نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا أشارت فيه إلى الغضب الذي يسود الشمال السوري، بسبب عدم الاستجابة السريعة للزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، وراح ضحيته عشرات الآلاف.
وأوضحت الصحيفة في
تقرير ترجمته "عربي21"، أن أهالي
جنديرس، عانوا من عدم الاستجابة السريعة لإنقاذ المواطنين من تحت الأنقاض، أو توفير المأوى والطعام في ظروف الشتاء القاسية.
وكانت رقية محمد مصطفى في جنديرس تقف مع جيرانها القلائل المتبقين إلى جانب الأكوام المتكدسة التي كانت يوما بيوتهم، ورحبت بضجر بأول الزوار الذين رأتهم منذ
الزلزال الأسبوع الماضي. وطوال ذلك الوقت، كانت هي وأهل جنديرس في شمال سوريا يطلبون
المساعدة، أولا لإنقاذ الناجين من تحت الأنقاض، ثم توفير المأوى والطعام في ظروف الشتاء القاسية.
وعندما سافر رؤساء المؤسسات الإنسانية إلى دمشق وحلب الخاضعتين لسيطرة النظام، تحول اليأس في شمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة إلى غضب ثم حزن. قالت رقية: "لقد أدركنا أنه لن يأتي شيء لنا.. لقد أخرجنا الجثث بأيدينا. أولئك الذين لم نتمكن من الوصول إليهم ماتوا".
مع عدم وجود أي شخص على قيد الحياة الآن تحت الدمار في جنديرس، يجري التدافع للحصول على إمدادات منقذة للحياة. ليست هذه هي المرة الأولى التي يشعر فيها سكان شمال سوريا بأنهم منسيون، من عالم اعتاد على معاناتهم بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية، ومن قبل هيئات عالمية غير مستجيبة تذعن للعملية السياسية.
وأثار إعلان الأمم المتحدة، الاثنين، عن حصولها على موافقة رئيس النظام بشار الأسد، على فتح معابر حدودية إلى الشمال الغربي الذي تسيطر عليه المعارضة، ازدراء خاصا.
كانت جنديرس موطنا للنازحين من جميع أنحاء سوريا، وخاصة أولئك الذين تحدوا الأسد وأجبروا على النزوح نتيجة لذلك. كان طارق عامر أحدهم. قال: "الأسد أسوأ من الزلزال.. والأمم المتحدة تقتلنا أكثر بسياستها تجاه بشار، لسنا بحاجة إلى انتظارهم ليفتحوا الحدود.. هي مفتوحة بالفعل، لماذا يطلب الناس إذن النظام؟ ".
عبرت أول قافلة مساعدات غير مجدولة الحدود من باب السلام يوم الثلاثاء، محملة بالخيام والأدوية والبطانيات، وهي لا تشكل نقطة في الاحتياجات الجماعية لمحافظة عانت من معاناة خلال العقد الماضي أكثر من معظم الأماكن الأخرى في الشرق الأوسط.
قال معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لقوة الطوارئ السورية؛ إن إعلان الأمم المتحدة كان زائدا عن الحاجة، ويستند إلى تفسيرات ضيقة ومتناقضة بشدة للقانون الدولي.
وقال: "لا يحق لنظام الأسد أن يكون السلطة المطلقة على مصير ملايين المدنيين في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام في سوريا. الأمم المتحدة ليست بحاجة لقرار [مجلس الأمن] للمساعدة الإنسانية عبر الحدود، ومع ذلك فهي تسمح للأسد بأن يكون الممثل الوحيد للأشخاص الذين اضطهدهم منذ 12 عاما".
علي بكر، 60 عاما، كان يطالب أيضا بمساعدة سكان جنديرس - القلائل الذين ما زالوا على قيد الحياة ممن يعرفهم. قال؛ إن من بين 18 فردا من عائلته، نجا واحد فقط، مضيفا: "أحتاج إلى مساعدة نفسيه لتهدئة أعصابي، أخرجت الجثث بيدي".
بجانبه وقف عمران سيدو (36 عاما)، الذي توفي أطفاله الثلاثة، وأعمارهم أربعة أشهر وستة وثمانية أعوام، في المبنى نفسه. قال سيدو: "كيف سأتعافى من هذا؟ لقد زاد الأمر سوءا لأننا عرفنا أن لا أحد يهتم".
على الطريق المؤدية إلى جنديرس، بالقرب من مدينة عفرين، توقفت قافلة من الشاحنات تحمل مساعدات من السعودية. وبالقرب منها رفعت أعلام تعلن عن مساعدات قطرية. كما قامت المنظمات غير الحكومية النشطة داخل المقاطعة بتوزيع مواد الإغاثة من المخزونات الموجودة مسبقا.
لكن الاستجابة العالمية الجزئية والاستعداد، حتى الآن، للإذعان للأسد تخيم بظلالها على المنطقة. قال أحد السكان: "ذهبت إلى أوكرانيا ورأيت سيارات الأمم المتحدة كل خمسة أمتار" - وهو واحد من القلائل الذين حصلوا على إذن بالعبور إلى تركيا المجاورة والسفر إلى ما وراء ذلك. "أنا أفهم ما مروا به. ولكن نحن كذلك عانينا وما زلنا نعاني".
في المستشفيات، الأدوية والمعنويات آخذة في الانخفاض. استقبل مستشفى عفرين، أحد أكبر المستشفيات في المنطقة 750 مريضا، كثير منهم إصابات خطيرة أو في حالة وفاة، في الساعات التي تلت الزلزال. كان العديد منهم من الأطفال، وتطلب ما يصل إلى 15 منهم عمليات بتر الأعضاء.
وقال الطبيب الذي أجرى معظم العمليات الجراحية؛ "إنها أصعب الأمور التي يجب إجراؤها.. ليس تقنيا، ولكن بسبب ما تمثله تلك العمليات".
في جناح قريب، رقدت نور البالغة من العمر ثلاث سنوات نائمة وساقها المتبقية مغطاة ببطانية. كانت ساقها الأخرى قد بُترت تحت أنقاض منزل العائلة، حيث ماتت والدتها وإخوتها. كان والدها يأتي لزيارتها في معظم الأيام، وكانت راحتها بينهما بالونا على شكل يد. تمسك يد نور الصغيرة بأحد أصابعها.
في صالة رياضية، كان وحيد خليل قد لجأ مع من تبقى من عائلته. كانت ابنته الصغيرة فاترة ومحمومة. هرع بها طبيب شاب يرتدي معطفا أبيض وسط حشود من الرجال والنساء الذين كانوا يتجولون ببطء في منزلهم المؤقت. بعد فترة وجيزة، عادت الفتاة مع مصاصة وكوب من الأدوية، لمحة نادرة من الأمل بعد أسبوع مظلم.
لكن في أماكن أخرى لم يكن هناك كثير يحتفى به. سأل عامر، في جنديرس: "الدول التي تدعي الحقوق الإنسانية مهمة جدا، أين هي؟ ينتهي بهم الأمر إلى استغلال معاناتنا. ولكن يبدو أنهم يهتمون بحقوق الحيوان أكثر من حقوق الإنسان".
وأضاف: "هذا الزلزال سيتكشف عن المزيد من الجثث، عندما نتمكن من الوصول إليهم". لكن هذا النظام لديه الكثير من الأسرار التي يجب الكشف عنها. قام الروس باختبار 400 سلاح علينا وحولونا إلى فئران تجارب. إنه بؤس فوق المعاناة. يجب على العالم أن يساعدنا في إعادة البناء ويحتاج إلى تعلم دروس التاريخ. الأسد ليس صديقكم".