رغم مرور 20 عاما على الإطاحة بنظام
الرئيس
العراقي،
صدام حسين لا يزال العراق بعيدا عما أسماه الرئيس الأمريكي السابق جورج
بوش "الديموقراطية الليبرالية"، إذ تعاني البلاد منذ الغزو الأمريكي
البريطاني في أذار 2003 من النزاعات الدامية والفساد وعدم الاستقرار.
وأثبتت عدة تقارير وتحقيقات صحفية فضلا
عن اعترافات المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين عدم حقيقة المزاعم التي قدمها
وزير الخارجية الأمريكي آنذاك كولن بأول بوجود أسلحة دمار شامل في العراق، غير أن الهدف
المعلن للقوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي التي أرسلت إلى الصحراء العراقية في
20 آذار/مارس 2003 كانت مصادرة أسلحة الدمار الشامل المزعومة.
في المقابل، ما حصل هو الإطاحة وبلمح
البصر بالدكتاتور الذي كان يهيمن على السلطة في العراق منذ العام 1979.
وقال المحلّل سامويل هيلفونت لوكالة
فرانس برس، إن بوش تعهد "بفرض ديموقراطية ليبرالية" كبديل عن النظام العراقي،
لكن "الولايات المتحدة كانت تجهل كلّ شيء عن العراق".
وأضاف المحلل وهو أستاذ مساعد في
الاستراتيجية والسياسة في الكلية البحرية للدراسات العليا في كاليفورنيا: "لم
يفهموا لا طبيعة المجتمع العراقي ولا طبيعة النظام الذي أطاحوا به".
ومنذ العام 2003 وحتى تاريخ انسحاب
القوات الأمريكية من العراق عام 2011، قتل أكثر من 100 ألف مدني عراقي، وفق منظمة
"ضحايا حرب العراق". في المقابل، فقدت الولايات المتحدة قرابة 4500 عنصر
في العراق.
وتعرض العراق لأكبر صدماته بعد الغزو
الأمريكي البريطاني، عندما سيطر تنظيم الدولة على مناطق واسعة من البلاد في صيف
العام 2014 شملت نحو ثلث مساحة العراق، وانتهت أواخر العام 2017 عندما أعلنت
بغداد
"الانتصار" العسكري على التنظيم المتطرّف بعد معارك ضارية ودعم من تحالف
دولي بقيادة واشنطن.
وأفرزت أحداث العنف خلال العقدين
الماضيين، تغييراً عميقاً في المجتمع العراقي الذي يتميز بتنوعه العرقي والمذهبي
الكبير.
وتراجعت أعداد المسيحيين والإيزيديين
في البلاد، بسبب تعرّضهم لهجمات خلال الحرب الطائفية، وانتهاكات على أيدي عناصر
تنظيم الدولة، ما أنتج موجاتٍ متتالية من الهجرة.
وتوترت العلاقات بين الحكومة الاتحادية
وإقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي ويسعى للمزيد من الصلاحيات، خصوصا بشأن ملفّ
صادرات النفط التي تخرج من الإقليم.
وأواخر العام 2019، شهدت مناطق عديدة
في البلاد لكن خصوصاً العاصمة بغداد، احتجاجات واسعة غير مسبوقة، تنديداً بـالفساد
و"سوء الإدارة" و"التدخّل" الإيراني في شؤون العراق.
أعقبت التظاهرات التي تعرّضت لقمع
شديد، انتخابات تشريعية مبكرة في تشرين الأول/أكتوبر 2021، وتطلّب الأمر من
الأحزاب السياسية الغارقة في ممارسات الفساد والتحاصص، عاماً كاملاً قبل الاتفاق
على اسم رئيس جديد للوزراء، بعد مواجهات دامية بين فصائل مسلحة شيعية.
اليوم، يؤكد رئيس الوزراء العراقي محمد
شياع السوداني في حديث لوكالة فرانس برس أنه يريد معالجة الفساد "وفقا
للسياقات القانونية"، في بلد تهيمن هذه الآفة على أغلب مؤسساته ويحتل المرتبة
157 من بين 180 دولة من أكثر الدول فسادا في العالم، وفقا لمنظمة الشفافية
الدولية.
لكن هذه مهمة صعبة، لأن "الفساد
متجذّر في العراق"، وفقا للخبير السياسي الكندي العراقي حمزة حداد.
ويقول حداد: "نحن نتحدث عن الذكرى
العشرين (للاجتياح)، لكن أي عراقي سيقول لك بأن الفساد بدأ بالازدهار في زمن
العقوبات الدولية التي فرضت على نظام صدام حسين في تسعينات القرن
الماضي".
بالإضافة إلى ذلك، يعاني البلد على
الرغم من احتياطاته النفطية الهائلة من بنى تحتية متهالكة تنعكس انقطاعا في التيار
الكهربائي لساعات طويلة كل يوم وغياب شبكات توزيع المياه الصالحة للشرب، وانتشار
الفقر الذي يضرب ثلث سكان العراق البالغ عددهم 42 مليونا.
لكن العراق، وفق حمزة حداد، "دولة
في طور التحول الديموقراطي. يميل الناس إلى نسيان بأن عشرين سنة تعدّ فترة قصيرة
جداً من عمر الدولة".
حالياً في العراق حيث ينتمي غالبية
السكان إلى المذهب الشيعي، "لا تزال الأحزاب السياسية الشيعية أقوى
اللاعبين" على الساحة السياسية، وفق الباحث في معهد واشنطن للأبحاث حمدي
مالك.
ويضيف بأنه على الرغم من
خلافاتها، فإن "التيارات الشيعية المدعومة من إيران تمكّنت من المحافظة على
تماسك معيّن" للحفاظ على علاقاتها، إلا أن طهران "تلعب دوراً حاسماً
لضمان بقاء هذا التماسك".
فبعد حرب دامية مع العراق في
الثمانينات، أصبحت إيران أقرب حليف للعراق بعد 2003.
إضافة إلى العلاقات التجارية بين
البلدين واعتماد العراق على الغاز الإيراني، يضمّ العراق أكثر من 150 ألف مقاتل من
الحشد الشعبي، فصائل مسلحة موالية لإيران أدمجت بالقوات الأمنية الحكومية.