الغذائية.
ورأى جان لوب سمعان أن الإمارات تسعى للسيطرة على كل من المصادر وطرق
الإمداد في أفريقيا.
وقال بنيامين هانتر، من شركة "فارسك مابلكروفت"؛ إن
"عمليات الاستحواذ التي قامت بها شركة "موانئ دبي العالمية"، تعكس
طموح الإمارات في امتلاك معظم سلسلة القيمة -البنية التحتية والطرق والموانئ-؛ للحصول على أكبر قدر من النفوذ". وفي الواقع، لم تعد "موانئ دبي
العالمية" تستثمر فقط على طول الواجهة البحرية، فهي تقوم أيضا بتشغيل
الموانئ الجافة في جنوب أفريقيا ورواندا.
وبينّت الصحيفة أنه خوفا من نقص الغذاء، استحوذت الإمارات على
الأراضي في المنطقة، حيث حصلت على 400 ألف هكتار في السودان. وفي السنة الماضية،
وقّعت الحكومة الانتقالية في الخرطوم اتفاقية امتياز بقيمة 6 مليارات دولار مع
"موانئ أبوظبي"؛ لإنشاء محطة بحرية جديدة على بعد 200 كيلومتر شمال مدينة
"بورتسودان"، تشمل منطقة اقتصادية خاصة، ومطارا ومنطقة زراعية بمساحة 168
ألف هكتار.
وحسب الصحيفة، يظهر الاتجاه السائد في السنوات العشر الماضية، زيادة
في عمليات الاستحواذ من "موانئ دبي العالمية" و"موانئ
أبوظبي"، التي تأتي بعد مشاركة أكبر للإمارات في شؤون القرن الأفريقي"،
لذلك أصبحت أبو ظبي، على سبيل المثال، وسيطا للسلام الإثيو-إريتري في سنة 2018.
وباستخدام نفوذها، لم تتردد الإمارات في التدخل بشكل أكثر حسما لدعم
حلفائها، حيث أتاح محمد بن زايد طائرات بدون طيار لإريتريا خلال الحرب في تيغراي، وشكل جسرا جويا مثيرا للإعجاب إلى أديس أبابا؛ لدعم الجيش الفيدرالي لآبي أحمد
خلال الحرب الأهلية في صيف 2021.