يبدو أن الأنظمة
الاستبدادية العربية
قد آن أوان انهيارها تدريجيا، بعد أن مانعت من السقوط المدوي، وبدعم من العسكر، حاولت العودة من جديد للقبض على الحكم وإدخال الشعوب العربية عنوة في سجونها
المفتوحة، لجعلها (الشعوب) ممزقة مشتتة فاقدة لكل سبل العيش والحياة الحرة الكريمة.
باتت الآن هذه الأنظمة تتعرض لهزات
اقتصادية خطيرة جدا، أبرز عناوينها ومعالمها هو سقوط عملاتها الوطنية أمام
العملات الأجنبية كالدولار واليورو.
هنا، يزداد قهر وحزن وغضب الشعب؛ لأنه
قد اكتشف زيف ادعاءات هذه الأنظمة ولو متأخرا؛ بأن الغرب وأمريكا هما من يتسبب في
فقر ومعاناة هذه الشعوب.
والسؤال الحارق المحرق للسان حال هذه
الشعوب، هو: لماذا هذه الأنظمة ترفع شعار محاربة الإمبريالية والصهيونية والرجعية، وترفع
أيضا شعار المقاومة والممانعة، ولكنها تقف عاجزة مغلولة اليدين عن محاربة
الفساد، الذي ينخر في مفاصلها وهياكلها وبنية اقتصاداتها بصورة عامة؟!
أيضا، لماذا عندما قام الشعب بثورته في
الربيع العربي وما تلاه من موجات متتابعة في غير بلد عربي، ثارت ثائرة هذه الأنظمة
وقامت ولم تقعد، وبدأت تصرخ وتجعجع، بأن هناك مؤامرة خارجية ضدها، وأن من يقوم
بالتظاهر هم عملاء أمريكا؟ كما قال رئيس النظام السوري في بداية
الثورة السورية: إذا
كانوا يريدون حربا فنحن لها، متحديا شعبه عوضا عن تهدئته وتلبية مطالبه التي
كانت في البداية إصلاحات كان يمكن تحقيقها بأقل التكاليف، واستخدم الأمن والجيش
والشبيحة والمليشيات من شتى دول العالم لقمع ثورة الشعب السوري بالإبادة والقتل والاعتقال
والكيماوي والبراميل المتفجرة والتهجير، لكن هذا النظام عجز ويعجز عن إطلاق رصاصة
واحدة فقط بوجه المحتلين الذي احتلوا سورية، وهم عدة دول إقليمية ودولية! ناهيك عن
الضربات الإسرائيلية المتكررة لمواقع في سوريا تابعة لإيران دون رد ولا من يحزنون!
الزُمر الحاكمة في
العالم العربي
تتعامل مع الشعب وفق معطيات الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، بالضرب على
وتر فلسطين والصهاينة والمقاومة والممانعة، وهي تظن أن همّ الشعوب العربية هو
تحرير فلسطين فقط -على أهميته القصوى-، وإن كانت ميتة من الجوع (بالتعبير الشعبي
الدارج)، ولا خبز ولا ماء ولا كهرباء ولا تدفئة ولا وقود ولا مواصلات ولا رواتب
محترمة تكفي العائلات، وأن هذه الشعوب لا زالت تثق بهذه الأنظمة بأنها هي من ستحرر
فلسطين وهي من ستعيد الأراضي العربية المحتلة.
ولمن يظن أن ثورات الربيع العربي قد انتهت فهو واهم؛ لأن سبب وأسّ الأزمة الأساسي موجود، وهو الأنظمة الاستبدادية والفساد المستشري بين الزُمر الحاكمة، وابتعاد هذه الزمر عن الاهتمام بهموم الشعوب العربية من مأكل وملبس ومسكن وصحة وتعليم، وأن التحولات التي جرت والتدخلات التي حدثت في مرحلة الربيع العربي، ما هي إلا حتمية تاريخية وصراع مستمر، بين قوى النهب
والسلب والقمع وقوى الحرية والعيش الكريم، ولن ينتهي هذا الصراع الا بانتصار قوى
الحرية والكرامة والإنسانية.