نشرت مجلة "
إيكونوميست" مقالا قالت فيه؛ إن أولئك الذين يرون في نظام الملالي في
إيران منبع الخطر والخلاف، لم يكن لديهم نقص في الأدلة في الأشهر الأخيرة.
لقد زودت إيران روسيا بمئات المسيرات الانتحارية لقصف أهداف مدنية في أوكرانيا، ويعتقد أنها تبني مصنعا في روسيا لتقديم المزيد. في أوائل آذار/ مارس، كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) أنها عثرت على آثار يورانيوم في منشأة إيرانية كان نقيا جدا، وتكاد تكون مخصبة بما يكفي لتحويلها إلى قنبلة نووية. كما دخل قمع الحكومة العنيف للاحتجاجات العامة الواسعة النطاق الآن في شهره السادس، وأجرت هذا الأسبوع مناورات بحرية مع الصين وروسيا قبالة ساحلها الجنوبي.
ومع ذلك، شهدت الأسابيع الأخيرة أيضا أكبر تخفيف للتوترات منذ سنوات بين إيران وخصومها الجيوسياسيين في الشرق الأوسط. في 10 آذار/ مارس، وقعت الحكومة اتفاقا بوساطة الصين لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع
السعودية بعد مرور سبع سنوات. لقد دعت الحكومة السعودية إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني، لزيارة المملكة، وهو أمر لم يفعله رئيس إيراني سابق. كما تعمل سوريا، أقرب حليف لإيران في المنطقة، على إصلاح العلاقات مع جيرانها. زار الرئيس السوري بشار الأسد دولة الإمارات هذا الأسبوع.
يثير هذا المزيج الغريب من الملاطفة والعداء عدة أسئلة. هل تفتح إيران صفحة جديدة؟ ما الذي يفسر عدم الاتساق الواضح؟ وكيف سيؤثر سلوك إيران المربك على المنطقة والعالم؟
قبل أكثر من عامين بقليل، عندما أصبح جو بايدن رئيسا لأمريكا، كانت لديه آمال كبيرة في تخفيف حدة الخلاف الأمريكي الطويل الأمد مع إيران. حسب بايدن أن إيران باقتصادها المترنح، ستقفز على فرصة للهروب من بعض العقوبات من خلال استعادة الاتفاق النووي.
لم تتحقق آمال بايدن. جولة بعد جولة من المحادثات المضنية في فيينا، لم تسفر عن اختراقات. يبدو أن علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، فقد صبره. في غضون ذلك، يشير اكتشاف الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إيران تسرع من عملها النووي.
لكن الانفراج بين إيران والسعودية يوحي بأنها منفتحة على الأقل لبعض المبادرات من خصومها. كانت علاقاتها مع المملكة في السنوات الأخيرة أسوأ منها مع الولايات المتحدة. انحازت إيران والسعودية إلى طرفين متعارضين في الحروب الأهلية الطويلة في اليمن وسوريا، من بين نزاعات أخرى. تسببت إيران في سلسلة من الانتكاسات المهينة للسعوديين عبر الحوثيين. على سبيل المثال، أطلق الحوثيون صواريخ ومسيرات على مستودع نفط في جدة، ثاني مدينة في السعودية، قبل أيام من سباق الفورمولا 1 هناك. كانت السعودية تضغط على بايدن للتأكد من أن أي صفقة أبرمتها أمريكا مع إيران لم تكن متساهلة للغاية.
الآن، فجأة، بالإضافة إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، وافقت إيران على تقليص شحنات الأسلحة إلى الحوثيين، وفقا لمسؤولين في كل من أمريكا والسعودية. على الجانب السعودي، علق وزير المالية محمد الجدعان على احتمالية نمو الاستثمار السعودي في إيران "بسرعة كبيرة" إذا استمر الاتفاق.
قد يكون هذا كلاما فارغا، ولكن يبدو أن التحرر في العلاقات له منطق اقتصادي من كلا الجانبين. تحتاج السعودية إلى الاستقرار لجذب الاستثمار الذي تعتمد عليه للمساعدة في تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط والبتروكيماويات. في نفس الوقت يعان الاقتصاد الإيراني. في شباط/فبراير، انخفض الريال إلى أدنى مستوى له على الإطلاق عند حوالي 580000 للدولار، تاركا إياه أضعف بنسبة 55% عن العام السابق و 94% على مدى عقد من الزمان، بينما بقي التضخم عند حوالي 50% خلال العام الماضي.
أدت الحالة البائسة للاقتصاد، بدورها، إلى تفاقم الاحتجاجات التي اندلعت في أيلول/ سبتمبر، بعد وفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني في حجز "شرطة الآداب" في طهران. على الرغم من انحسار الحشود، لا تزال الاضطرابات تتصاعد في أماكن مثل المنطقة الكردية في الشمال الغربي.
بعد توقيع الصفقة مع السعودية، ارتفع الريال بنحو 14% مقابل الدولار. يقول مهدي قدسي، الاقتصادي الإيراني في معهد فيينا للدراسات الاقتصادية الدولية: "هناك ترحيب بأي نوع من الصفقات التي يمكن أن تجلب أي نوع من الاستقرار لسياساتهم الداخلية، ومن ثم لاقتصادهم المحلي".
لكن المنطق نفسه لا ينطبق على ما يبدو على خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA )، وهي الاتفاقية النووية التي تريد أمريكا إحياءها. منعت JCPOA إيران من تكديس أكثر من 202 كغم من اليورانيوم بنسبة نقاء تصل إلى 3.67 % كحد أقصى. في المقابل، خفف الغرب والأمم المتحدة العقوبات على الاقتصاد الإيراني. وعاد عرض مماثل إلى الطاولة منذ أن ترك ترامب منصبه. لكن في حين أن الانفراج مع السعودية ينطوي على تنازلات هامشية لمزايا هامشية، فإن إلغاء البرنامج النووي - في صفقة مع الأمريكيين المكروهين- يبدو على ما يبدو استسلاما فظيعا للغاية، بحيث لا يقبله قادة إيران.
منذ انتخاب رئيسي في عام 2021، سيطر الصقور على جميع فروع الحكومة الإيرانية. كان خامنئي، الحكم النهائي، مترددا دائما في التفاوض مع الغرب. إن إلغاء ترامب لاتفاقية JCPOA جعله يشعر بأن لديه مبررا.
علاوة على ذلك، يعتقد قادة إيران أنهم بنوا "اقتصادا مقاوما" قادرا على تحمل العقوبات المطولة. بغض النظر عن سعر الريال والتضخم المرتفع، يعتقد النظام أن الصين وروسيا ستبقيانه قائما. ووقع "شراكة استراتيجية" مدتها 25 عاما مع الصين في عام 2021 وعزز العلاقات مع روسيا خلال الحرب في أوكرانيا. يقول قدسي؛ "إنهم يريدون إرسال إشارات للغرب، مفادها" لدينا شركاؤنا، ولسنا بحاجة إليكم".