تسعى أوساط أمريكية وأوروبية للتدخل لمنع الانقلاب القضائي الذي تسعى إليه حكومة بنيامين نتنياهو وسط تصاعد
الاحتجاجات الإسرائيلية ضدها.
ولم تقتصر الاحتجاجات الإسرائيلية
على ما تقوم به حكومة اليمين من تغييرات قانونية على الداخل فقط، بل دخلت
على خط معارضتها أوساط دولية تعتبر صديقة للاحتلال، خاصة في الولايات المتحدة والاتحاد
الأوروبي.
وأصدرت أوساط أمريكية أوروبية سلسلة من التحذيرات، فضلا
عن أجواء من السخط على تل أبيب، وكبار الشخصيات في السياسة الأمريكية تريد مقابلة كبار المسؤولين في نظام
القضاء الإسرائيلي، لإجراء مناقشة معمقة بشأن التغييرات
القانونية.
يارون أفراهام مراسل القناة
12 كشف أن "وفدا من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات
المتحدة سيصلون إسرائيل هذه الأيام بقيادة زعيم الديمقراطيين تشاك شومار، ويعتزم
لقاء كبار المسؤولين الحاليين والسابقين في النظام القانوني الإسرائيلي، للاستماع
منهم مباشرة لما يفكرون به بشأن الثورة القانونية التي تروج لها
الحكومة، مع أننا
أمام اجتماعات غير عادية، بعضها مقرر بالفعل، وبعضها مخطط له، مع قضاة ورؤساء
سابقين للمحكمة العليا ومحامي دولة سابقين".
وأضاف في
تقرير ترجمته "عربي21" أن "وصول هذه الوفود إلى دولة الاحتلال
يوضح مدى القلق الدولي من التغييرات القانونية المزمعة، خاصة من كبار الشخصيات في
السياسة الأمريكية، وفي الوقت ذاته فإن البرلمان الأوروبي ينوي إجراء مناقشة مخصصة
في المستقبل القريب فيما يتعلق بالتغييرات القانونية، من خلال اجتماعات عقدتها نائبة
رئيس البرلمان الأوروبي نيكولا بار، عقب لقائها بوزارة الخارجية وأعضاء الكنيست، وتحدثت
في الغرف المغلقة بسلبية عن هذه التطورات".
ونقل المراسل عن المسؤولة
الأوروبية "تحذيرها لمستمعيها في إسرائيل أن القيم المشتركة أساس التعاون
بيننا، فيما قال مسؤول إسرائيلي إننا منزعجون للغاية من هذه التدخلات، ووصفها لهذه
التغييرات القانونية بأنها تشبه "وجود الفيل في غرفة الزجاج"، سخيف
ومحرج حقًا".
تشيك فرايليخ نائب رئيس
مجلس الأمن القومي السابق، ومؤلف كتابي "مفهوم الأمن الإسرائيلي"، و"إسرائيل
والتهديد السيبراني"، أكد أن "هناك العديد من الأسباب لمعارضة التغييرات
القانونية، أحدها وأهمها الضرر الجسيم الذي تسببه بالفعل للعلاقات مع الولايات
المتحدة، مع العلم أن العلاقة بين تل أبيب وواشنطن كانت في طريقها إلى أزمة فعلية،
لأن العلاقة الخاصة بيننا تقوم على ثلاثة أسس، أولها وأهمها القيم المشتركة، بما
فيها "التراث اليهودي المسيحي"، وثانيها اللوبي الصهيوني، وثالثها أهمية
إسرائيل الاستراتيجية للولايات المتحدة".
وأضاف في
مقال نشرته
القناة 12، وترجمته "عربي21" أنه "على
عكس الرأي السائد في إسرائيل، فإن الاعتبار الأخير ثانوي في التفكير الأمريكي، والعنصران
الأخيران يستمدان قوتهما من الأول، ويعتمدان عليه في وجودهما، دون منح علاقاتهما
العسكرية المكانة الأولى، بدليل أن الولايات المتحدة تنظر للتغييرات القانونية بأنها
هجوم على النظام السياسي الإسرائيلي ذاته، وبطريقة غير مسبوقة، حذر الرئيس ووزير
الخارجية هذه المرة ليس من تحركات استيطانية في الضفة الغربية، كما في الماضي،
ولكن من مخاطر التغييرات القانونية على إسرائيل نفسها".
وأكد أن "المقالات
في وسائل الإعلام الغربية تصرخ عن حجم التصدّع القائم، ويتوسل السفير الأمريكي في
إسرائيل وأصدقاؤه الرئيسيون لوقف التغييرات القانونية، إضافة للضرر التراكمي الذي
ألحقته سياسة الاحتلال بالقضية الفلسطينية، على مدى عقود، بصورتها كدولة تسعى للسلام،
وعلى مر السنين ازداد الاعتراف في الولايات المتحدة بأن إسرائيل تتحمل المسؤولية
الرئيسية عن الركود السياسي، وقد أدى صعود الحكومة اليمينية لترسيخ هذه القناعة، مما
أدى لتآكل صورة إسرائيل أكثر".
أكثر من ذلك، يقول
المسؤول الإسرائيلي إن "رفض إسرائيل تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا أثار
تساؤلات في الولايات المتحدة حول كونها حليفًا موثوقًا به، مع العلم أنه في
الانتخابات الرئاسية لعام 2020 دعا ثلاثة مرشحين بارزين لجعل المساعدة الأمريكية لإسرائيل
مشروطة بتغيير سياستها بشأن القضية الفلسطينية، ومنذ ذلك الحين بدأت الفكرة تكتسب
زخمًا، خاصة مع حدوث تغييرات ديموغرافية أساسية في الولايات المتحدة، لا تتعلق
بإسرائيل، لكن لها بالفعل تأثير سلبي على العلاقات معها".
وأشار إلى أنه "في 2028،
ومع نهاية حزمة المساعدات الأمريكية الحالية، سيصل إجمالي حجم المساعدات لمبلغ
وهمي يبلغ 170 مليار دولار، والجيش الإسرائيلي يبني على حزمة مدتها عشر سنوات أخرى".
وأضاف: "حتى قبل الانقلاب القضائي الجاري فقد كان من المتوقع أن يكون هناك صراع
صعب بين واشنطن وتل أبيب من أجل الموافقة على تجديد تلك الحزمة من المساعدات، لكن
الأخطر الآن أن الصراع سينشأ لضمان استكمال الحزمة الحالية، حيث تشكل المساعدات
الأمريكية 40 بالمئة من ميزانية جيش الاحتلال، بما يغطي ميزانية المشتريات بالكامل، مع
أن قيمتها النقدية ليست الشيء الرئيسي".
يكمن التخوف الإسرائيلي من
المعارضة الأمريكية للإجراءات القانونية الجارية من الخسارة التدريجية لحليف كبير
وموثوق، فالولايات المتحدة هي التي تحافظ على الميزة العسكرية النوعية لدولة
الاحتلال في المنطقة، وتوفر ضمانا لوجودها، وتحضر الاستعدادات الدائمة
لمواجهة سيناريوهات مختلفة ضد الاحتلال، وحمايته في المحاكم
الدولية، والتعاون معه في الحرب السيبرانية، وتطوير الاستخبارات العسكرية، والتزود
بالصواريخ، وإحباط جهود نزع الشرعية عنها، وفرض الفيتو في مجلس الأمن لمنع فرض
عقوبات عليه.
وفي العقود
الأخيرة طرأ تحسن كبير في الوضع الاستراتيجي والاقتصادي العام لدولة الاحتلال،
ويرجع الفضل في ذلك للعلاقات مع الولايات المتحدة، التي أنهت المخاوف الوجودية
لدولة الاحتلال، وبسبب دورها فتحت اتفاقيات التطبيع إمكانيات غير مسبوقة للتعاون، وردع
إيران عن تجاوز الخطوط الحمراء، على الأقل حاليا.