كتاب عربي 21

في الذكرى الـ22 لرحيله: أين أصبح المشروع الإصلاحي للشيخ شمس الدين؟

انتقد شمس الدين فكرة ولاية الفقيه وأكد على ولاية الأمة
في العاشر من كانون الثاني/ يناير من العام 2001 توفي الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين بعد معاناة مع المرض، وقد ترك خلفه إرثا كبيرا من الأفكار الإصلاحية والتغييرية والعديد من المؤسسات الفكرية والعلمية والدينية والاجتماعية، إضافة إلى وصايا خاصة سجّلها بصوته خلال فترة العلاج في باريس، وخصّ فيها المسلمين الشيعة بالعديد من الأفكار والملاحظات، علاوة على وصاياه للمسلمين والمسيحيين. وقد طبعت لاحقا هذه الوصايا في طبعات متعددة وتركت خلفها نقاشات وحوارات كثيرة، لما تضمنته من ملاحظات مهمة وأفكار تجديدية حول الدولة الوطنية وكيفية حمايتها ومواجهة الفتنة المذهبية.

والسؤال المهم الذي يطرح اليوم بعد 22 سنة على رحيل الإمام شمس الدين: أين أصبح مشروعه الإصلاحي والفكري؟ وهل لا تزال طروحاته قابلة للتطبيق في عالمنا اليوم في ظل التحديات التي يواجهها العالم العربي والإسلامي والفتن المتنقلة والصراعات والحروب المتعددة، إضافة للأزمات الفكرية والسياسية؟

أين أصبح مشروعه الإصلاحي والفكري؟ وهل لا تزال طروحاته قابلة للتطبيق في عالمنا اليوم في ظل التحديات التي يواجهها العالم العربي والإسلامي والفتن المتنقلة والصراعات والحروب المتعددة، إضافة للأزمات الفكرية والسياسية؟

للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من العودة إلى المشروع الفكري والسياسي والديني التجديدي الذي طرحه الإمام شمس الدين، وكيفية تطوير أطروحاته لحين رحيله.

الإمام محمد مهدي شمس الدين هو أحد رواد الحركة الإسلامية التغييرية، والتي برزت منذ خمسينات القرن العشرين إلى بدايات القرن الواحد والعشرين، وهو رافق بروز حركة الإخوان المسلمين وعدد كبير من المفكرين المسلمين الذين تركوا بصمات كبيرة في الفكر الإسلامي والحركي، ومنهم المفكر مالك بن نبي وسيد قطب وأبو الأعلى المودودي.

وعمل في ظل المرجع الكبير الإمام السيد محسن الحكيم، وساهم مع عدد من العلماء والقيادات الإسلامية في تأسيس حزب الدعوة الإسلامية في العراق، وإن كان لاحقا ترك العمل الحزبي ووجه له انتقادات قاسية، ومن ثم تعاون مع الإمام موسى الصدر في تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان وتولى رئاسته لاحقا بعد تغييب الإمام الصدر. وتعاون مع المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله في رعاية وتأسيس الحركة الإسلامية في لبنان رغم الخلاف والتباين معه لاحقا، وواكب انتصار الثورة الإسلامية في إيران وأطلق مواقف داعمة ومؤيدة لها، ولكنه اختلف مع قيادتها لاحقا.

كما واكب عمل حركة أمل وحزب الله، ولكنه ابتعد عن العمل الحزبي وأطلق المقاومة المدنية الشاملة في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وساهم في تأسيس العديد من المؤسسات الاجتماعية والفكرية والأكاديمية، وأهمها الجامعة الإسلامية والجمعية الخيرية الثقافية.

أهمية الشيخ شمس الدين على المستوى الفكري والديني التجديدي أنه امتلك القدرة على تطوير أفكاره ورؤاه من خلال تصديه لمختلف التطورات والأحداث، ولم يقف جامدا أمام أفكار محددة تبناها في بداية تشكّل وعيه أو توليه العمل الفكري والسياسي. فهو انطلق بداية متأثرا بالصحوة الإسلامية الحركية في مواجهة الشيوعية والعلمانية والمذهبية، وأسس لفكر إسلامي حركي من خلال رؤاه القرآنية والعودة إلى تراث الأئمة وأهل البيت

وأهمية الشيخ شمس الدين على المستوى الفكري والديني التجديدي أنه امتلك القدرة على تطوير أفكاره ورؤاه من خلال تصديه لمختلف التطورات والأحداث، ولم يقف جامدا أمام أفكار محددة تبناها في بداية تشكّل وعيه أو توليه العمل الفكري والسياسي.

فهو انطلق بداية متأثرا بالصحوة الإسلامية الحركية في مواجهة الشيوعية والعلمانية والمذهبية، وأسس لفكر إسلامي حركي من خلال رؤاه القرآنية والعودة إلى تراث الأئمة وأهل البيت. وكان كتابه المهم حول الحكم والإدارة انطلاقا من رسالة الإمام علي إلى مالك الأشتر؛ أحد أبرز تجلياته الفكرية في الحكم والإدارة، كما رد بقسوة على طروحات المفكر صادق جلال العظم من خلال كتابه حول العلمانية. ورغم أنه تأثر كثيرا بأفكار الإخوان المسلمين ودعم الثورة الإسلامية في إيران، لكنه لاحقا طوّر أفكاره حول الحكم ودعا لتبني مشروع "ولاية الأمة على نفسها"، والذي يقترب كثيرا من مشروع الديمقراطية ودولة المواطنة، رافضا مشروع ولاية الفقيه.

وعلى الصعيد المذهبي طرح مشروعا إسلاميا وحدويا من خلال إعادة قراءة التراث الإسلامي والدعوة إلى تجاوز الخلافات المذهبية، والعمل لبناء الدولة القادرة على تأمين حاجات المواطنين وتعزيز الانتماء الوطني على حساب الانتماء المذهبي والطائفي.

وواجه التطبيع والتفاوض مع الكيان الصهيوني، إضافة لدعمه خيار المقاومة ونصرة الشعب الفلسطيني وقضية القدس، لكنه قدّم أطروحة جديدة لمنع الصدام مع الأنظمة التي تبنت التطبيع من خلال مشروعه الذي طرحه: خيارات الأمة وضرورات الأنظمة. وهو يدعو إلى ترك الشعوب العربية والإسلامية كي تعبر عن رفضها للتطبيع حتى لو اضطرت بعض الأنظمة لتوقيع بعض الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني، وكان يراهن على أن الشعوب العربية والإسلامية قادرة على إسقاط هذه الاتفاقيات.

ومن المشروعات الفكرية والعملية التي طرحها، الدعوة إلى تجاوز الخلافات بين التيارات الإسلامية والقومية والتصالح فيما بينها، وكان من الداعمين والمساهمين في تأسيس المؤتمر القومي الإسلامي.

وقد قدّم الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين العديد من الأفكار التجديدية في الفقه، وخصوصا حول المرأة والحكم والإدارة، وكانت له مساهمات عملية في معالجة بعض الأزمات في الدول العربية وخصوصا في الخليج، والعمل للتصالح بين قوى المعارضة والسلطة ولا سيما في السعودية والبحرين.

في ظل ما نعانيه من أزمات فكرية وسياسية، والتحديات المختلفة التي يواجهها المشروع الإسلامي والحركات الإسلامية والعالم العربي والإسلامي، نحتاج إلى العودة إلى هذا التراث الفكري والفقهي والسياسي كي نقرأه مجددا ونستفيد منه في مواجهة أزمات الحاضر

لا يعني كل ذلك أنه يمكن الاتفاق مع الشيخ شمس الدين في كل ما طرحه وعدم الاختلاف معه في بعض مواقفه السياسية أو طريقة مقاربته لبعض القضايا السياسية، لكن لا بد من الاعتراف بأن الشيخ شمس الدين ترك تراثا فكريا مهما يستحق إعادة التفكير والبحث فيه مجددا، وهو يضاف إلى ما تركه عشرات العلماء والمفكرين من الجيل الذي عاصره وواكبه.

ونحن اليوم وفي ظل ما نعانيه من أزمات فكرية وسياسية، والتحديات المختلفة التي يواجهها المشروع الإسلامي والحركات الإسلامية والعالم العربي والإسلامي، نحتاج إلى العودة إلى هذا التراث الفكري والفقهي والسياسي كي نقرأه مجددا ونستفيد منه في مواجهة أزمات الحاضر، وهذه ليست مهمة مجموعة معينة أو فريق إسلامي أو جهة حزبية أو مذهبية، بل هي مهمة كل المفكرين ومراكز الدراسات والأبحاث، وخصوصا تلك المؤسسات المعنية اليوم بالفكر العربي والإسلامي.

فهل نستعيد هذا التراث الهائل كي نقرأه مجددا على ضوء تحديات الحاضر؟ أم نتركه في المستودعات والمخازن كي يملأه الغبار ويطويه النسيان؟

twitter.com/kassirkassem