صحافة دولية

بعد نفوذ الصين.. ما مستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج؟

تواجه حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تحديات جيوسياسية وتجارية جديدة- جيتي
نشرت مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن نفوذ الصين المتزايد في الخليج العربي ما يعني أنه يتعيّن على واشنطن ممارسة لعبة جيوسياسية أكثر حذرًا في المنطقة.

وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن العلاقات بين جمهورية الصين الشعبية ودول مجلس التعاون الخليجي ازدهرت خلال العقود الأخيرة ما عزّز الروابط في مجالات الطاقة والتجارة والسياسة والثقافة.

وذكرت المجلة أن دول مجلس التعاون الخليجي تلعب دورًا حاسمًا في مبادرة الحزام والطريق الصينية والتوسع غربًا نظرًا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي وقربها من البحر الأحمر. ولا يقتصر التبادل الاقتصادي بين ممالك الخليج والصين على الطاقة والمواد الكيميائية فقط، بل أصبحت عملية ثنائية الاتجاه تنوعت وتعمقت لتشمل تطوير أشكال الطاقة المتجددة، وإنشاء البنية التحتية، والنقل.

بالإضافة إلى ذلك، بدأت دول الخليج تبني أشكال أخرى أكثر تقدمًا وذات قيمة مضافة للنشاط الاقتصادي، بما في ذلك الاستثمارات في التمويل والسياحة والاقتصاد الرقمي. وفي الوقت نفسه، استثمرت جمهورية الصين الشعبية أيضًا في تطوير الموانئ والمجمعات الصناعية على طول الساحل لشبه الجزيرة العربية كجزء من طموحات مبادرة طريق الحرير البحري.

وأشارت المجلة إلى أنه مع عودة ظهور الخليج العربي كساحة لتنافس القوى العظمى، تشعر الولايات المتحدة بالقلق بشأن دخول جمهورية الصين الشعبية إلى المنطقة. وتنبع الكثير من ضغوط واشنطن الحالية من الجهود المبذولة لكبح النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي والجيوسياسي العالمي المتنامي للصين. وتكثيف التنافس الشامل، الذي يشمل القوة العسكرية والتجارية والمالية والتقنية، سيزيد من خطر جعل دول مجلس التعاون الخليجي محور المحاولات الأمريكية والصينية للتوافق مع سياسات كل منهما وليس مع سياسات منافسيها.

إن الأنظمة الملكية في دول مجلس التعاون الخليجي في وضع حرج، حيث يجب أن تسعى جاهدة لتحقيق قدر أكبر من الاستقلالية عن طريق الحد من تعرضها للمنافسة الاستراتيجية بين القوى العظمى. لكن سرعة احتدام التنافس بين الولايات المتحدة والصين خلقت وضعًا محفوفًا بالمخاطر بشكل لا يصدق للسياسة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي.


مقاربات مختلفة
تواجه حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تحديات جيوسياسية وتجارية جديدة، إلى جانب ضغوط جديدة على إدارة أمنها القومي والتنمية الاقتصادية. ولم تتردد إدارة بايدن في الضغط على الأنظمة الملكية في دول مجلس التعاون الخليجي لأنها ترى أن تعاونها مع الصين (خاصة في مجال الابتكار التكنولوجي)  مضر بالأمن القومي الأمريكي.

في المقابل، تدرك دول مجلس التعاون الخليجي المخاوف الأمريكية المتزايدة بشأن الصين ولا تريد الوقوع في صراع بين البلدين. لكن المنافسة المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين تضغط على دول مجلس التعاون الخليجي للانحياز إلى إحدى القوتين. وتحاول هذه الدول الموازنة بين حليفها الأكثر أهمية: ضامن الدفاع من جهة، وشريكها الاقتصادي متزايد الأهمية واللاعب الإقليمي الصاعد من ناحية أخرى.

أوضحت المجلة أن دول الخليج تحافظ على تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، بينما تسعى أيضًا إلى التحوط من التهديدات من خلال إقامة علاقات مع قوى أخرى مثل الصين، من أجل حماية نفسها من ميزان القوى الجيوسياسي الضعيف. وتهدف سياسة التحوط هذه إلى استخدام الصين كمصدر إضافي للدعم السياسي والاقتصادي وحتى العسكري يمكن الاستفادة منه للضغط على الولايات المتحدة لتعديل سياستها. ورغم شكوكها حول التزام واشنطن بأمنها، تدرك دول الخليج أنه لا يوجد بديل للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.

مع شكوك دول الخليج المشتركة بشأن التزام واشنطن المستقبلي تجاه المنطقة، إلا أن مواقفها تجاه الصين والتنافس بين القوى العظمى تختلف اختلافًا كبيرًا. ويمكن تقسيم هذه الآراء إلى ثلاث مجموعات: "دول التحوط" (السعودية والإمارات)، و"دول التوازن" (قطر وعمان)، و"الدول الحذرة" (الكويت والبحرين). ستختبر الاستراتيجيات التي تتبعها كل دولة في نهاية المطاف أمن المنطقة واستقرارها، وربما تقسم دول مجلس التعاون الخليجي.

وحسب المجلة، جاء قرار إدارة بايدن بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان ومراجعة الوجود العسكري الأمريكي في بقية أنحاء الشرق الأوسط، سواء عن طريق قطع الدعم العسكري الأمريكي عن الهجوم الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن أو نقل السفن والقوات وأنظمة الأسلحة من دول الخليج الأخرى نحو مسرح المحيط الهادئ، على حساب الوجود الأمريكي في المنطقة. لكن في عصر التنافس بين القوى العظمى، لا تستطيع واشنطن وحدها مواصلة حفظ الأمن في الخليج كما فعلت في الماضي، لأن لديها أولويات أخرى.

يجب على الولايات المتحدة إيجاد طريقة لتقليص وجودها العسكري في الخليج العربي بينما تدفع دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت نفسه للتدخل وسد هذه الثغرات. وهذا يعني أن واشنطن بحاجة إلى أن يكون شركاؤها الخليجيون قادرين على الدفاع عن أنفسهم، بدلاً من أن يظلوا معتمدين عسكريًا ولوجستيًا على الدعم الأمريكي في كل صراع إقليمي. فعلى سبيل المثال، أظهرت الحملة العسكرية التي استمرت ثماني سنوات في اليمن والقتال ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران أوجه قصور في دول الخليج.

على الرغم من أن هذا النهج موجه نحو تشجيع دول مجلس التعاون الخليجي على الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الخارجية، إلا أنه يتيح لها أيضًا مزيدا من الاستقلال الذاتي في المناورة في منافسة القوى العظمى. بعبارة أخرى، ستكون دول مجلس التعاون الخليجي حرة في تطوير التعاون الاقتصادي والتكنولوجي مع الصين دون تهديد الشراكة الأمنية الاستراتيجية الشاملة مع الولايات المتحدة طالما أن هذه الإجراءات لا توفر لبكين موطئ قدم استراتيجيا لا داعي له في المنطقة.

الخيارات الأمريكية
ما هي الخيارات التي تواجه إدارة بايدن، وما هي الخطوة التالية في العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي؟ إذا أرادت دول مجلس التعاون الخليجي الحفاظ على شراكتها الأمنية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، فعليها أن تتماشى مع واشنطن في تنافسها مع بكين. وتتوقع إدارة بايدن أن يضطر حلفاؤها الخليجيون إلى اتخاذ خيارات صارمة ووحشية بين القوتين العظميين بدلاً من محاولة مجاراة كلا الجانبين.

وأوردت المجلة أن الشراكة الأمنية الاستراتيجية الأمريكية (مبيعات الأسلحة وضمانات الأمن الإقليمي) تعتبر العامل الحاسم في استقرار العلاقات مع شركائها الخليجيين والتنافس مع الصين على النفوذ الإقليمي. وتخلق هذه "الورقة الرابحة" شريان حياة عسكريا يربط بين دول مجلس التعاون الخليجي وواشنطن.

بشكل عام، تدرك دول الخليج أنه لا يوجد بديل للوجود العسكري الأمريكي في الخليج لصد العدوان الإيراني. لذلك، فإن مدى التزام الولايات المتحدة بأمن دول مجلس التعاون الخليجي يجب أن يعتمد على طبيعة ودرجة التقارب الاستراتيجي لعلاقتها مع الصين. ومع ذلك، يجب على دول مجلس التعاون الخليجي أن تظهر أنها شريك مسؤول ومخلص. وتحتاج إدارة بايدن إلى التأكد من ذلك لأنها تسعى إلى إعادة تشكيل موثوقيتها في كل ما يتعلق بالتزاماتها الأمنية الإقليمية.

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)