سلطت الصحف العالمية الضوء على المصالحة بين
السعودية وإيران، التي رعتها بشكل مفاجئ
الصين، لتنهي خلافا بين الرياض وطهران استمر طيلة سبع سنوات.
والجمعة، أعلنت
إيران والسعودية استئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016، إثر مفاوضات استضافتها الصين، في خطوة قد تنطوي على تغييرات إقليمية دبلوماسية كبرى.
وجاء في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس) ووكالة أنباء "إرنا" الإيرانية الرسمية، أنه على أثر محادثات، فقد "تم توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران".
انقطعت العلاقات بين الرياض وطهران عام 2016، عندما هاجم محتجّون إيرانيون البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران بعدما أعدمت المملكة رجل دين شيعيًّا معارضًا يُدعى نمر النمر.
وأوردت وكالة إرنا أن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني، أجرى محادثات مكثفة مع نظيره السعودي في الصين "من أجل حل المشكلات بين طهران والرياض بشكل نهائي".
"أمريكا على الهامش"
وفي تعليق، قالت صحيفة "
نيويورك تايمز" إن الصفقة التي تمت بوساطة صينية تقلب دبلوماسية الشرق الأوسط وتتحدى الولايات المتحدة، حيث يشير الاتفاق إلى إعادة ترتيب مؤقتة على الأقل للتحالفات والخصومات المعتادة، مع ترك واشنطن على الهامش.
وكتبت الصحيفة أنه "أخيرًا، هناك اتفاق سلام من نوع ما في الشرق الأوسط. ليس بين إسرائيل والعرب، بل بين السعودية وإيران، اللتين كانتا في حناجر بعضهما البعض منذ عقود. ولا تتوسط فيها الولايات المتحدة بل الصين".
واعتبرت أن الاتفاق بين الرياض وطهران "من بين أكثر التطورات التي لا يمكن أن يتخيلها أي شخص وأكثرها تقلبًا، وهو التحول الذي ترك الرؤوس تدور في عواصم حول العالم"، قائلة: "لقد انقلبت التحالفات والمنافسات التي حكمت الدبلوماسية لأجيال في الوقت الحالي على الأقل".
وعن دور الولايات المتحدة، قالت "نيويورك تايمز" إن الأمريكيين، الذين كانوا الفاعلين المركزيين في الشرق الأوسط على مدى ثلاثة أرباع القرن الماضي، وكانوا دائمًا موجودين في الغرفة التي حدث فيها ذلك، يجدون أنفسهم الآن على الهامش خلال لحظة تغير كبير".
في المقابل، فإن الصينيين، الذين لعبوا لسنوات دورًا ثانويًا فقط في المنطقة، حولوا أنفسهم فجأة إلى لاعب قوي جديد. أما الإسرائيليون، الذين كانوا يغازلون السعوديين ضد خصومهم المشتركين في طهران، فيتساءلون الآن أين يتركهم ذلك، بحسب الصحيفة.
ونقلت الصحيفة عن إيمي هوثورن، نائبة مدير الأبحاث في مشروع الشرق الأوسط للديمقراطية، وهي مجموعة غير ربحية في واشنطن، قولها إنه "لا يمكن للولايات المتحدة أن تتوسط في مثل هذه الصفقة الآن مع إيران على وجه التحديد، حيث لا توجد لدينا علاقات. ولكن بالمعنى الأكبر، فإن الإنجاز المرموق للصين يخزنها في اتحاد جديد دبلوماسيًا ويتفوق على أي شيء تمكنت الولايات المتحدة من تحقيقه في المنطقة منذ أن تولى بايدن منصبه".
في المقابل، اعتبرت "نيويورك تايمز" أن "هذا لا يعني أن سنة الرياض وشيعة طهران قد وضعوا جانبا كل خلافاتهم العميقة والباطنية.
وأضافت: "في الواقع، من المتصور أن هذه الاتفاقية الجديدة لتبادل السفراء قد لا يتم تنفيذها في النهاية، بالنظر إلى أنها وضعت في جدول زمني حذر مدته شهران لوضع التفاصيل".
الملف اليمني
أما "
واشنطن بوست"، فقالت إن توسط الصين من أجل الاتفاق بين السعودية وإيران والمصالحة بينهما يثير دهشة واشنطن، حيث اعتبر بعض المراقبين أن إدراج بكين في الصفقة ازدراء صحيحاً للإدارة الأمريكية.
ونقلت الصحيفة عن نائبة الرئيس ومديرة السياسة الخارجية في معهد "بروكينغز" سوزان مالوني، قولها إن ما هو ملحوظ بالطبع، هو قرار منح الصينيين انتصاراً كبيراً في العلاقات العامة - صورة فوتوغرافية تهدف إلى إظهار مكانة الصين الجديدة في المنطقة"، مضيفة أنه "بهذا المعنى، فيبدو أنها صفعة سعودية أخرى بوجه إدارة بايدن".
وكشف مصدر كبير في الإدارة مطلع على المحادثات بين طهران والرياض، تحدث شرط عدم الكشف عن هويته، أن الولايات المتحدة كانت على اطلاع دائم بالمفاوضات منذ البداية، لافتاً إلى أن السعوديين أوضحوا للمسؤولين الأمريكيين أنهم مهتمون بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران.
واستدرك المصدر قائلا إن الرياض أعربت في الوقت ذاته عن عدم استعداداها لإتمام هذه الصفقة دون تطمينات وضمانات قوية من الإيرانيين بأن الهجمات ضد المملكة ستتوقف، مع تقليص طهران للدعم العسكري لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في اليمن.
وفي السياق، قال جوناثان لورد، من مركز الأمن الأميركي الجديد، إن الرياض تحاول التخفيف من المخاطر التي تشكلها إيران، معتبراً أن السماح للصين بالوساطة في صفقة دبلوماسية لن يهدد العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة والسعودية، وأن القيادة المركزية الأمريكية ستواصل العمل مع شركائها الإقليميين لبناء هيكل أمني إقليمي.
وشكك خبراء أمريكيون، بحسب الصحيفة، في التزام إيران بالاتفاق مع السعودية، فيما اعتبر الباحث الزائر في مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي مات داس، أن "أي أمر يخفض درجة التوتر بين إيران والسعودية، ويقلّل من احتمال نشوب صراع، هو أمر جيد".
وأشار إلى أنها علامة محتملة مشجعة على أنه بإمكان دول المنطقة متابعة مثل هذه المبادرات دون طلب الكثير من الضمانات من الولايات المتحدة.
انتصار الصين
من جهتها، اعتبرت صحيفة "
فاينانشال تايمز" أن توسط بكين للمصالحة بين الرياض وطهران انتصار للدبلوماسية الصينية يسلط الضوء على نفوذ بكين المتنامي في منطقة الشرق الأوسط.
وقالت إن هذا الاتفاق يمثل تحديًا للولايات المتحدة، التي أضعفت علاقاتها القوية تقليديًا مع الرياض مؤخرًا، في الوقت الذي أجرت فيه إيران والسعودية عدة جولات من المحادثات استضافتها العراق وسلطنة عمان.
ويأتي التحسن في العلاقات السعودية الإيرانية أيضًا خلال فترة التوترات المتزايدة بين الجمهورية الإسلامية والغرب بسبب قمع طهران للمتظاهرين وطموحاتها النووية وبيع طائرات بدون طيار لروسيا تُستخدم لمهاجمة أوكرانيا.
ووصفت آنا جاكوبس، كبيرة المحللين في دول الخليج في مركز أبحاث Crisis Group، الاتفاقية بأنها "انتصار كبير لجهود خفض التصعيد الإقليمية".
وقال إن "الاتفاق السعودي الإيراني هو علامة واضحة على استعداد البلدين لطي الصفحة بعد سنوات من الاضطراب. وستكون هناك حاجة لمزيد من الحوار وتدابير بناء الثقة، لكن هذه بداية رائعة".
وأشار جاكوبس إلى أنها كانت خطوة نحو تحسين الحوار بين إيران والأعضاء الآخرين في مجلس التعاون الخليجي الذي يضم قطر والإمارات العربية المتحدة.
"أولوية اليمن"
أما صحيفة "
لوموند"، فقالت إن الاتفاق أنهى الصدع بين السعودية وإيران الذي استمر لمدة سبع سنوات ووضع منطقة الشرق الأوسط على حافة الهاوية.
وبحسب الصحيفة، فقد تشبث اللاعبون في المنطقة بأمل ضعيف في رؤية القوتين المتعاديتين تعيدان الاتصال لتجنب حدوث انفجار، ومن أجل تسوية سلسلة الأزمات والصراعات التي يغذيها التنافس بينهما.
ومع ذلك، فقد اعتبرت الصحيفة أن الاسترخاء الذي بدأته العلاقة بين الدولتين، لم يضع حدًا للتنافس بينهما، ناقلة عن المحلل توماس جونو، الملحق بمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، قوله إنه "في الوقت الحالي، لا ينبغي أن نتوقع أن يؤدي هذا الاتفاق بين إيران والسعودية إلى مصالحة حقيقية".
وأضاف: "بل هو اتفاق لإدارة التوترات الثنائية التي لا تزال مرتفعة بشكل أفضل. ومنذ الثورة الإسلامية عام 1979، كانت القوتان تتنافسان على السيادة الإقليمية، كل منهما تتظاهر بأنها مدافعة عن التيارين الرئيسيين للإسلام، السنة بالنسبة للرياض والشيعة بالنسبة لطهران".
واعتبر أن التوسع الإيراني في المنطقة أدى إلى زيادة حدة التنافس بينهما في العديد من القضايا، من لبنان إلى اليمن، بما في ذلك سوريا والعراق.
واعتبرت الصحيفة أن الاتفاق بين السعودية وإيران يسلط الضوء على أولوية الملف اليمني بالنسبة للطرفين، في الوقت الذي تقود فيه الرياض تحالفا عربيا ضد جماعة الحوثي المدعومة عسكريا من قبل طهران.
وقالت إن الصراع في اليمن بلغ أشده إلى حدود هجوم أيلول/ سبتمبر 2019 الذي استهدف اثنين من أكثر مواقع النفط الاستراتيجية في المملكة العربية السعودية، بواسطة طائرات بدون طيار وصواريخ، أُطلقت وفقًا للولايات المتحدة من الأراضي الإيرانية، معتبرة أن هذا الهجوم، الذي لم يرد عليه الأمريكيون، سلط الضوء على الضعف السعودي وغذى الاعتقاد في الرياض بأن الحرب ضد إيران ستكون مدمرة، مع اقتناع السعوديين بعدم التعويل على واشنطن في مواجهة طهران.
ويأتي الاتفاق بين طهران والرياض في وقت حرج بالنسبة للجمهورية الإسلامية، حيث تواجه طهران انخفاضًا تاريخيًا في عملتها مقابل العملات الأجنبية، فيما تزداد عزلة إيران بسبب انتهاكاتها المتكررة لاتفاق برنامجها النووي، ما جعل طهران تلجأ إلى المصالحة مع جيرانها الإقليميين.