مقابلات

"أوكسفام" لـ"عربي21": ندعو للقضاء على الفجوة الهائلة بين الأغنياء والفقراء

"أوكسفام" دعت إلى القضاء على ثروات المليارديرات في أسرع وقت- عربي21
دعت مستشارة السياسات في منظمة أوكسفام الدولية، دانا عابد، إلى "القضاء على ثروات المليارديرات الطائلة، وإعادة توزيع الأموال بشكل عادل، ووضع مسار واضح للقيام بذلك، في أسرع وقت ممكن، من أجل مكافحة تزايد الفجوة الهائلة بين الأغنياء والفقراء في مختلف دول العالم".

وأشارت عابد، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إلى أن "عدد المليارديرات وثرواتهم تنمو بلا هوادة، حيث تضاعفت في العقد الماضي، بينما لا يمكننا أن ندع هذا يستمر، طالما هناك ملايين من البشر مهددون بسبب الفقر المدقع والجوع"، مُشدّدة على أن "تراكم الثروة الفائقة قد خرج عن نطاق السيطرة".

وأوضحت عابد أن "أحد أسباب التفاوت الشديد في توزيع الثروات، هو انهيار الضرائب المفروضة على فاحشي الثراء؛ حيث يدفع المليارديرات معدلات ضرائب تبلغ 3%، في حين تم نقل العبء الضريبي إلى الناس العاديين".

ولفتت إلى أن "الحل الاستراتيجي الأساسي يتمثل في فرض ضرائب على فاحشي الثراء. إنه باب الخروج من الأزمات الاقتصادية في العالم. يمكن لفرض ضريبة الثروة السنوية على أصحاب الملايين والمليارات إنهاء الفقر عالميا"، مضيفة: "نحن بحاجة إلى اقتصادات تفيد الجميع، وليس فقط القلة ذات الامتيازات العالية".

وقبل أيام، أصدرت منظمة أوكسفام تقريرا كشف أن أغنى 1% من البشر قد استحوذوا على ما يقارب ثلثي جميع الثروات الجديدة، التي تبلغ قيمتها 42 تريليون دولار التي جُمعت منذ عام 2020، أي ضعف الأموال التي كسبها 7 مليارات شخص الذين يشكلون 99% من سكان العالم. وخلال العقد الماضي، استحوذ أغنى 1% من البشر على حوالي نصف الثروة الجديدة.

وجرى إصدار هذا التقرير، الذي حمل عنوان "البقاء للأغنى"، تزامنا مع افتتاح المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة دافوس السويسرية، حيث تتجمع النخب في منتجع التزلج السويسري مع تزايد الثروات الطائلة والفقر المدقع في آن معا لأول مرة منذ 25 عاما.

وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

كيف تابعتم ردود الفعل المختلفة المتعلقة بتقرير "أوكسفام" الأخير "البقاء للأغنى"؟


لقد كان واضحا جدا منذ أن أصدرنا التقرير أن ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم ينضمون الآن إلى حملة منظمة أوكسفام لإنهاء اللامساواة، وغيرها من المنظمات والمجموعات، التي تطالب بفرض ضرائب على الأغنياء وتتفق مع مقترحاتنا. كان هذا واضحا على وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث كان لدينا ملايين الانطباعات، مما يدل حقا على أن الرأي العام يدعم مطالبنا.

ما الأسباب الرئيسية التي أدت لتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء؟ وما الحل؟


أحد الأسباب التي تجعلنا نرى مثل هذا التفاوت الشديد، هو انهيار الضرائب المفروضة على فاحشي الثراء. يدفع المليارديرات معدلات ضرائب تبلغ 3%، في حين ينقل العبء الضريبي إلى الناس العاديين.

علينا العودة إلى الأساسيات؛ إذ يتمثل الحل الاستراتيجي الأساسي في فرض ضرائب على فاحشي الثراء. إنه السبيل الوحيد لحل الأزمات الاقتصادية المركبة. يمكن لفرض ضريبة الثروة السنوية على أصحاب الملايين والمليارات إنهاء الفقر. عالميا نحن بحاجة إلى اقتصادات تفيد الجميع، وليس فقط القلة ذات الامتيازات الشديدة.

ما خطورة التفاوت الكبير لتوزيع الثروة في العالم واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء؟


لقد شهد أصحاب المليارات تزايدا غير عادي لثرواتهم؛ فخلال سنوات الجائحة وأزمة كلفة المعيشة منذ عام 2020، استحوذ أغنى 1% من البشر على 26 تريليون دولار (63%) من جميع الثروات الجديدة، بينما ذهب 16 تريليون دولار (37%) فقط إلى باقي سكان العالم مجموعين. لقد حصل كلّ ملياردير على ما يقارب 1.7 مليون دولار مقابل كل دولار من الثروة العالمية الجديدة التي يكسبها شخص من أفقر 90% من البشرية. زادت ثروات أصحاب المليارات بمقدار 2.7 مليار دولار يوميا، ويأتي ذلك على رأس عقد من المكاسب التاريخية، أي تضاعف ثروات أصحاب المليارات وأعدادهم خلال السنوات العشر الماضية.

وفي الوقت نفسه، يعيش الآن 1.7 مليار عامل وعاملة على الأقل في بلدان يتجاوز فيها التضخم معدلات نمو الأجور، ويعاني أكثر من 820 مليون شخص -أي ما يقارب واحد من كل عشرة أشخاص على وجه الأرض- من الجوع. وغالبا ما تكون النساء والفتيات آخر وأقلّ مَن يتوفر له الحصول على الطعام، ويُشكّلن ما يقارب 60% من سكان العالم الجياع.

ويقول البنك الدول؛ي إننا نشهد على الأرجح أكبر زيادة في اللامساواة والفقر العالميين منذ الحرب العالمية الثانية. وتواجه بلدان بأكملها خطر الإفلاس؛ إذ وصل إنفاق البلدان الأشدّ على سداد الديون إلى الدائنين الأغنياء أربعة أضعاف ما تنفقه على الرعاية الصحية، وتخطط ثلاثة أرباع حكومات العالم خفض الإنفاق على القطاع العام بسبب التقشف، -بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم- بمقدار 7.8 تريليون دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة.

ما الذي ينبغي على الحكومات المختلفة فعله للتعاطي مع أزمة توزيع الثروة؟


إن الإجراء الوحيد الأكثر إلحاحا والهيكلية والاستراتيجية التي يتعين على الحكومات اتخاذها الآن، هي فرض ضرائب على الأغنى. يجب استثمار ذلك الإجراء في تدابير قوية ومثبتة تُقلّل عدم المساواة، مثل الحماية الاجتماعية الشاملة والرعاية الصحية الشاملة، والحاجة الماسة لتمويل حلول لأزمة المناخ. ويجب محاسبة الحكومات -وحماية حقوق الناس- لضمان إنفاق هذه الأموال بهذه الطريقة.

دعوتكم إلى ضرورة تخفيض عدد المليارديرات بمقدار النصف بحلول عام 2030.. كيف ذلك؟ وما مدى واقعية الحلول التي قمتم بطرحها في التقرير؟



من الممكن جدا فرض ضرائب على الأغنياء. لقد رفعت كوستاريكا أعلى معدل لضريبة الدخل الشخصي من 15% إلى 25%، وفرضت بوليفيا والأرجنتين ضرائب الثروة والتضامن على مَن هم الأغنى في البلاد، على التوالي.

وكجزء من إصلاحها الضريبي، ستعمل كولومبيا على زيادة الضرائب على أصحاب الدخل المرتفع، وكذلك على مكاسب رأس المال وتوزيعات الأرباح، وإدخال ضريبة جديدة على صافي الثروة وضريبة على الأرباح غير المتوقعة لشركات النفط والفحم.

وجمعت الأرجنتين 223 مليار بيزو (حوالي 2.4 مليار دولار) من ضريبة الثروة الوبائية لمرة واحدة.
أما في جميع أنحاء العالم، تتخذ الحكومات خطوات لتنفيذ ضرائب غير متوقعة في بعض القطاعات، بما في ذلك الهند وتشيلي وإيطاليا والمملكة المتحدة ورومانيا واليونان وألمانيا وباكستان وبلجيكا وإسبانيا والمجر.

ومن ثم، هل تتوقعون حدوث استجابة عالمية للإصلاحات والحلول التي طرحتها "أوكسفام" في هذا الصدد؟



كل ملياردير هو فشل في السياسة. كل ملياردير هو أحد أعراض النظام الاقتصادي المُنهار الذي يولّد تركيزات ضخمة للثروة على حساب الجميع. سيكون العالم مكانا أفضل إذا كان لدينا اقتصاد لم ينتج أي مليارديرات على الإطلاق.

ولكن بدلا من ذلك، يبدو أن عدد المليارديرات وثرواتهم تنمو بلا هوادة، حيث تضاعفت في العقد الماضي. لا يمكننا أن ندع هذا يستمر. نعتقد أن العالم يجب أن يهدف إلى القضاء على المليارديرات ووضع مسار واضح للقيام بذلك. وفي هذا السياق، نقول؛ إنه كنقطة بداية، يجب أن تنخفض الثروة وعدد المليارديرات إلى النصف -بأسرع ما يمكن-؛ لأن هذا من شأنه، على الأقل، إعادة كل هذه الأرقام المرتفعة إلى ما كانت عليه قبل عقد من الزمان، في عام 2012. هذه هي النقطة التي نطرحها.

ونحن نواصل القول؛ إن تراكم الثروة الفائقة قد خرج عن نطاق السيطرة، وتخفيض عدد المليارديرات الأغنى عالميا إلى النصف سيعيدنا فقط إلى حيث كنّا قبل 10 سنوات. قد تكون هذه بداية جيدة، ولكن يجب أن تكون مجرد نقطة انطلاق نحو إلغاء المليارديرات تماما.

لذا، لا ترى منظمة أوكسفام هذا على أنه اقتراح أو مطلب غريب على الإطلاق؛ فنحن اليوم نعاني بسبب الطمع الأعمى لأصحاب الثروات بجمع المزيد من الأموال من جهة، والسياسات الاقتصادية غير العادلة والمنحازة والمتساهلة مع الأغنى، خاصة خلال العشر سنوات الماضية.

هناك أنشطة إنسانية وخيرية لبعض أثرياء العالم.. فكيف تنظرون لهذه الأنشطة؟ وما مدى فاعليتها في مواجهة الفقر؟



يجب تهنئة الأفراد الأثرياء الذين يستخدمون أموالهم لمساعدة الآخرين، لكن العطاء الخيري ليس بديلا للأثرياء والشركات الذين يدفعون نصيبهم العادل من الضرائب، ولا يبرر استخدامهم لسلطتهم وعلاقاتهم للضغط من أجل الحصول على مزايا غير عادلة على الآخرين.

لا يمكن إدارة عالمنا على أساس الأعمال الخيرية والأهواء الشخصية للأثرياء الكبار، مستخدمين الثروات التي جمعوها من خلال نظام اقتصادي معطل يغذي الفقر وعدم المساواة. والكثير من الأعمال الخيرية للنخبة تدور حول قضايا النخبة (على سبيل المثال: التعليم العالي والجامعات النخبوية)، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم عدم المساواة (الاقتصادية، والجنس، والعرقية، وما إلى ذلك) بدلا من تقليلها.

كما أن هذه القرارات ليست ديمقراطية. الضرائب وخيارات السياسة الضريبية وكيفية إنفاق الحكومات للأموال، هي نتيجة اتخاذ صانعي السياسات لتلك القرارات، الذين يمكن محاسبتهم من قِبل ناخبيهم، بينما المليارديرات ليس لديهم ناخبون.

لقد جادل رجل الأعمال المعروف بيل غيتس بأن "ثروته المفرطة ليست عادلة"، وأنه حصل على "مكافأة غير متناسبة" على العمل الذي قام به، "في حين أن العديد من الآخرين الذين يعملون بنفس القدر يكافحون من أجل البقاء". وقد قال؛ إن الأغنياء يجب أن يدفعوا المزيد من الضرائب، التي ينبغي إنفاقها من أجل "بناء عالم أكثر صحة وإنصافا للجميع".
ودعا وارن بافيت وأبيجيل ديزني إلى فرض ضرائب أعلى على فاحشي الثراء.

وفي الولايات المتحدة، ينجح الأغنى 1% من تجنب دفع ضرائب تصل إلى 163 مليار دولار سنويا، وفقا لوزارة الخزانة الأمريكية. بينما تتهرب الشركات من دفع ضريبة مقدارها 70 مليار دولار عبر عمليات تحويل وتسريب الأرباح، بينما بلغت الأعمال الخيرية للشركات في الولايات المتحدة أقل من 20 مليار دولار سنويا.

وخلال شهر أيار/ مايو الماضي، نشر أكثر من 150 مليونيرا، بمن فيهم مارك روفالو وأبيجيل ديزني، رسالة مفتوحة تدعو الحكومات إلى فرض ضرائب أكبر عليهم. وانضم المليونيرات مارلين إنجلهورن وفيل وايت إلى احتجاج في دافوس للمطالبة بفرض ضرائب أعلى على الأثرياء.

هل ثروات أغنياء العالم كافية للقضاء على أزمة الفقر؟


وفقا لتحليل جديد أجراه تحالف محاربة اللامساواة (The Fight Inequality Alliance)، ومعهد الدراسات السياساتية (Institute for Policy Studies)، ومنظمة أوكسفام، وأصحاب الملايين الوطنيون (the Patriotic Millionaires)، فإن ضريبة الثروة السنوية التي تصل إلى 5% على أصحاب الملايين والمليارات في العالم يمكن أن تجمع 1.7 تريليون دولار سنويا، وهو ما يكفي لانتشال ملياري شخص من براثن الفقر، ولتمويل كامل العجز في النداءات الإنسانية القائمة، وتنفيذ خطة عشرية للقضاء على الجوع، ودعم البلدان الفقيرة التي تعصف بها آثار المناخ، وتوفير الرعاية الصحية الشاملة والحماية الاجتماعية لكل مَن يعيش في البلدان المنخفضة الدخل، والبلدان في الشريحة الأدنى من فئة الدخل المتوسط.

برأيكم، إلى أين سيتجه توزيع الثروة في العالم خلال السنوات المقبلة؟


تدعو منظمة أوكسفام الحكومات إلى فرض ضرائب تضامنية على الثروة لمرة واحدة، وضرائب استثنائية على الأرباح غير المتوقعة لإنهاء التربّح من الأزمات، وزيادة الضرائب بشكل دائم على أغنى 1% من البشر لتصل إلى 60% على الأقل، على سبيل المثال، من دخلهم من العمل ومن رأس المال، وعلى الميراث والممتلكات والأراضي، فضلا عن ضرائب الثروة الصافية مع معدلات أعلى لأصحاب الملايين والمليارات. كما يجب على الحكومات بشكل خاص زيادة الضرائب على مكاسب رأس المال، التي تخضع لمعدلات ضريبية أقل من أشكال الدخل الأخرى.