يشهد أكبر تحالف برلماني للسنة في
العراق، انشقاقات متتالية لأعضائه في
البرلمان، الأمر الذي دفع أحد قادته إلى الحديث عن قرب انتهاء التحالف بعد أكثر من عام على تأسيسه، وسط حديث عن مساع تقودها أطراف سنية مناوئة لإعلان تكتل سني جديد.
ويتكون تحالف "السيادة" البرلماني من حزبي "تقدم" (37 نائبا) بزعامة رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، و"عزم" (34 نائبا)، بقيادة رجل الأعمال والسياسي السني خميس الخنجر، قبل أن يعلن عدد من نوابه الانشقاق عنه بسبب "التفرّد بالقرار"، بحسب قولهم.
انشقاقات جديدة
وفي أحدث انشقاق شهده
تحالف السيادة السني، أعلن أربعة نواب من كتلة "تقدم" التي يرأسها الحلبوسي، انسحابهم من حزب الأخير، وهم: "فلاح الزيدان، لطيف الورشان، عادل المحلاوي، ويوسف السبعاوي".
وجاء في بيان الانسحاب الذي نشره، الجمعة، النائب عادل المحلاوي على "فيسبوك" إن "عددا من أعضاء مجلس النواب العراقي بدورته الخامسة يعلنون انسحابهم رسميا من حزب وكتلة تقدم النيابية ولملاحظات عدة على طريقة عمل الحزب وعدم وجود شراكة حقيقية في اتخاذ القرار".
وأكد النواب المنسحبون "بقاءهم ضمن تحالف السيادة حفاظا على تمثيل محافظاتهم وجماهيرهم؛ على أمل صياغة جديدة تعيد للتحالف دوره، ولأعضائه مكانتهم في الدفاع عن قضايا شعبهم وجماهيرهم"، وفقا للبيان.
وفي اليوم التالي، أعلن القيادي في حزب "تقدم" النائب هيبت الحلبوسي، السبت، عن قرب انتهاء تحالف "السيادة" النيابي بعد عام على تشكيله، عازيا ذلك إلى عدم التزام الشركاء في التحالف بالمواثيق والثوابت الوطنية، بحسب بيان صدر عن مكتبه.
وذكر النائب الحلبوسي أن "الأسباب التي تقف خلف قرب انتهاء تحالف السيادة، هو تغليب المصالح الشخصية لأغلب الشركاء السياسيين في التحالف، وانحراف الكثير منهم عن الاتفاقيات السياسية، إضافة إلى محاولات شق الصف السياسي، سواء في مجلس النواب، أو في المحافظات التي نمثلها".
وبعدها بيومين، صدر بيان مقتضب عن تحالف السيادة جاء فيه أن "مغادرة أي نائب أو عضو أو أي كادر من بين صفوف حزبيه في (تقدم) أو (المشروع العربي)، فهو خارج صفوف التحالف بشكل قطعي".
وأضاف البيان: "نؤكد للإخوة الذين أعلنوا موقفهم بالانسحاب خلال اليومين الماضيين، أن لا عودة لهم إلى صفوف التحالف إلا بقرار من أحزابهم التي ينتمون إليها".
يأتي ذلك بعد نحو شهر من انسحاب النائب البارز رعد الدهلكي من حزب "تقدم" وتحالف السيادة، وكذلك بعد إقالة النائب المفصول من حزبه "تقدم" ليث الدليمي من عضوية البرلمان، والتي وصفها الأخير بأنها تعسفية جرت بقرار فردي من رئيس البرلمان محمد الحلبوسي.
"صراع مناصب"
من جهته، قال الباحث والمحلل السياسي العراقي، كاظم ياور لـ"
عربي21" إن "انشقاق التحالفات السياسية وتفككها سواء السنية أو الشيعية أو الكردية، هو أمر وارد في مرحلة ما بعد الانتخابات، لأن ما جمعهم قبلها هو كيفية الوصول للمناصب وتقاسمها".
وأوضح ياور أن "البيت السني هو من أكثر التحالفات انشقاقا وتفككا خلال مراحل زمنية قياسية بعد الانتخابات، لأن السياج الحامي لتحالفاتهم ليس بالمستوى الذي يمتلكه الآخرون، فعلى سبيل المثال الإطار التنسيقي لديهم مرجعية دينية أو مشاريع طائفية متفق عليها تجعلهم متماسكين".
وأشار إلى أن "التحالفات السنية في الدورة الانتخابية الحالية، وأبرزها تحالف السيادة، لا يوجد لديها ما يجنبها الانشقاقات والتفكك السريع، سوى الاتفاق الذي حصل قبل الانتخابات على تقاسم المناصب الحكومية والبرلمانية وغيرها".
وتابع: "لذلك، فإنه إذا لم يستطع التحالف السني تلبية رغبات القوى المنضوية في داخله، فسرعان ما تأتي الانشقاقات، لأن ثمة إغراءات أخرى تصلهم من البيت الشيعي أو الكردي لاستقطابهم إلى مشاريعهم، وهذا الذي يؤدي إلى تفكك التحالفات السنية".
ولفت إلى أن "موضوع الإطاحة بالحلبوسي من رئاسة البرلمان أمر وارد منذ انتخابات عام 2021، لأنه كان هناك اتفاق سياسي على تغيير الرئاسات الثلاث، وعلى أساس ذلك اصطف تحالف العزم (السني) بقيادة مثنى السامرائي مع قوى الإطار التنسيقي من أجل إحداث هذا التغيير، وكان مرشحا عنهم للمنصب ذاته النائب محمد المشهداني".
وأكد ياور أنه "في كل دورة انتخابية يحصل تجاذب سياسي كبير بخصوص منصب رئيس البرلمان وتتدخل فيه حتى أطراف خارجية، لذلك فإن أي شخصية سنية تتبوأ المنصب تتهم بأنها مسنودة من الخارج ومن ضمنها الحلبوسي قيل حينها إن جهة إقليمية هي التي كانت وراء توليه المنصب عام 2018".
وأشار إلى أن "هذه التجاذبات السياسية موجودة وتستثمرها أطراف سنية مناوئة للحلبوسي، لأن قواعد تشكيل التحالفات قائمة على أساس تقاسم المناصب، فإذا تخلى الشريك السياسي عن إسناد هذه المناصب إلى شركائه، فإن هذه مثل الانشقاقات ستحصل بكل تأكيد".
"تفرّد الحلبوسي"
وفي السياق ذاته، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، الدكتور سعدون التكريتي لـ"
عربي21" إن "تحالف السيادة تعرض لهزات داخلية بسبب تفرّد محمد الحلبوسي بالقرار وتهميش الآخرين، ولا سيما زعيم التحالف خميس الخنجر، الذي التزم الصمت حيال كل الانشقاقات".
وأضاف التكريتي أن "توالي الانشقاقات في حزب تقدم تحديدا الذي يُعد النواة الأساسية لتحالف السيادة، لا شك أنه يعرضه للتفكك، خصوصا أن هناك أطرافا سنية أخرى تعمل على ذلك سواء في تحالف الأنبار الموحد أو تحالف العزم".
وبحسب التكريتي، فإن "أنباء تحدثت عن لقاء جمع رئيس تحالف الأنبار الموحد جمال الكربولي مع خميس الخنجر زعيم تحالف السيادة قبل أقل من شهر، وأنهما اتفقا على الدخول للانتخابات المحلية ضمن قائمة واحدة، لذلك فإذا صحت المعلومة هذه، فهذا يعني كتابة نهاية السيادة".
وأردف: "لكن ربما تكون هناك ضغوط تركية للإبقاء على تحالف السيادة موحدا، وهذا قد يؤجل تفككه لحين إيجاد بديل سني قوي يحل محله وتتوحد فيه غالبية القوى السياسية السنية، وهذا ما يعمل عليه تحالف العزم بقيادة مثنى الجبوري، وتحالف الأنبار بقيادة جمال الكربولي".
ولفت التكريتي إلى أن "الإطار التنسيقي الشيعي منقسم حيال إقالة الحلبوسي، لكن أكثر الغاضبين منه هو زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، والذي أوصل رسالة في وقت سابق إلى الأخير بأنه باستطاعته إقالته من رئاسة البرلمان خلال أقل من ربع ساعة، لأن الإطار يمتلك الأغلبية العددية".
وفي السياق ذاته، قال السياسي العراقي، مشعان الجبوري، إن "الاستقالات المتتالية من حزب تقدم أضعفته وستؤدي حتماً لتفككه، أما الشيخ خميس الخنجر الذي قرر احتفاظ النواب المستقيلين بعضويتهم في تحالف السيادة فأمامه فرصة تاريخية بتصحيح المسار والانفتاح على جميع النواب والسياسيين
السنة القلقين من أن تؤدي مغامرات "العجي" (الطفل) لمحنة جديدة لأبناء المكون".
وتابع الجبوري عبر سلسلة تغريدات على "تويتر" الأحد، قائلا: "سنتجاوز الخلافات الجانبية ونعمل مع الجميع على تشكيل تحالف كبير لنواب المناطق المحررة وسياسييها بما يمكننا من تحرير إرادة المكون وقراره من قبضة "العجي المغامر والمقامر والغادر" ووضع أمانة المسؤولية بيد من هم جديرون بحملها، في إشارة إلى الحلبوسي.