نشرت مجلة
"
فورين أفيرز" مقالا أعده مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق
والمدير التنفيذي السابق لمعهد الأمن القومي الإسرائيلي عاموس يادلين، قال فيه إن العلاقات
الأمريكية – الإسرائيلية تمر بأوقات عصيبة، والتي عادة ما تنظر إليها الحكومة
الأمريكية بأنها متينة.
وأشار الكاتب
إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن انتقد سياسة رئيس وزراء
الاحتلال بنيامين نتنياهو
الساعية لزيادة عدد المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، بينما يتردد نتنياهو في تقديم
الدعم العسكري لأوكرانيا وسط حنق المسؤولين الأمريكيين.
ولفت إلى أن
الشهر الأول من عمر حكومة الاحتلال الجديدة شهدت زيارات متنوعة للمسؤولين
الأمريكيين الذين أكدوا التزامهم بدعم "إسرائيل"، حيث كان لدى نتنياهو الوقت
الكافي للحصول على دعم الولايات المتحدة في موضوع
إيران وتطبيع العلاقات مع الدول
العربية. إلا أن المسؤولين الأمريكيين أكدوا لنتنياهو أن بايدن لا يوافق على سياسة
الحكومة من الفلسطينيين وأوكرانيا والسياسات الداخلية.
ورأى أن بايدن
هو الزعيم العالمي الوحيد القادر على منع إيران من الحصول على السلاح النووي وهو
الرئيس الأمريكي القادر على منح السعودية الضمانات الأمنية التي تريدها مقابل
التطبيع. لكن بايدن لن يستطيع تخصيص الوقت الكافي لهذين الأمرين والمسرح الفلسطيني
مشتعل.
وسيكافح في
إقناع حكومته لدعم نتنياهو وهو يبعد نفسه عن الغرب، تحديدا في أوكرانيا ويقوم
بتفكيك الديمقراطية الإسرائيلية من الداخل. ومن أجل أن يحقق نتنياهو تقدما في
أهداف السياسة الخارجية، فعليه أن يقوم بالمقايضة، والتنازل عن ملامح في السياسة
الداخلية والخارجية من أجل الحصول على تعاون كامل من إدارة بايدن.
وكان نتنياهو
واضحا في خطابه من أنه يريد زيادة الضغط على إيران والحد من برنامجها النووي
وتأثيرها الإقليمي. وفي المقابل عبر عن رغبة بتوسيع اتفاقيات التطبيع مع دول عربية
عام 2020 لتشمل السعودية.
وقبل عامين
وجد نتنياهو صعوبة في تحقيق هذين الهدفين، فقد كان بايدن يريد العودة للاتفاقية
النووية، إلا أن الوقت تغير، ففي ظل رفض إيران العودة إلى المفاوضات وقمعها
للمتظاهرين وتقديمها الدعم العسكري لروسيا في أوكرانيا، فإن بايدن مستعد للمخاطرة
واتخاذ موقف متشدد من طهران. ويعرف نتنياهو هذا، ويأمل بأن يدفع بايدن على بناء
حملة ضغط قصوى ضد إيران وتنسيق تهديد عسكري.
ومن السهل
معرفة رغبة نتنياهو للحصول على دعم أمريكا، فلو قرر البلدان أن المفاوضات ميتة وأن
العقوبات قادمة، فقد يكون نتنياهو قادرا على التعاون مع واشنطن وإقناع طهران بالتوقف عن تطوير برنامجها النووي والقبول بنوع من الصفقة "القوية
والأطول" التي تحدث عنها بلينكن.
ويمكنهما بحسب
الكاتب، ردع إيران من خلال تهديدها بعمل عسكري لو تجاوزت عددا من الخطوط الحمر مثل
تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 بالمئة أو الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة
النووية أو تحويل برنامجها النووي المدني لعسكري. وربما هددت واشنطن بمزيد من
العقوبات الاقتصادية على إيران لدفع الأخيرة لتغيير حساباتها.
ويمكن
لإسرائيل العمل مع واشنطن لعزل إيران دوليا من خلال إقناع الاتحاد الأوروبي لتوسيع
العقوبات على تصدير السلاح التقليدي لطهران بسبب دعمها لروسيا في أوكرانيا.
ومعا تستطيع
الولايات المتحدة وإسرائيل زعزعة استقرار إيران وإنشاء معمار أمني جديد للشرق الأوسط،
يقوم على تبادل المعلومات الاستخباراتية واللوجستيك والمصادر الأخرى وحماية حرية
الملاحة وتنسيق الخطوات الأخرى ضد إيران.
صحيح أن إدارة
بايدن أعربت عن استعداد لاتخاذ موقف متشدد من إيران، وأنها قد تنسق مع إسرائيل كما
في المناورة العسكرية الأخيرة، لكن واشنطن وضعت مسافة بينها وبين التبني الكامل
لاستراتيجية إسرائيل.
ونفت أمريكا
أي علاقة بالهجوم على مصنع أسلحة في أصفهان بكانون الثاني/يناير والغارات على
قوافل الأسلحة قرب الحدود السورية- العراقية. لكن واشنطن لا تزال قلقة من انتقام
إيران، وهذا القلق يحد من قدرتها على منع إيران من مهاجمة قواتها وحلفائها أو
ردعها عن مواصلة برامجها النووية.
ويمكن أن
تساعد إدارة بايدن في تعزيز التقارب السعودي-الإسرائيلي، وهي ليست خائفة من عمل
هذا، لكنها ستجد صعوبة في ظل التوتر بين بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
فعلاقات باردة بين الولايات المتحدة والسعودية ستعقد من اتفاقية تطبيع مع إسرائيل
وربما جعلتها بعيدة المنال.
وقبل التوقيع
على أي اتفاقية تريد الرياض ضمانات أمنية قوية وتزويدا بدون انقطاع للسلاح المتقدم
ومساعدة في تطوير مشروعها النووي المدني. ولحين تغيير نتنياهو مواقفه وإظهاره
المرونة فمن الصعب رؤية تحرك أمريكي بهذا الاتجاه.
ويعرف نتنياهو
أن منع إيران من امتلاك السلاح النووي هي مهمة صعبة، وأن الطريق للتطبيع مع
السعودية يمر عبر واشنطن، ولهذا عليه إظهار حسن النية وتعديل سياساته لتناسب مصالح
وقيم أمريكا.
ويمكنه البدء
بالصين، المنافس الأكبر لأمريكا وأولوية بايدن الكبرى. فقد دعم نتنياهو سياسات
مؤيدة للصين خلال العقد الماضي، ووضح في كانون الأول/ديسمبر 2022، أن العلاقات مع
الصين واقعة تحت المصالح القومية الإسرائيلية.
وهو تصريح يشي بأن العلاقة مع الصين قد تضبط للاستجابة لمظاهر القلق الأمريكية.
وبالتأكيد
فسياسات إسرائيل الاقتصادية باتت تميل نحو الغرب من ناحية نشر الوعي بمجال التعاون
مع الكيانات الصينية ووضع آليات رقابة وإشراف للتعاون مع الصين.
ويجب على
نتنياهو مواصلة علاقة مثمرة مع الصين، إلا أنه مطالب بتوطيد العلاقات التجارية مع
الولايات المتحدة وشركائها في أوروبا وفي آسيا مثل الهند واليابان وكوريا
الجنوبية.
وعلى نتنياهو
تعميق العلاقات مع هذه الدول ومنح محفزات للشركات فيها لكي تتعامل مع الشركات
الإسرائيلية. وسيجد نتنياهو صعوبة في تعديل مواقفه لتناسب أمريكا. وفيما يتعلق
بأوكرانيا، فهو يريد استمرار التعاون مع روسيا لمواصلة حملته ضد إيران ووكلائها في
سوريا ومنع موسكو من توثيق علاقاتها العسكرية مع إيران. كما يريد حماية الوكالة
اليهودية ونشاطاتها في روسيا.
إلا أن موقف
الحياد لم يعد يساوي كلفته، فروسيا منشغلة في أوكرانيا وليس لديها الوقت الكافي
لضرب الطيران الإسرائيلي فوق سوريا. وفي ضوء كلفة الحرب لم يعد لدى روسيا سوى
كميات قليلة لكي تبيعها لإيران. وحتى موضوع الوكالة اليهودية ومضايقة موسكو لها،
فلن يساوي خسارة سمعة إسرائيل. ولو شجب نتنياهو الحرب وبدأ بدعم أوكرانيا بالأسلحة
الدفاعية، فلربما حصل على رأسمال من بايدن والذي يمكن استخدامه لخدمة أولويات سياسته
في إيران ومع السعودية.
لكن على
إسرائيل عمل المزيد وأكثر من مجرد التعاون في الصين وأوكرانيا. ففي أثناء زيارته
لإسرائيل تحدث أن التصرف الإسرائيلي هو أكبر تهديد للعلاقات الأمريكية-
الإسرائيلية. وهذه إبرة يصعب على نتنياهو وضع خيط فيها، فهو مطالب بحماية إسرائيل
من العمليات المسلحة الفلسطينية، كما أن حكومته حافلة بالوزراء المتطرفين الذين
يريدون ضم الضفة الغربية وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية وإلغاء السلطة
الوطنية وتحقيق نصر حاسم ضد الفلسطينيين.
ويمكن
لنتنياهو المساعدة في هذا من خلال دبلوماسية هادئة مع واشنطن وبعيدا عن الأنظار،
يوضح فيها سياسته ومحدودية سلطة وزرائه وأنه مكرس لتحسين حياة الفلسطينيين ومواجهة
العنف النابع من الضفة.
وفي النهاية
على نتنياهو تجنب اتخاذ إجراءات تعقد الوضع مثل السماح لليهود بالصلاة في المسجد
الأقصى وتشريع البؤر
الاستيطانية في الضفة الغربية وضمها أو الشروع ببناء مستوطنات
جديدة.
وقد يغضب
نتنياهو حلفاءه بهذه الإجراءات لكن سماحه لهم بإشعال الوضع ضد الفلسطينيين سيحرف
النظر عن أهداف السياسة الخارجية الأمريكية. ففي الوقت الذي وجدت فيه الوكالة
الدولية للطاقة الذرية أن إيران خصبت يورانيوم بمعدل 84 بالمئة كانت إسرائيل
والولايات المتحدة منشغلتين بمنع مجلس الأمن الدولي من شجب شرعنة تسع بؤر استيطانية في
الضفة الغربية، بدلا من التركيز على سير إيران نحو القنبلة النووية.
وأشار الكاتب
إلى أن الأمريكيين والمصريين والأردنيين والإسرائيليين والفلسطينيين اجتمعوا في
العقبة ليغلب على اجتماعهم التطورات في الضفة وحرق بلدة حوارة، وما صدر من تصريحات
نارية من وزراء الحكومة حول حرق ومحو البلدة بعد مقتل مستوطنين، ثم زار مارك ميلي،
رئيس هيئة الأركان إسرائيل بداية الشهر وتبعه لويد أوستن وزير الدفاع الأمريكي
لبحث خفض التوتر.
ولو أراد
نتنياهو الحصول على دعم واشنطن في موضوع إيران، فعليه منع وزرائه والمستوطنين من
إشعال العنف ضد المستوطنين. ومواصلة التحريض والاستفزاز من اليمين المتطرف، سيغضب
بايدن والقادة الغربيين.
وسيتعامل
بايدن معها كإهانة شخصية له وهو يحاول مواجهة نقاد إسرائيل. ولا يحتاج نتنياهو
للتوافق مع بايدن في كل قضية، إلا أن محاولة الحصول على دعمه لن تكون سهلة، ويواجه
نتنياهو ما يعرف بمكعب روبيك، فهو يريد إرضاء بايدن للحصول على دعمه في الملف
الإيراني والتطبيع مع السعودية.
وبالمقابل يواجه تحالفا يريد التشدد في الموضوع
الفلسطيني والشأن المحلي، أي تقويض القضاء. ولحل لغز المكعب عليه أن يعطي الأولوية
للعلاقة مع أمريكا مهما كان رأي حلفائه في الداخل، فالولايات المتحدة هي حليف لا
يستغني عنه في أمن إسرائيل.