منذ أن انطلق قطار المصالحة
الخليجية الخليجية
بين قطر والسعودية والبحرين والإمارات في قمة العُلا، برز تيار في المنطقة يبحث عن
التوافق بين دولها ويسعى لحل الخلافات بينها.
فبعد المصالحة
السعودية القطرية أيضا
كان هناك تقارب وتصالح بين السعودية والإمارات ومصر من جهة وتركيا من جهة أخرى،
وكان آخر نتائج هذه المصالحات زيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إلى
القاهرة منتصف شهر أذار/ مارس الجاري.
ولم تقتصر المصالحات البينية على الدول
العربية أو بينها وبين تركيا، بل امتدت لتصل لتوقيع الرياض وطهران اتفاق إعادة
العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين.
كذلك برز اتجاه سياسي بين دول المنطقة
يدعو للحوار مع النظام السوري، حيث زار بشار الأسد الإمارات في منتصف الشهر، بعد
زيارة سابقة قام بها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق.
ولتحليل أسباب هذه المصالحات وتأثيرها
على قضايا وأزمات المنطقة، مثل أزمتي
اليمن وسوريا والقضية
الفلسطينية، أجرت
"عربي21" حوارا خاصا مع الدكتور خليل جهشان، المدير التنفيذي للمركز
العربي في واشنطن.
وأكد جهشان أن دول المنطقة فضلت طي
صفحة الخلافات، والسعي لاستبدالها بعلاقات أكثر تفهما لمصالح جميع الأطراف.
ولفت إلى أن أول تأثير لهذه المصالحات
بدأ في اليمن، عبر استمرار وقف إطلاق النار والبدء بالحديث عن تفاوض حول تبادل
الأسرى بين الأطراف المتنازعة.
وتاليا نص الحوار:
شهدنا خلال آخر عامين مصالحات بين بعض
دول المنطقة التي كانت القطيعة بينها شديدة، برأيك ما أسباب هذه المصالحات؟
لا شك أن الشرق الأوسط عامة والمنطقة
العربية خاصة مرت خلال السنوات العشر الماضية في مطبات عديدة أثرت على الأمن
والاستقرار في المنطقة، وعلى العلاقات الثنائية بين دولها، وفي الوقت نفسه، أثرت أيضا
على العلاقة عامة بين الدول العربية والدول الإسلامية في المنطقة.
لكن مؤخرا، يبدو لي أن بعض هذه الدول
فضلت أن تُنهي هذه الصفحة أو هذه الفترة الصدامية في العلاقات الثنائية في
المنطقة، وأن تستبدلها ربما بعلاقات أكثر تفهما لمصالح الدول المختلفة، ويبدو أن
كل هذه الأطراف تحدت هذه الخلافات، لكن هل انتهت هذه الخلافات؟ لا أعتقد ذلك، فهي
ما زالت قائمة.
ولكن، هناك تفاهم بين هذه الدول على
كيفية مواجهة هذه الخلافات، إذا ما بالفعل برزت من جديد في العلاقات الثنائية، عبر
محاولة حدّها وعدم السماح لها بأن تقود إلى أزمة كما شهدنا خلال السنوات الأربع
والخمس الماضية.
وبالطبع، هناك أسباب كثيرة لهذه
المصالحات، منها ما هو داخلي على سبيل المثال الرأي العام، حيث لاحظنا كمراقبين أن
الرأي العام بالفعل لم يكن مقتنعا بهذه الخلافات، نعم كان هناك انتقادات، ولكن
بصراحة، الشعوب في هذه الدول لم تكن راغبة في أن تصل هذه الخلافات إلى مستوى
مجابهات على وشك أن تصبح مواجهات وجودية أو عسكرية، أو مواجهات لها بعد أمني
واستراتيجي مما يضر بمصالح الدول.
ويبدو لي أن المنطقة نتيجة ربما فشل
هذه السياسات الصدامية، دخلت الآن في مرحلة جديدة؛ أي مرحلة إمكانية إيجاد حلول
سواء بالنسبة لدول الخليج أو اليمن
سوريا أو ليبيا، وهناك الآن نوع من الليونة، لم
تكن واضحة وموجودة بهذا الشكل خلال السنوات العشر الماضية.
وما حدث ليس فقط نتيجة تأثير العوامل
الداخلية والعوامل الإقليمية، وإنما أيضا نتيجة عدم ترحيب الدول الخارجية التي
لديها مصالح في المنطقة بهذه الخلافات، فهي نوعا ما شعرت بتهديد لمصالحها خلال هذه
الأزمات، ولم تشجع في الواقع، بالرغم من أن البعض منها تلاعب مع هذه الأزمات
لمصلحته.
بمعنى، في فترة من الزمن في عهد ترامب
على سبيل المثال، كان هناك دور سلبي للبيت الأبيض في أزمة الخليج، ولكن سرعان ما
تغير هذا الموقف، وحتى إدارة ترامب اقتنعت بأن هذا ليس من صالحها فتراجعت عن تأجيج
الخلافات العربية.
كذلك أيضا تأثرت قضية العلاقة مع إيران
بهذه الأسباب، ولذلك يبدو لي أن هذا النمط أو التيار الجديد في العلاقات في
المنطقة، يبدو أنه بدأ يتغير، وربما هذا هو السبب الذي أدى مؤخرا إلى نوع من
الهدوء على الجبهة العربية الإيرانية، وفتح المجال، نوعا ما، لدولة مثل الصين بأن تدخل
المنطقة، وهذا غير معهود؛ يعني بهذا الشكل المباشر، وأن تتوسط في إيجاد حل لهذه
الأزمة.
لكن هل يعني ذلك أن دول المنطقة اقتنعت
أن لا حل إلا بالتوافق فيما بينها وألا تلتفت للتأثير الخارجي؟
نتمنى ذلك، وإذا وصلنا إلى هذه النقطة، ستكون أعجوبة في تاريخ المنطقة، ولكن لم يصلوا بعد إلى هذه النقطة، ولكن هناك كما
وصفته بحذر تيار يُشكل ليونة في المواقف وتفهم أفضل للتعريف الحديث لمصالح الدول،
بمعنى العلاقات بين الدول هي بالأساس مبنية على خدمة مصالحها، فأين خدمت هذه
الصدامات والأزمات مصالح أي من هذه الدول؟ بالتأكيد لم تخدمها أبدا.
وبسبب هذا الضرر وبسبب الضرر في
العلاقات الأخرى مع دول أخرى أيضا، أدت هذه الأزمات إلى تهديد مصالحها مثل الدول
الكبرى، كل هذه الدول يبدو الآن تفضل هذا التيار الجديد وتتعامل معه بأنه هو النمط
الحديث أو النمط الطاغي حاليا في المنطقة.
ولكن، إلى متى سيستمر؟ لا أحد يدري،
نتأمل بأن يستمر هذا النمط إلى فترة طويلة، أو يصبح دائما حتى في سياسات المنطقة،
ولكن ما زلت من المعسكر الحذر بهذا الخصوص.
ما تأثير هذه المصالحات على المنطقة
وقضاياها؟
ما زال التأثير محدودا؛ سواء جغرافيا أو
من ناحية الصراعات المختلفة في المنطقة، خاصة أنه ليس هناك نزاع واحد في المنطقة،
فهناك نزاعات تاريخية مستمرة قديمة وطويلة الأمد مثل قضية فلسطين على سبيل المثال،
ولهذا يجب النظر إلى كل من هذه النزاعات، كلّا على حدة.
على سبيل المثال؛ اليمن، هناك بالفعل
بعض التفاهم؛ حيث توصلت أغلب الأطراف المعنية بالصراع في اليمن إلى استنتاج بأن
هذا النزاع لن يُحل عسكريا، ومن ثم من المفضل التعامل معه سياسيا؛ لأن من شأن ذلك
أن يكون نوعا ما أفضل لمصالح هذه الدول، أيضا هو أقل تكلفة سواء من الناحية البشرية
أو المادية.
فلذلك هناك شبه إجماع الآن في هذا
الملف، فالاتفاقات التي شهدناها ومنها وقف إطلاق النار، بدأ قبل هذه الليونة في
المواقف، ولكن الآن تطور أكثر، فهناك اتفاق على تبادل الأسرى لم يكن ممكنا قبل سنة
مثلا، ومن ثم هناك إذن منفعة تراكمية لهذا التيار الجديد في المنطقة.
واليمن ربما كان الموضوع الأسهل
بالنسبة لتقبل تأثير هذا التيار الجديد، ويبدو أن هناك بعض التقدم وهو ما زال في
بدايته ونأمل أن يستمر؛ لأنه ليس هناك من حل عسكري للمشكلة في اليمن.
بعض الأطراف اقتنعت بذلك وبعضها ما زال
مترددا، فلا أدري إذا ما تطور الحديث بين الأطراف إلى إيجاد حل سلمي للأزمة في
اليمن، وكذلك لا نعرف إن كانت الخلافات تطفو إلى السطح من جديد أم لا.
ولكن، على الأقل يمكن أن نتفاءل، ولو
بحذر، بالتقدم الجاري حاليا على الأقل بالنسبة لاستمرار وقف إطلاق النار، لوضع حد
لأسوأ أزمة إنسانية ليس فقط في المنطقة، إنما في العالم، نعم لم نستطع بعد أن نعيد
بناء البلد وأن نحل هذه المشاكل التي أدت إلى هذه الأزمة الإنسانية الكبرى، ولكن
يبدو لي أن الأرضية مهيأة للبدء في النظر في هذه الأمور.
أما بالنسبة للقضايا المعقدة أكثر مثل
قضية فلسطين، لا أعتقد أن هناك أي تأثير أبدا؛ لأن الليونة التي نراها في العلاقات
الثنائية بين هذه الدول المتناحرة في المنطقة عربيا وإسلاميا، لم تصل بعد إلى
المستوى المطلوب للتأثير على القضية الفلسطينية؛ لأنه اصطدم أيضا بحائط تيار آخر
جديد نسبيا، هو تيار التطبيع.
حيث أصبح تيار التطبيع سدّا، نعم لا أقول
إنه منيع، ولكن هو سد في طريق المضي قدما في تأثير هذه التيارات الإيجابية، على
ربما توحيد الجهود والمواقف بالنسبة للنزاع في فلسطين.
لكن المطبعين في المنطقة سواء الدول
العربية أو تركيا يقولون؛ إنهم سيخدمون القضية الفلسطينية، فهل فعلا تطبيعهم يخدم
القضية الفلسطينية؟
مجرد إلقاء نظرة سريعة وبسيطة على آخر
التصريحات من القيادات الحاكمة في إسرائيل حاليا، لا تسمح لنا سوى بالاستنتاج بأن
هذا الموقف خاطئ، وأنه لن يقود إلى أي تطور جدّي أبدا.
بمعنى ما نسمعه من تصريحات من
المسؤولين الإسرائيليين حاليا وغيرها من المواقف، يُثبت أنه لا تغيير إيجابي نتيجة
للتطبيع، وأعتقد أنه بناء على التصريحات الرسمية وغير الرسمية الصادرة مؤخرا، واضح
جدّا أن الدول المطبعة سواء العربية أو تركيا بدأت تشعر الآن بأن هذا التشدد
والتعنت الجديد في إسرائيل لم يتأثر أبدا بالتطبيع الذي مارسوه خلال السنوات
القليلة الماضية، إنما بالعكس ربما ذلك شجع الطرف الإسرائيلي بالاستمرار قدما في
هذا التعنت.
وفيما يخص الأزمة السورية، ما تأثير هذه
المصالحات خاصة بين السعودية وإيران عليها؟
أعتقد أن هناك تأثيرا واضحا على النظرة
إلى الوضع في سوريا، لكن برأيي التبرير بأن القيام بهذا التغيير في المواقف يخدم
مصالح واحتياجات الشعب السوري، ما زال أمرلاا مبالغا به، وأعتقد أنه في الأساس حتى الآن، هو خطوة سياسية محضة وخطوة استراتيجية من قبل بعض الدول، التي ترى أنه آن الأوان أن
تقوم هي بأداء دور استراتيجي أكبر في المنطقة؛ خدمة لمصالحها.
لكن بالأساس كل العلاقات بين الدول
مبنية على المصالح، وعليه، فالقضية ليست قضية مواقف مبدئية أو مقاومة أو عدم
مقاومة، والقضية ليست قضية مبادئ ولا أخلاق؛ فالسياسة مبنية على المصالح.
لكن المصالحات لها تأثير حتى الآن على
استعادة الدور السوري عربيا، بمعنى أيضا ليس من المنطق أن تبقى دولة مثل سوريا
خارج البيت العربي، اقتنع الجميع أن هذا النظام باقِ والثورة لم تنجح، وأنه لا يمكن
قلب هذا النظام، لذا؛ آن الأوان للبدء في التعامل معه، وربما إقناعه بالتغيير
والتغلب على الأزمات التي خلقها بيده خلال العشرين سنة الماضية.
وبدون أي شك، هناك تأثير لعودة العلاقات
السعودية الإيرانية على الأزمة السورية، فإيران لها دور جدي وقوي في سوريا، بالطبع
إضافة للدور الروسي، ولولا هذا الدور لما بقي الأسد في الحكم ولما بقي النظام
قائما حتى الآن.
وأعتقد أن السعودية لم تخف أهدافها من
التفاوض مع إيران والاتفاق معها عبر وساطة صينية، ومنها المزيد من التفاوض
والتفاهم لحل الخلافات، وأعتقد أن الاتفاق الذي تم بين الجانبين خطوة في الاتجاه
الصحيح، وأنه من الممكن أن يؤثر على أزمات المنطقة، بالطبع البعض منها أصعب من
الآخر، فليس هناك حد أدنى مشترك بينها، سوى أن هذه الأطراف لها مصالح في هذه الدول.
ولكن، أبعد من ذلك، ليس هناك مثلا حل
مشترك نستطيع أن نفرضه على سوريا واليمن وليبيا وفلسطين، فلكل قضية من هذه القضايا
هناك خلافات ومواقف متباينة.
هل تقود هذه المصالحات، وتحديدا بين
السعودية وإيران، لمفاوضات شاملة لإيجاد حلول نهائية لجميع الخلافات والقضايا بين
هذه الدول؟
أعتقد أنها ستقود إلى المزيد من
التفاوض، لكن، إن كان هذا جدي أو مفيد؟ لا أحد يدري، والمستقبل سيحكم ذلك، ولكن بدون
أي شك، لا أتردد أبدا بالقول بأننا بناء على ما سمعناه وشاهدناه حتى الآن من تقارب
بين هذه الدول، أعتقد أنها من مصلحتها كما أعلنت ويبدو لي أنها جدية في الاستمرار
في التفاوض وإيجاد ربما مساحة أوسع للتقارب بينها وإمكانية حل بعض هذه الإشكاليات
أو الخلافات التاريخية.
من الرابح والخاسر من هذه المصالحات؟
أعتقد أن الطرف الرابح الأكبر إذا ما
بالفعل انتشرت هذه السياسات التوافقية والمصالحات، هو المنطقة نفسها؛ لأنه بصراحة
هذه الخلافات استعملت من الداخل والخارج لتأجيج المنطقة، وربما لتحييدها والحد من
إنجازاتها داخليا وخارجيا، فالمنطقة كانت هي الطرف الخاسر الأكبر نتيجة هذه
الصراعات والنزاعات الإقليمية.
أما الخاسر الأكبر وخاصة من الاتفاق
السعودي الإيراني، أعتقد أولا إسرائيل؛ لأنها بنت استراتيجيتها على استمرارية بين
الجانبين، وتريد له الاستمرار وأن يقود في النهاية لحرب؛ لأنها إذا حدثت الحرب بين
البلدين ستصبح هي الرابح الأكبر والدولة الإقليمية الكبرى، وستشارك في هذا الاقتتال
وتجعل الأمريكان يدفعون الثمن عسكريا والعرب يدفعون الفاتورة.
ولهذا، إسرائيل تشعر الآن بأنها هي
الطرف الخاسر الأكبر، وهذا جزء من الجدال الجاري الآن في الشوارع في إسرائيل،
والتهم التي يوجهها كل طرف للأخر حول من هو الذي خسر السعودية في هذه المعركة نتيجة
هذا الاتفاق؟
هل أنهت الوساطة الصينية بين إيران
والسعودية الدور الأمريكي وأطلقت دور بكين في المنطقة؟
لا أعتقد ذلك، فالصين ما زالت في بداية
مشوارها في المنطقة، لها ما تستطيع أن تقدمه بدون شك وتستطيع أن تؤدي دورا كما أدت
في هذه الوساطة، ومن الممكن أن يستمر هذا الدور، ولكن هذا لا يُنهي الدور
الأمريكي، ربما يضعفه، لكن هل تستطيع الصين أن تستبدل الدور الأمريكي وتحل محله؟
لا، فهي لها دور معين ومحدود جدا.
نعم، تستطيع الصين بسبب موقفها الحيادي
وغير العسكري في نظرته لهذه الصراعات في المنطقة أن تملأ بعض الفراغ، وأن تحسن من
الخلل في الانقسامات الاستراتيجية في المنطقة، ولكن الصين لا تستطيع أن تدافع
وتحمي حلفاءها في المنطقة.